اتهامات جديدة لجنود بريطانيين بارتكاب انتهاكات في كينيا — ما الذي نعرفه | أخبار الجريمة

تقرير برلماني كيني يتّهم جنوداً بريطانيين بارتكاب جرائم جسيمة وانتهاكات بيئية

اتهم تقرير أصدره البرلمان الكيني قوات بريطانية متواجدة للتدريب في البلاد بارتكاب عمليات قتل وانتهاكات جنسية وانتهاكات لحقوق الإنسان والبيئة، بعد سنوات من شكاوى متراكمة من مجتمعات محلية. وخلص التقرير، الصادر يوم الأربعاء بعد تحقيق برلماني مطوّل، إلى أن سلوك بعض الجنود أدى إلى اعتبارهم في أعين السكان المحليين قوة احتلالية إلى حدٍّ ما.

تاريخ التواجد ووظيفة الوحدة
لمدة ستين عاماً تقريباً يتدرّب جنود بريطانيون ضمن وحدة التدريب البريطانية في كينيا (BATUK) في مناطق تُعتبر مناسبة للأجواء المعتدلة ومحاكاة سيناريوهات قتالية واقعية. يقيم مركز الوحدة في نانيوكي، وقد ظل متواجداً منذ استقلال كينيا عام 1963. يضم نحو مئة موظف دائم وما يقارب 280 جندياً متغيرين على فترات قصيرة، وتقوم الوحدة بتدريب قوات بريطانية وتقديم تدريبات لمواجهة الإرهاب للقوات الكينية في إطار اتفاق تعاون دفاعي بين لندن ونيروبي سمح منذ 2015 بتبادل معلومات واستخبارات وتنسيق تدريبي.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية
أوردت حكومة المملكة المتحدة في 2022 أن مساهمات BATUK الاقتصادية في المناطق المحيطة بلغت أكثر من 5.8 مليار شلن كيني (نحو 45 مليون دولار)، وأنها توظف أكثر من 550 عاملاً محلياً، كما تستفيد بعض الأنشطة التجارية المجاورة من وجود معسكرات التدريب. ومع ذلك، ترافق ذلك مع شكاوى متزايدة من الأهالي حول سوء تعامل الجنود مع مواد تدريبية خطيرة وعبوات غير منفجرة تُركت في الأرض، وأيضاً عن سلوكيات الجنود تجاه نساء محليات ونتائج علاقات تركت أطفالاً بلا عناية.

تعديل الاتفاقية ومساءلة محتملة
لم تكن هناك آليات فعالة داخل النظم القضائية البريطانية أو الكينية لمساءلة جنود BATUK، ما دفع الحكومة البريطانية في مناسبات سابقة لرفض تحقيقات محلية. استجابة لذلك، صوت البرلمان الكيني في أبريل 2024 على تعديل اتفاقية الدفاع مع المملكة المتحدة للسماح بمحاكمات محلية لأعضاء الوحدة في حال ارتكابهم جرائم على الأراضي الكينية.

محتويات التقرير وما توصّل إليه
التقرير الاستقصائي الذي يتألّف من 94 صفحة نَجم عن تحقيق استمرّ نحو سنة ونصف أجراه لجنة الدفاع والاستخبارات والعلاقات الخارجية في البرلمان الكيني. تناول التقرير شكاوى قُدّمت من مقيمين في مقاطعتي لايكيبيا وسامبورو قرب معسكر BATUK، وشملت جلسات استماع عامة منذ يونيو 2024 شهدت روايات مروعة من ضحايا تعرضوا لسوء معاملة جنود الوحدة. ولفتت اللجنة إلى عدم تعاون BATUK مع التقيق البرلماني.

من أبرز ما خلص إليه التقرير:
– نمط مقلق من السلوك الجنسي المشين شمل اغتصاباً واعتداءات جنسية وإهمال أطفال أنجبهم جنود خلال علاقات مع نساء محليات.
– تحقيق داخلي أجرته الوحدة عام 2003 أُدين بتضارب في الأدلة وفشل في تحقيق العدالة للنساء المتضررات.
– إهمال خطير في التعامل مع ذخائر غير منفجرة خلال التمارين أدى إلى وقوع وفيات وإصابات متعددة، وغياب آليات إعلام المجتمع بمواعيد التدريبات الصاخبة التي تسبّب رعباً وإصابات وصدمة نفسية في بعض الحالات.
– أضرار بيئية جسيمة: حريق كبير قضى على مواشٍ ودمر نحو 4,900 هكتاراً من الغطاء النباتي، إلى جانب إلقاء نفايات عسكرية ومواد سامة بصورة مخالفة للقانون البيئي الكيني.
– عمال كينيون استُأجروا لتنظيف مخلفات الذخائر لم يُزوّدوا بمعدات حماية مناسبة وفق قوانين العمل المحلية.
– شكاوى الإصابات لم تُعوّض بصورة عادلة في كثير من القضايا.

