قُتل ما لا يقل عن خمسة عشر شخصاً في احتفال عيد حانوكا على شاطئ بوندي في سيدني على يد مسلّحين اثنين يوم الأحد — حادث استثنائي في استراليا المعروفة بقوانينها الصارمة بشأن حيازة الأسلحة.
وصفت الشرطة الواقعة بأنها «هجوم إرهابي» وهي أسوأ حادثة إطلاق نار جماعي تشهدها البلاد منذ مذبحة بورت آرثر عام 1996، حين أطلق المسلح مارتن براينت النار وقتل 35 شخصاً وأصاب قرابة العشرين. حُكم على براينت بالسجن مدى الحياة 35 مرّة، لكن دوافعه بقيت غير واضحة، وهو ما دفع حينها إلى حزمة تشريعات صارمة لمكافحة انتشار السلاح.
نظرة أقرب إلى الحادثة
من كان مطلقي النار؟
أعلن مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، مال لانيون، خلال مؤتمر صحفي أن المشتبه بهما هما رجل يبلغ من العمر 50 عاماً قُتل برصاص الشرطة في موقع الحادث، وابنه البالغ 24 عاماً الذي أُصيب أيضاً وما زال في المستشفى في حالة حرجة لكنها مستقرة. وأكد لانيون أن الأب «حامل ترخيص أسلحة» ومُرّخص له ستة أسلحة وأنه «استوفى معايير الأهلية للحصول على الترخيص». كما أكدت الشرطة أن الرجل كان يقيم في ضاحية بسيدني وحامل لترخيص سلاح صادر عن ولاية نيو ساوث ويلز.
ما مدى صرامة قوانين الأسلحة في أستراليا؟
في أعقاب مذبحة بورت آرثر عام 1996 أطلق حكـم رئيس الوزراء آنذاك جون هوارد اتفاقية الأسلحة الوطنية (NFA) التي شدّدت بشكل كبير على تنظيم الأسلحة. صيغت هذه القوانين كاتفاق بين الحكومة الاتحادية والولايات والأقاليم، واعتمدت كل ولاية تشريعاتها المقابلة. تختلف التفاصيل من ولايةٍ إلى أخرى ومن منطقهٍ إلى أخرى، لكن الإطار العام مستوحى من معايير الاتفاقية الوطنية واتفاقية السيطرة على المسدسات.
حظرت التشريعات ملكية معظم البنادق الآلية وشبه الآلية، وألزمَت مالكي السلاح بتسجيل أسلحتهم لدى الشرطة والتقدّم بطلبات تراخيص، وأطلقت برامج شراء واسترداد أخرجت من التداول نحو 650 ألف سلاح هجومي. يستغرق فحص طلبات الترخيص عادةً 28 يوماً على الأقل.
يشترط القانون أن يثبت طالب الترخيص سبباً مشروعاً لامتلاك السلاح — مثل الانتماء إلى نادٍ للمطاردة أو العمل كحارس أمن — ويمكن لمالك الترخيص أن يمتلك أسلحة متعددة طالما قدم أسباباً مبرّرة لكلٍ منها. امتلاك سلاح للدفاع عن النفس غير مقبول صراحةً في أستراليا.
قبل إتمام الترخيص يتعين على المتقدم اجتياز دورة سلامة متعددة الأيام، اختباراً كتابياً، وتقييماً عملياً لإثبات القدرة على الاستخدام والصيانة الآمنة. ثم تُجري سجلات الأسلحة الوطنية فحوصات خلفية للتأكد من خلو السجل الجنائي أو وجود أوامر قضائية تتعلق بالصحة العقلية. ويُمنع الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم جسيمة تتعلق بالاعتداء الجنسي أو العنف أو المخدرات أو السطو أو «الإرهاب» أو الجريمة المنظمة أو الأسلحة غير القانونية أو الاحتيال من حمل تراخيص سلاح.
ما مدى شيوع حوادث إطلاق النار في أستراليا؟
تعتبر حوادث إطلاق النار الجماعي نادرة جداً في أستراليا، التي تُصنّف عادةً كدولة آمنة. على مؤشر السلام العالمي (Global Peace Index) تصنّف البلاد في المرتبة 18 من بين 163 دولة.
في السنوات التي أعقبت تطبيق اتفاقية الأسلحة الوطنية، سجّلت أستراليا عددًا محدودًا من حوادث إطلاق النار، وكانت الوفيات في معظمها لا تتجاوز بضعة قتلى. في أكتوبر 2002 قتل طالب دولي يُعتقد أنه يعاني أوهاماً بارانوية طالبين اثنين في حرم جامعة موناش في ملبورن وأصاب خمسة آخرين، ومن ثمّ شُدّدت قوانين المسدسات أكثر.
في السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاع في مبيعات الأسلحة لأسباب غير واضحة تماماً، وربطت بعض التقارير ذلك بزيادة الطلب على أنشطة الصيد الرياضية. ويأتي إطلاق النار في بوندي بعد شهرين فقط من حادث في ضاحية كرويدون بارك بسيدني، حين أطلق رجل ستينياً ما يصل إلى خمسين طلقة من نافذة شقته صوب سيارات في شارع مزدحم، ما أدى إلى إصابة شخص واحد إصابة خطيرة، وعولج أربعة عشر آخرون من صدمات أو إصابات طفيفة ناجمة عن تحطم الزجاج. ألقي القبض على المشتبه به لاحقاً، وقالت الشرطة إنه لا توجد صلات معروفة له بالجريمة المنظمة أو «الإرهاب» ولا سجل معروف لأمراض عقلية، ولم يُحدَّد حتى الآن دافع واضح.
كيف ردّت السلطات؟
قال رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز إنه سيناقش مع مجلس الوزراء الوطني إمكانية تشديد قيود الأسلحة، وأضاف أن الحكومة «مستعدة لاتخاذ أي إجراء ضروري» وأن ذلك قد يشمل تشديد حدود عدد الأسلحة المسموح بها لكل فرد ومراجعات دورية أكثر لصلاحية التراخيص. وأكد أن التراخيص لا ينبغي أن تكون دائمة وأنه يجب وجود ضوابط ومراجعات منتظمة. وصرّح رئيس وزراء نيو ساوث ويلز كريس مينز أن الأمر يتطلب تشريعاً جديداً لتقليل سهولة الحصول على أسلحة تجرد المجتمع من أي فائدة عملية.
كيف جرت هذه المأساة رغم القوانين الصارمة؟
تقول السَّيدة سمارا مكفيدْران، باحثة بارزة في جامعة غريفيث ومتخصّصة في أبحاث عنف السلاح، إن التساؤل عن كيفية وقوع مذبحة أخرى في بلد يملك قوانين صارمة «منطقياً للغاية». لكنّها ترى أنه ما زال من المبكر التحكّم فيما إذا كانت هناك ثغرات أو إخفاقات في إجراءات الترخيص، وأن الشرطة ستتقصّى الحقائق بدقة قبل استخلاص استنتاجات.
وأكّدت أن الحصول على ترخيص سلاح في أي ولاية أو إقليم ليس مسألة سريعة أو بسيطة، بل يخضع لسلسلة واسعة من الضوابط، وأن امتلاك ستة أسلحة مرخّصة ليس بالأمر غير المعتاد لدى حاملي التراخيص الذين يملكون أسلحة لأغراض مختلفة مثل صيد أنواع مختلفة من الحيوانات أو المشاركة في مسابقات إطلاق النار.
ما هو الحل؟
بحسب مكفيدْران، «قد يبدو هذا عكسياً، لكن عدد الأسلحة أو نوعها أو ما إذا كان الفاعلون مرخّصين أم لا ليس جوهر المشكلة». فقد شهدت سجلات حوادث إطلاق النار الجماعي في أستراليا حالات كان فيها الجناة حاملي تراخيص وأخرى لم يكونوا كذلك، واستخدم بعضهم أسلحة نصف آلية فيما لم يستخدم البعض أسلحة من هذا النوع؛ ومعظمهم استخدم سلاحاً أو سلاحين.
وعلى مدى عقود كانت الاستجابة السياسية واحدة تقريباً: إعلانات سريعة عن حظر أو استرداد أو مزيد من القوانين. وقد تكررت هذه الوصفة مراراً، وتقول مكفيدْران إنّها لم تثبت فاعليتها في منع العنف، لذا تدعو إلى مقاربة مختلفة بدلاً من «المزيد من نفس الشيء». كما تحمّل الساحة السياسية مسؤولية تغذية الانقسام والعداء بين المواطنين على أسس دينية أو عرقية أو ثقافية لأجل المكاسب الانتخابية، مما يزيد من التعصب والتحامل ويُلحِق أذى مجتمعياً دائماً.
وتشير كذلك إلى أن سياسات الهجرة الصارمة والاحتجاز الطويل للوافدين في مراكز خارجية مثل ناورو ومانوس أثارت انتقادات واسعة. وفي يناير 2025 قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن أستراليا انتهكت معاهدة حقوقية عندما أبقت مجموعة من طالبي اللجوء، كثير منهم قاصرون، محتجزين في ناورو رغم منح بعضهم صفة لاجئ.
خلاصة كلامها: إذا كنا جادّين في منع العنف مستقبلاً — سواء بالسلاح أم بغيره — فعلينا تغيير نبرة النقاش العام، والتوقف عن المناورات السياسية قصيرة المدى، والعمل على شفاء الانقسامات داخل المجتمع.