إسرائيل تختار الدراما السياسية على حساب ضحية اغتصاب فلسطينية — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

تسريب مفجع يعيد تشكيل المعركة السياسية والإعلامية

أحدثت اعترافات المدعية العسكرية العليا الإسرائيلية، اللواء يفت تومر–يروشالمي، بأنها كانت مصدر تسريب فيديو يوثّق اغتصاباً جماعياً لمعتقل فلسطيني في مركز الاعتقال العسكري سدي تيمان عام 2024، هزة قوية في أوساط المؤسسة السياسية والإعلامية الإسرائيلية.

ردود الفعل الرسمية والخلاف على الخطاب العام

اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو — الذي واجه إدانات دولية واسعة بسبب قيادته للحرب القاتلة على غزة — هذا التسريب «ربما أعظم ضربة في مجال العلاقات العامة» التي تعرّضت لها دولة إسرائيل. في المقابل، خرجت أصوات من داخل المؤسسة السياسية للدفاع عن دستگاه القضاء والمؤسسات الرسمية، معتبرة أن نتنياهو وحلفاءه يستغلون التسريب لضرب هذه المؤسسات وتقويضها.

الضحايا في الظل: تفاصيل الهجوم وإهمال التركيز عليه

تلاشت وقائع الجريمة نفسها بين عناوين ركزت على التسريب وإفصاح المشتبه بها. الحادثة التي وقعت في 5 تموز/يوليو 2024 كانت عنيفة لدرجة دخول الضحية إلى المستشفى بإصابة تمثلت، بحسب صحيفة هآرتس، بتمزق في الأمعاء، وإصابات شديدة في الشرج والرئتين، إضافة إلى كسور في الأضلُع تطلّبت تدخلاً جراحياً لاحقاً. ومع ذلك، نادرًا ما ترد كلمة «اغتصاب» صراحة في التغطية الإعلامية العلنية؛ كما لاحظت أورلي نوي، محررة صحيفة Local Call بالعبرية، قائلة إن تأطير القصة يختلف تماماً عما قد يراه أي مراقب خارجي.

تحويل الاهتمام من الجريمة إلى مُسرّبها

بدلاً من التركيز على الجناة المزعومين أو على مجريات المساءلة القانونية، اتجهت الساحة العامة إلى شخصية تومر–يروشالمي ومن يُتهمون بمساعدتها على إخفاء مصدر التسريب. على شاشة التلفزيون الإسرائيلية وصف إيلي كوهين، عضو حزب الليكود ووزير الطاقة، تومر–يروشالمي بأنها «كان يفترض أن تكون الصدرية الواقية لجنودنا» ثم أضاف أنها «طعنتهم في الظهر»، واتهمها بالخيانة. أما وزير الدفاع يسرائيل كاتس، فغرق في بيانات رسمية متعددة اتهم فيها المدعية بأنها تشنّ «افتراء دموي» ضد المتهمين الخمسة.

يقرأ  سفينة حربية بريطانية يُنفَّذ معظم بنائها في إسبانيا بعد أن تبين أن حوض هارلاند وولف «غير جاهز»

السياسة تغطّي الجرائم: سياسة اغراق الواقع القضائي

لم تكن حملة التركيز على شخص المدعية جديدة؛ فقد تعرّضت لتومر–يروشالمي لضغوط سياسية واتهامات بالتستر على مصدر التسريب منذ أن ظهرت أول تقارير عن الاغتصاب في آب/أغسطس 2024، واستمرّ الضغط حتى أعلن المدعي العام غالي بهاراف–ميارا أوائل أكتوبر فتح تحقيق حول مصدر التسريب. في 1 تشرين الثاني استقالت تومر–يروشالمي واعترفت بأنها المبلغ، وبعد يومين فُقدت لساعات عقب اكتشاف ما خشيت العائلة والأصدقاء أن يكون رسالة انتحارية، ما استدعى حملة بحث واسعة النطاق.

الاعتقال والتهم وتوسّع دائرة الاتهامات

عُثر عليها لاحقًا سالمة، ثم جرى اعتقالها بسرعة، ورفض المدعون العامون تفسير ورقة الانتحار باعتبارها ذريعة. ووجهت إليها تهم متعددة، بينها الاحتيال وخيانة الأمانة وعرقلة سير العدالة وسوء استخدام المنصب. كما طالت الاعتقالات مسؤولين عسكريين آخرين؛ فاعتقلت الشرطة المدعي العام العسكري السابق، المقدم ماتان سولوموش، للاشتباه في مساعدته لتومر–يروشالمي في محاولة التستر على التسريب، وترددت إشارات إلى احتمال تورط المدّعية العامة وطاقمها.

لغة السلطة: طمس فعل الاغتصاب لصالح معركة السلطة

يرى محللون سياسيون أن القضية تكشف أولوية السلطة في تظهير خصومها بدل مساءلة مرتكبي الجرائم. قال أوري غولدبيرغ إن «الاغتصاب لا يهم»، وأن ما يهم السلطة هو المرأة التي سربت الشريط وما يريدون تسميته بـ«الدولة العميقة». بالنسبة لنتنياهو وأنصاره، يشكّل التسريب دليلاً على أن «الدولة العميقة» امتدت سلطتها بشكل فائق، وأن اتهام تومر–يروشالمي بالتواطؤ مع المدّعية العامة يمنحهم ذريعة لتقويض أي رقابة مدنية متبقية.

