إعلانات التجنيد الأوكرانية ترصد تطور مجريات الحرب

في كل شارع وواجهات المباني في أوكرانيا، لا تكاد تمرّ لوحة إعلانية للتجنيد دون أن تلفت انتباهك. تنتشر الإعلانات على ناطحات السحاب، وعلى زوايا الشوارع، وعلى جسور الطرق السريعة، فتبدو وكأنها جزء من المشهد اليومي للبلاد.

بداية الحملة وأولى الرسائل
أُطلقت معظم هذه الحملات الإعلانية بواسطة وحدات منفردة تسعى لتجنيد متطوعين بدل الاعتماد على التجنيد الإجباري. ظهرت الإعلانات الأولى في ربيع 2023، مع استعداد أوكرانيا لهجوم معاكس متوقع لاستعادة أراضٍ محتلة، وكانت لواء الهجوم الثالث واحداً من أوائل الوحدات التي أطلقت حملاتها الدعائية. صور اللافتات جنوداً مدججين بالدروع يتقدمون عبر أرض محترقة وطائرات وهليكوبترات تحلّق فوقهم، مع دعوة صريحة «انضم إلى المعركة الحاسمة».

فشل الهجوم المضاد وتحوّل النبرة
بعد فشل الهجوم المضاد الذي أعلنه الجيش في نهاية 2023 وارتفاع تكلفة العمليات البشرية مقابل مكاسب محدودة، تغيرت النبرة العامة. خرجت إعلانات جديدة تصوّر الحرب كمعركة وجودية وأحياناً استخدمت رموزاً خيالية — مثل صور الجنود يواجهون زومبي ووحوشاً — لتجسيد الانطباع بأن قوات موسكو تعمل كقوى مبرمجة أو مُغَيَّبة الإرادة، وتبرر الحاجة للمقاومة.

القتال لا يعني الموت
مع استقرار الخطوط وتحول الصراع إلى مأزق دموي، واجهت القوات صعوبة متزايدة في استقطاب مجندين جدد، فتبدلت الرسائل صوب طمأنة المتطوعين أن الانخراط ليس بالضرورة تذاكراً باتجاه خط المواجهة. بعض الحملات ركّزت على إبراز الوظائف غير القتالية في الجيش — أطباء، ميكانيكيون، إداريون — موضِحةً أن الجيش بحاجة لمهن متعددة. كما أبرزت وحدات أخرى دور التكنولوجيا، لا سيما الطائرات المسيرة، والمهام الجديدة مثل قيادة الطائرات بلا طيار أو العمل على الحواسيب المحمولة، كبدائل للمهمة القتالية التقليدية.

إجراءات التجنيد والشكوك
أعاق الروتين البيروقراطي والفساد العملية، إذ وُثّق استنزاف غير مناسب للموارد وتعيينات لا تتناسب مع مهارات المجندين، وتدريب مقتضب لا يكفي. لذلك روجت بعض الوحدات — كمبادرة «خارطيا» — لتدريب بنمط حلف شمال الأطلسي ودعم مالي، ومثّلت صور المجندين غالباً أشخاصاً أقرب إلى موظفي تكنولوجيا معلومات منهم إلى جنود، في محاولة لكسر صورة الحرب كمصير قاتم.

يقرأ  الحرب الروسية–الأوكرانية: أبرز أحداث اليوم الـ١٢٨٩ | آخر المستجدات

صيف 2024 حتى أوائل 2025 — جعل الجيش «مثيراً»
مع بدء تعبئة واسعة في صيف 2024 وقانون يلزم تسجيل الرجال من 18 إلى 60 عاماً، تصاعد القلق من التجنيد، ولجأ بعض الشباب إلى الاختفاء لتفادي النداء. ردّاً على ذلك، راهنت وحدات مثل اللواء الثالث على جاذبية ثقافة الشباب — أنماط مرئية مثل الأنمي وفيديوهات تصوّر الحياة العسكرية على أنها مغامرة «رائعة» و«صديقة للشباب». استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى أصلي بتكلفة أقل، كما قدّمت إعلانات تصور طياري الطائرات المسيرة على الشاطئ أو يسترخون، مسوِّغةً الاعتقاد السائد بأن قيادة الطائرة المسيرة تتيح المشاركة دون الاقتراب من ساحة القتال. لكن مع الوقت أصبحت طواقم الطائرات المسيرة أهدافاً رئيسية للخصم، وتبدّلت هذه الصورة.