يقرأ  عُثر على الموسيقيين الكولومبيين «بي-كينغ» و«ريجيو كلاون» متوفيين بعد اختفائهما في المكسيك

حالات مفصّلة وشهادات عيان
أدلت والدات ضحايا في جلسات الاستماع العامة بروايات مؤلمة: أم شهدت إبنتها تُصدمها شاحنة تابعة للوحدة في حادث هرب تركها مقعدة على كرسي متحرك، قال التقرير إن الوحدة تكفّلت بمصاريف مستشفى تلك الشابة لمدتين فقط دون تعويض إضافي. وأم أخرى حضرت الجلسة ومعها طفلتها ذات الخمس سنوات تروي كيف تركها جندي بريطاني بعدما حملت منه، في علاقة اعتبرتها استئمانية طوعية ثم تخلّى عنها عقب اكتشاف حملها.

ردود الأفعال والآثار الإقليمية
قال جيمس موانغي، مؤسس مجموعة العمل المجتمعي Africa Centre for Corrective and Preventive Action (ACCPA)، إن نشر التقرير بمثابة نصر كبير ليس لكينيا فحسب بل لبلدان أفريقية أخرى تحتضن قواعد عسكرية أجنبية لكنها تتردد في تنظيمها. وأضاف أن البرلمانات الأفريقية قادرة على اتخاذ خطوات لمواجهة الإفلات من العقاب لدى هذه القوات، وأن كينيا أصبحت الأولى في القارة التي تُقدِم على خطوة من هذا النوع.

ماذا يعنِي ذلك مستقبلاً؟
التقرير يفتح الباب أمام ضغوط سياسية وقضائية لمساءلة أفراد الوحدة وإصلاح آليات الحماية البيئية والعمالية وإجراءات السلامة خلال التمارين. كما قد يدفع إلى مزيد من التعديلات الرسمية لضمان مسؤولية جنود أجانب أمام المحاكم المحلية وتعويض المتضررين. يبقى السؤال عما إذا كانت الوحدة البريطانية ستغيّر سياساتها الداخلية وتعاونها مع السلطات الكينية للتجاوب مع توصيات التقرير وتطبيقها عملياً.

خلاصة
تقرير البرلمان الكيني رسم سجلاً طويلاً من التجاوزات المزعومة التي تراوحت بين انتهاكات جنسية وقتل وإهمال بيئي وتعامل غير مسؤول مع متفجرات التدريب. وبخطوته التشريعية والرقابية، أظهرت كينيا إرادة لإرساء قواعد مساءلة محلية قد تصبح نموذجاً لإجراءات مماثلة في دول تستضيف قوات أجنبية. التحدي الحقيقي الآن يكمن في تنفيذ التوصيات وتحويل الاستنكاف السياسي إلى محاسبة وحماية فعلية للضحايا. (خطأ شائع: التقيق البرلماني — المقصود: التحقيق البرلماني) المرأة قالت إنها تحتاج إلى نفقة لطفلها.

ناجون من حريق هائل اندلع في مارس 2021 في محمية لولدايغا كونسرفنسي الخاصة الواقعَة في لايكيبيا — المكان الذي تُجري فيه قوات التدريب البريطانية في كينيا (BATUK) تدريباتها — أعربوا هم أيضاً عن شكاوى. تضمّ المحمية حيوانات برّية مثل الأفيال والجاموس والأسود والحمير الوحشية من فصيلة جريفي.

يُعتقد أن الحريق، الذي اجتاح المنطقة لأربعة أيام، اندلع بعد استخدام قوات BATUK للفوسفور الأبيض، وهو مادة كيميائية مميتة، خلال تمرين تدريبي. اجتاح الحريق مساحات واسعة من المحمية وأحرق نحو 4,900 هكتار (12,000 فدان). أسفر عن نفوق ماشية ودفع بالحيوانات البرّية الفارة إلى قطع زراعية أبعد عن المحمية. قال سكان محليون إن الدخان كان كثيفاً لدرجة أنه استمر لعدة أيام وتسبب في مشاكل بالعيون والجهاز التنفسي.

