تقدير حديث يفيد بأن نحو 200 عنصر من جهاز الدعاية في حماس قد جرى استهدافهم وإقصاؤهم، لكن ربما لا يزال نحو 1000 آخرون ناشطين في الميدان.
الضربة التي طاولت رئيس جهاز الدعاية في حماس، المعروف بـ«أبو عبيد»، السبت قد تكون نقطة تحوّل. تقرير طويل للصحفي العسكري درون كادوش يشرح مدى الاستثمار الذي خصصته الحركة لذراعها الإعلامية العسكري، لكنه يشير أيضاً إلى مشكلة مقلقة: عشرات — بل مئات — من مروّجي الدعاية ما زالوا يعملون داخل غزة.
ما كتبه كادوش على منصة إكس أن حماس كانت تضم نحو ألفٍ من العاملين الميدانيين في الدعاية، مع وجود غرف مخصّصة لتصوير وتحرير المواد الإعلامية موزعة بين الوحدات المتبقية في القطاع، بل ووُضعت خطط لمواجهة احتمال غزو إسرائيل لمدينة غزة. خلال العقد الماضي تضاعف عدد العاملين في هذه المنظومة من حوالى 400 عام 2014 إلى نحو 1,500 بحسب التقديرات الحديثة، ما يعكس قرار الحركة بتعظيم الاستثمار في الساحة الإعلامية أكثر من بعض العناصر الميدانية التقليدية.
أحد المراقبين الفلسطينيين-الأمريكيين، الناشط والمدوّن أحمد فؤاد الخطيب، وصف مقتل القائد الإعلامي بأنه «نهاية حقبة»، مشيراً إلى أن الدوائر الغربية وصانعي السياسة قد لا يدركون تماماً حجم الضربة التي لحقت بحماس بإقصاء أبرز وجه إعلامي لها.
الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك أكدا أنهما استهدفا و«أقصيا» هدحفيفة خلّوط، المعروف باسم «أبو عبيد»، الذي كان يقود جهاز الدعاية والعمليات النفسية لذراع حماس العسكرية، وكان المتحدث الرسمي لها. كادوش يصفه كواحد من القادة الكبار القلائل الباقين في الجناح العسكري منذ قبل 7 أكتوبر 2023، ومسؤولا طيلة السنوات عن الإشراف على الناطقين بلسان الألوية والكتائب، والتنسيق بين الناطقين السياسيين والعسكريين، وصياغة سياسات الدعاية.
التقرير يجعل من الواضح أن الضربة قد تكون مؤثرة، لكن لا يمكن بناؤها لتوقع انهيار كامل، لأن حماس سبق وتجاوزت انتكاسات كبرى. إذ ماذا يكشف كادوش حول حجم الجهاز الإعلامي؟ من بين 1,500 شخص في هذه الشبكة، تم نشر نحو 1,000 منهم ميدانياً مُلتحقين بكتائب وألوية. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أعلن خلال 22 شهراً من القتال استهدافه لعدد كبير من قادة الوحدات المختلفة، فإن تدمير هذه الوحدات لم يقضِ بالضرورة على معظم عناصر الدعاية المرتبطين بها.
يشرح كادوش أن «كل كتيبة وكل لواء في الجناح العسكري لديه نائب مسؤول عن الدعاية، وهو ممثل رفيع ينوب عن أبو عبيد ويدير الجهود، وتحت قيادته عناصر يُسمون ‹موثّقين عملياتيين› مدرّبين على التصوير الميداني». والمحصلة أن الجيش قضى على نحو 200 من هؤلاء العناصر الميدانيين، لكن أكثر من ألفٍ ما زالوا متواجدين.