الاستفزاز والانتقادات
واصلت بعض الحملات استخدام عناصر إثارة جذّابة — صور لموديلات على أحضان الجنود أو ترافقهم على دراجات نارية — برسائل واضحة توحي بأن الانضمام يجلب الاهتمام الاجتماعي. رغم اتهام النقاد بالتمييز الجنسي، حُققت استجابة كبيرة لدى بعض الوحدات، إذ وصلت طلبات الانضمام إلى مئات الطلبات يومياً في حالات محددة.

الاعتماد على الكبرياء الوطني والواجب
مع تطاير التعب الوطني ودخول الحرب عامها الرابع، لم تعد صور الحياة المرحة تجدي نفعاً، فانتقل الخطاب إلى إثارة شعور الفخر والواجب. قدّم لواء آزوف أمثلة بارزة: إعلان قصير في صالون حلاقة يصوّر حواراً يفضح من يتهرّب من الخدمة ويضع في المقابل من يخدم فخراً للعائلة. إعلان آخر أظهر مجنداً يتصل بوالدته من معسكر التدريب قائلاً بابتسامة خفيفة: «أمي، انضممت إلى آزوف»، لتأكيد أن الانضمام قد يكون مصدراً للفخر وليس للخجل. صُمِّمت حملات مماثلة لاستهداف فئة 18–24 سنة بالتزامن مع برامج حكومية تشجّع التطوع في تلك الفئة التي لا تخضع للتعبئة الإجبارية حتى سن 25.

يقرأ  وفاة «رئيس الدولة» الكوري الشمالي الذي خدم تحت حكم ثلاثة من آل كيم

التحضير لصراع طويل وإعادة التنظيم
مع تلاشي أمل التوصل إلى وقفٍ سريع للنار وتصاعد الضغوط الروسية في الشرق وتبادل الضربات بعيد المدى، شرعت القوات في إعادة تنظيم شاملة. تم توسيع بعض الألوية إلى فيالق، وأصبحت الحملات تعرض الخدمة العسكرية كأسلوب حياة ومساراً مهنياً. عرضت «خارطيا» ملصقات تُشبّه الجنود بمهنيي الأعمال العاملين وسط ناطحات السحاب تحت شعار يُترجم إلى «نمُ مع خارطيا»، مؤكدة أن التجنيد يمكن أن يكون خطوة مهنية تبني مهارات ذات قيمة لاحقاً في سوق العمل المدني.

حملة جديدة للوجود والحياة
أطلق اللواء الثالث حملة تخلت عن السلاح في صورها: جنود يحتضنون أطفالاً ويلعبون مع كلاب، ورسالة واضحة أُجملها شعار «نحن هنا لنعيش» — محاولة لإظهار أن الحياة تستمر رغم الحرب. هذا التبدّل الكبير في النبرة، بعد إعلانات سابقة مشبعة بالعنف والرموز المظلمة، يعكس محاولة متعمدة لقراءة مزاج المجتمع وتكييف الرسائل وفقه.

في النهاية، يؤكد منظمو هذه الحملات أنهم يراقبون مزاج الناس ليستطيعوا توجيه الدعوات إلى الانضمام بما يتلاءم مع مشاعر الخوف أو الفخر أو الطموح. الميول العامة تغيّرت بمرور السنين، فتغيرت معها أساليب الإقناع أيضاً.

أضف تعليق