الصراع على القضاء وسياق أوسع

يرجع صراع نتنياهو وحلفائه مع السلطة القضائية إلى ما يسميه منتقدوه «الانقلاب القضائي» عام 2023، حين اقترح إصلاحات شاملة للنظام القضائي تهدف إلى تقليص قدرة المحكمة العليا على الرقابة. ويتعرض نتنياهو أيضًا لسلسلة من قضايا الفساد تعود إلى 2019. لو أُقرّت الإصلاحات القضائية المقترحة فستمنح ائتلافه اليميني هامشاً أوسع للعمل من دون ضوابط المحكمة العليا، ما قد يؤدي إلى تشديد قمع المعارضة وتضييق حقوق الفلسطينيين.

يقرأ  ألفاريز ضد كروفورد — هل ستكون الأكبر في تاريخ ملاكمة لاس فيغاس؟

المدعية العامة كمحور المواجهة

وقفت المدّعية العامة غالي بهاراف–ميارا في مرمى الانتقادات لأنها قاومت تلك الإصلاحات؛ فقد أصدرت في 2023 توجيهات قانونية اعتبرت أن المقترحات ستقوّض ضوابط النظام وتعرض حقوق الإنسان والحوكمة النزيهة للخطر، ونصحت رئيس الحكومة بالابتعاد عن تلك التعديلات، مشيرة إلى تضارب مصالحٍ واضح في ظل محاكمته بتهم فساد. بالنسبة لبعض السياسيين، فإن حملة التشهير ضد المدعين والتحقيق في مصدر التسريب ليست إلا وسيلة لإزاحة الرقابة عن الممارسات المتنافية مع القانون.

اتهامات بالتغطية والهدف الحقيقي

تؤكد نواب من اليسار، مثل عايدة طوما–سليمان، أن الهدف هو التغطية على الجريمة ذاتها: «هم يريدون التستر على الاغتصاب»، قالت لقناة الجزيرة، «لهذا يتعاملون مع المدّعين وليس مع الجريمة». وتضيف أن الرسائل المتكررة من نتنياهو واليمين تصوّر القضاء كعدو وأن أي كشف يُحرّك اهتمام الرأي العام يُستخدم فورًا كسلاح سياسي ضد مؤسسات تتحقق من سلطاتهم. «انظروا إليهم، إنهم مجرمون.»

العدالة ضائعة

في خضم العاصفة السياسية، يتراجع احتمال ملاحقة من تُتهمهم بالاغتصاب المزعوم. ظهر يوم الاثنين أن الضحية أُعيد إلى غزة في أكتوبر كجزء من صفقة تبادل الأسرى، ما أثار تكهنات بأنه قد لا يشارك في إجراءات قضائية ضد من يُزعم أنهم اعتدوا عليه.

خُفِّضت التهم الموجهة إلى خمسة من المُدانين بالاعتداء إلى تهمة «إساءة بالغة» للمحتجز يوم الأحد، حين ظهروا خارج المحكمه العليا الإسرائيلية مرتدين أقنعةً تغطي وجوههم لإخفاء هوياتهم.

قال محامي المشتبه بهم، موشي بولسكي، للصحفيين إن موكليه لا يمكنهم توقع محاكمة عادلة نتيجة التسريب، مضيفاً أن «العجلة لا تُعاد إلى الوراء» وأن عملية لائحة الاتهام تلطخت جراء ذلك.

وصف أحد المشتبه بهم، الذي امتنع عن الكشف عن هويته، نفسه ورفاقه بأنهم وطنيون أوفياء استُهدفوا ظلماً من منظومة قانونية يرون أنها تهمش خدمَتهم. «كنا نعلم أننا يجب أن ندافع عن البلد [بعد هجوم 7 أكتوبر]»، قال.

يقرأ  إسرائيل تنشئ نقطة تفتيش في القنيطرة السورية — خرق جديد لسيادة البلاد

«منذ ذلك اليوم، لا يزال عشرات المقاتلين يناضلون من أجل العدالة، ليس على أرض المعركة، بل في قاعات المحاكم.»

لكن بالنسبة لمراقبين مثل الصحفية نوي، لا يبدو أن هذه الحكاية لها علاقة حقيقية بالعدالة؛ بل باتت ساحة اتهام وتكذيب وتستر شوهت واقعة اغتصاب سجين تحت قبضة السلطات الإسرائيلية. «بالنسبة للطرفين، المسألة كلها تتعلق بالنظام ولا علاقة لها بالضحية الفلسطيني،» ت réfléchت. «طرف يرى أنها حماية للنخبه القديمة، والآخر يصفها بصون مؤسسات الدولة. لكن لا تنسوا: هذه نفسها المؤسسات التي يحتاجونها ليستمروا في إساءة معاملة الفلسطينيين، وهذه هي الحجج التي يطرحونها كلما تعرّضوا لانتقادات دولية.»

أضف تعليق