يقرأ  باكستان: وقف إطلاق النار مشروط بأن تكبح أفغانستان المجموعات المسلحة

ذكرت بي بي سي أن رجلاً يُدعى لينوس مورانغيري دهسته مركبة متحركة وهو يسرع للمساعدة في إخماد الحريق ففارق الحياة.

في عام 2022 قالت وزارة الدفاع البريطانية إن الحريق يرجح أن يكون ناجماً عن موقد معسكر سُكب أو انقلب أثناء تدريب.

في أغسطس 2025 اتفقت بريطانيا على دفع تسوية وصفتها بـ«السخية» لـ7,723 مدعٍّ أقاموا دعاوى ضد BATUK بمساعدة منظمات مثل ACCPA. وذكرت بي بي سي أن قيمة التعويضات بلغت 2.9 مليون جنيه إسترليني (نحو 3.9 مليون دولار).

كما دعمت الحكومة البريطانية جهود استعادة المناطق المحترقة داخل المحمية، حيث لا تزال تدريبات باتوك تُعقد وتبقى على أرض المحمية مستمره.

ماذا حدث لآجنيس وانجيرو؟

جريمة قتل آجنيس وانجيرو في مارس 2012 — التي يُزعم أن جندياً بريطانيّاً ارتكبها — كانت أبرز قضايا BATUK. آجنيس، أم لرضيعة تبلغ خمسة أشهر، اختفت ليل 31 مارس بعد أن شوهدت آخر مرة مع جنود بريطانيين في بار فندق ليون كورت في نانييكي. عُثر على جثتها عارية بعد شهرين في خزان صرف صحي داخل أرض الفندق، قرب الغرفة التي كان يقيم فيها جنود BATUK. وكانت مجموعة الجنود قد غادرت كينيا قبل اكتشاف الجثة.

أجريت تشريحة للجثة أظهرت أنها تعرضت لطعنات في الصدر والبطن، وأن أحد رئتيها انهار، وأصيبت بقوة رضحية في الصدر. كما أفادت نتائج التشريح بأنها تعرّضت للضرب وربما كانت لا تزال على قيد الحياة عندما وُضعت في الخزان. ولم يتضح ما إذا كانت قد تعرّضت لاعتداء جنسي.

في يونيو 2012 طلبت الشرطة الكينية أن يقوم شرطة الجيش الملكي البريطاني باستجواب تسعة جنود، لكنها تقول إنها لم تتلق رداً. حاولت عائلة وانجيرو مقاضاة BATUK في كينيا، لكن الحكومة البريطانية جادلت بأن المحاكم الكينية لا تملك ولاية قضائية على قوات بريطانية.

عادت قضية وانجيرو إلى الواجهة في أكتوبر 2021 بعد تحقيق لصحيفة صنداي تايمز كشف أن جندياً بريطانياً قتلها، وأن مسؤولين في BATUK كانوا على علم بتورط ذلك الجندي وحاولوا التستر على ذلك. جندي واحد ذهب إلى مسؤولين رفيعي المستوى بعد أن سمع زميلاً — عُرف آنذاك باسم «الجندي س» — يعترف بارتكاب القتل، فطُلب منه «الصمت». قال الجندي إن «الجندي س» أخذه إلى خزان الصرف وأراه جثة آجنيس. ولم يكن «الجندي س» من بين التسعة الذين حددتهم الشرطة الكينية في البداية، وكان يسخر من المرأة القتيلة في منشورات على فيسبوك، وفقاً للتايمز.

أعاد هذا الكشف تسليط الضوء على القضية، وفي هذه المرة وافقت الحكومة البريطانية على التعاون مع تحقيق جديد.

في سبتمبر 2025 أصدرت محكمة كينية أمراً بتوقيف وتسليم مواطن بريطاني، وفي نوفمبر اعتقلت سلطات المملكة المتحدة مشتبهًا به يبلغ من العمر 38 عاماً هو روبرت بوركيس. وقد تكون هذه أول مرة يُسلم فيها جندي بريطاني سابق أو حالي للمحاكمة في دولة أجنبية، حسب صحيفة الغارديان البريطانية.