ماذا تعني هذه الأرقام عن واقع الألوية؟ قبل اندلاع الحرب كانت تقديرات تُشير إلى نحو 24 كتيبة، وربما نحو 150 سرية، وخمسة أو ستة ألوية. لواء رفح تعرض لتدمير كبير صيف 2024 ثم هُزم مجدداً في أبريل 2025، كما تكررت ضربات على اللواء الشمالي ولواء خان يونس حتى اعتُبرا متضررين بشدة. ذلك يترك لواء مدينة غزة ولواء المخيمات الوسطى، لكن الأهم هو السؤال: إذا كان عدد المقاتلين الإجمالي يُقدّر بين 25 إلى 30 ألفاً، وكان نحو 1,000 منهم يعملون كدعاة ميدانيين، فهل من المعقول أن ذراع الدعاية تكبدت خسائر أقل بكثير من بقية الوحدات؟ أم أن الخسائر الفعلية في صفوف المقاتلين أقل بكثير مما يُتداول رسمياً؟
الأمر ليس واضحاً بكل تفاصيله، إلا أن ما يتبدّى بوضوح هو أن منظومة الدعاية لحماس لا تزال فاعلة، وأن الحركة استثمرت فيها بشكل متعمق. حماس تعلم أنها قد تبقى في غزة بعدد أقل من المسلحين، مختبئة في الخلفية، لكنها تحتاج إلى ماكينة إعلامية لتستمر في الحرب وتضغط سياسياً ودولياً ضد إسرائيل.
حماس تُنتج فيديوهات ميدانية، وتتوفر لها قدرات متعددة الوسائط، وتسعى لتوظيف أشخاص يعملون لدى وسائل إعلام محلية أو لاستقطابهم. كادوش يشير إلى أن اللقطات تُصور في الميدان ثم تُنقل إلى «غرف حرب» حيث تُعالج وتُحرَّر قبل البث؛ وحتى إن قُتلّ العاملون الميدانيون تظل المواد الإعلامية حية وتنتشر.
الجيش استهدف هذه الغرف مرات عدة خلال الحرب، لكن حماس تُحرّكها من مكان إلى آخر — أحياناً إلى مدارس ومستشفيات — وكل ما يلزم عملياً هو حاسوب محمول واتصال بالإنترنت. مئات العناصر يجلسون في هذه الغرف جاهزين لدفع المواد الإعلامية إلى الخارج، وكان لأبو عبيد دور شخصي وكبير في هذا الفضاء، مما يجعل إقصاءه ضربة نوعية، لكن ليس بالضرورة قاتلة لمنظومة الدعاية المستمرة. لم تُنفَّذ أي حركةٍ عسكرية لحركة حماس في السنوات الأخيرة — لا في عملية «الجرف الصامد» (2014)، ولا في مسيرات العودة الكبرى عند سياج غزة (2018–2019)، ولا في «حارس الأسوار» (2021)، ولا طبعاً في 7 أكتوبر 2023 — من دون أن تُرفَق بإجراءات قتالية معيارية وموافقة مسبقة على الخطط الدعائية من قِبَل أبو عبيدة.
هذا الأمر أفضى إلى اختلال داخل اختلال الحرب؛ فإسرائيل لا تقاتل فقط عناصر حماس المتخفين بالملابس المدنية، بل مجبَرة أيضاً على مواجهة «جيش» إعلامي منظّم. الحرب داخل الحرب هذه صارت سمةً متأصلة في الصراعات الحديثة، ومع ذلك راهنت حماس عليها أكثر من غيرها، حتى مقارنةً بالسوفييت أو بمقاتلي «الفيت كونغ» ومجموعاتٍ أخرى.
وبحسب تقرير كادش، كان تركيز أبو عبيدة منصَبّاً على إحباط عمليات إسراييل في مدينة غزة، عبر التخطيط لخطوات تهدف لشلّ تحرّكات القوات الإسرائيلية داخل المدينة.
لقد تعاطى مع مسألة كيفية تعطيل الدبابات والعربات المدرعة للجيش الإسرائيلي مستخدِماً تحرّكاتٍ على مستوى الوعي والتأثير لاستهداف مراكز صنع القرار والوزراء، وابتكر آليات رعب نفسي تهدف إلى توظيف رهائنٍ كوسيلة ضغط واستنزاف سياسي ونفسي.
وأضاف التقرير أن حماس تسعى الآن إلى استبدال رئيس جهازها الدعائي؛ فقد كان لأبو عبيدة نوّاب، إلا أنه، بحسب المتوفر من معلومات، لم يكن له نائبٌ مهيمنٌ يظهر بوصفه الخليفة الطبيعي. ومع ذلك ستعمل الحركة على إظهار وجهٍ شجاع، وتؤكّد أنها خسرت قادةً كثيرين في الماضي واستبدلت قياداتة.