يقرأ  هل تتجه أوروبا نحو صدام مع روسيا؟الحرب الروسية في أوكرانيا

خدم بوركيس كمسعف ضمن فوج دوق لانكستر، وهو فوج مشاة مقره شمال غرب إنجلترا، وكان في كينيا في تمرين تدريبي لمدة ستة أسابيع وقت مقتل وانجيرو. مثل أمام محكمة في ويستمنستر في 7 نوفمبر، حيث زعم الادعاء أن بوركيس وآخرين كانوا يدفعون بانتظام أموالاً لنساء محليات مقابل الجنس وأنهم كانوا «يتناولون الكحول بكثافة» ليلة مقتل وانجيرو، بحسب الغارديان.

أخبرت أصدقاء آجنيس، وهي مصلّفة شعر بحسب ما ذكر المدّعون في المحكمة البريطانية، أنهم قالت لها إنها ستخرج لـ«التدبير» (كسب بعض المال) لابنتها. كما سمعت المحكمة أن بوركيس اعترف لزميل بأنه قتل وانجيرو بسبب «علاقة جنسية تحوّلت لشيء خاطئ». نفى بوركيس هذه الاتهامات. جلسة الاستماع التالية محددة في 9 ديسمبر.

روز وانيوا ونجيكو، الأخت الكبرى لآجنيس، البالغة 20 عاماً، تمسك بصور لآجنيس في منزل روز بحي ماجينغو غير الرسمي في نانييكي، 4 نوفمبر 2021.

كيف ردّت الحكومة البريطانية على التقرير؟

أصدرت المفوضية العليا البريطانية في كينيا بياناً قالت فيه إن BATUK لم يُمثّل تمثيلاً كافياً خلال جلسات البرلمان. وذكرت أن المفوضية قدّمت بيانات مكتوبة لم تُؤخذ بعين الاعتبار في التقرير، وأضافت أنها «مستعدة للتحقيق في مزاعم جديدة ضد BATUK بمجرد توافر الأدلة».

وقال البيان: «بينما نأسف بعمق للتحديات التي نشأت بشأن وجودنا الدفاعي في كينيا، نشعر بخيبة أمل لأن بياننا المقدم إلى اللجنة لم يُدمج في استنتاجات التقرير».

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

أوصى التقرير البرلماني بأن يعمل المدعي العام الكيني فوراً مع الحكومة البريطانية لتسليم بوركيس إلى كينيا لمواصلة محاكمة مقتل وانجيرو. كما أمر بفتح تحقيقات في وفيات أخرى لسكان محليين يُشتبه بتورط جنود من BATUK فيها.

وطالب التقرير بأن تبدأ المفاوضات مع بريطانيا خلال ثلاثة أشهر لمساءلة جنود باتوك السابقين الذين أهملوا أطفالهم، وأن تُقدّم تعويضات ودعماً نفسياً واجتماعياً لضحايا الجرائم الجنسية المرتكبة من قبل جنود BATUK.

وعلى نطاق أوسع أوصى التقرير بأن تتولى الوكالات الحكومية رقابةً أكثر مباشرة على القوّات الأجنبية المتمركزة في البلاد عبر وضع ميثاق سلوك يبرز سياسة عدم التسامح مطلقاً مع العنف القائم على النوع الاجتماعي وتدهور البيئة.

وتستضيف كينيا كذلك قاعدتين عسكريتين أمريكيتين يتغيّر عدد العاملين فيهما من وقت لآخر. تستضيف البلاد بانتظام تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الإفريقية.

قال مووانجي من ACCPA لِـ «الجزيرة» إن خطوة البرلمان تمثل تقدماً للمُجتمعات التي تضطرر للتعامل مع القوات الأجنبية في كينيا ومناطق أخرى. وأضاف أن مظالم ارتكبتها فرقة BATUK تجاه السكان المحليين تعود جذورها إلى التاريخ الاستعماري لكينيا مع المملكة المتحدة، لكن المسؤولين تاريخياً كانوا مترددين في مساءلة الجنود خشية أن يؤثر ذلك على المساعدات التنموية البريطانية.

تُعد كينيا من أكبر مستفيدي المعونات البريطانية، التي تتركز في دعم الخدمات الصحية والجهود الإنسانية. كما خُصصت لها ميزانية تنموية بقيمة 24.6 مليون جنيه إسترليني (حوالي 33 مليون دولار) في عام 2023.

أضف تعليق