استعارة نتنياهو بـ«سبارتا» تُغيّب الواقع الاقتصادي لإسرائيل في زمن الحرب

تحدّث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في فعالية عُقدت في القدس في 13 أغسطس 2025 عن حاجة إسرائيل إلى التحوّل إلى دولة قوية ذات قدرة دفاعية واقتصادية عالية، مستخدماً تشبيهاً تاريخياً أثار جدلاً واسعاً: «نحن أثينا وسبارتا. لكننا سنكون أثينا وسبارتا فائقة». جاءت عبارته هذه ضمن نقاش محتدم مع وزارة المالية حول مقدار الإنفاق اللازم لنقل البُنى التحتية الدفاعية إلى تحت الأرض، بناءً على دروس الحرب الأخيرة التي كشفت هشاشة بعض المنشآت الحيوية.

الوزارة العسكرية تؤكد أن قصف إيران الصاروخي خلال حرب الأيام الاثني عشر في يونيو أظهر مدى تعرض البُنى التحتية للخطر، وأن دفنها تحت الأرض بات أمراً حيوياً. بالمقابل، ترى وزارة الخزانة أن الميزانية مشدودة حتى حدّ الانهيار وأن الجيش مطالب بضبط إنفاقه قبل أن يطلب مبالغ إضافية. في هذا المناخ تدخل نتنياهو محاولاً استقطاب موقف الخزانة عبر استعارة تاريخية درامية.

استخدم نتنياهو أيضاً مصطلحاً اقتصادياً أقلّ ألفة لدى كثيرين — «الاعتماد على الذات» أو صفات قريبة من الاكتفاء الذاتي — وقال إنها خصائص قد تزداد ضرورة في اقتصادنا، وأضاف أنه يكره هذه الكلمة. سبب كراهيته واضح: المفهوم يتناقض مع اقتصاد السوق الحرّ الذي روّج له طويلاً. لكن مقصده لم يكن الانعزالية بالمعنى الحرفي؛ بل أنه يقصد أن الحصار والتهديدات بالعقوبات وقطع الإمدادات قد يدفعان اسرائيل إلى الاعتماد أكثر على قدراتها الداخلية.

وتوسّع حديثه بوصف مصدرين يزيدان الضغط: حملات تأثير رقمية من دول مثل الصين ووسائل تمويل من دول مثل قطر، مع تغيّر في الخريطة الديموغرافية الأوروبية وما يرافق ذلك من مواقف أكثر عداءً تجاه إسرائيل. هدفت هذه الإشارات إلى إظهار أن عزلة إسرائيل قد تكون بنيوية وليست ظرفية، وأن على الدولة الاستعداد لعالم أبرد من الدعم الغربي التقليدي.

يقرأ  روسيا تشنّ قصفًا على أوكرانيا ويسفر عن مقتل المزيد من المدنيين قبيل اجتماع في البيت الأبيض

لكن صياغة الخطاب بدت fatalistic — أي تشي بالاستسلام — لدى كثيرين؛ إذ قدم الموقف الخارجي كأمر مفروض لا يُفلت منه، ما أثار انتقادات طالبت بتقديم استراتيجيات عملية لكسر هذا الحصار المفترض. النقاد تساءلوا: إذا كان المشكل حصاراً، فأين الخطة لفكّه؟ تاريخياً تعاملت الدول مع الضغوط الدعائية والديموغرافية عبر الدبلوماسية والتحالفات والتجارة، فذكر المشكلة دون تقديم طريق واضح للخروج بدا أقرب إلى الإقرار بالهزيمة منه إلى إعلان تصدٍ.

ردود الفعل كانت حادّة ومتناقضة: من وصف الخطاب بـ«الجنون» إلى اتهامات بالشلل السياسي، ومخاوف صناعية من تداعيات اقتصادية، وانفجار للسخرية على منصات التواصل. كل ذلك صرف الانتباه عن جوهر النقاش الأصلي: مدى الحاجة إلى حماية الإمدادات العسكرية الأساسية واستقلالية صنع القرار في موارد الحرب.

الخبرة المؤلمة منذ سابع أكتوبر وما تلاها أعادت تأكيد هشاشة الاعتماد على موردين خارجيين حتى من حليف تقليدي كالولايات المتحدة. توسيع الإنتاج المحلي للصواريخ المعترضة والمركبات المصفحة والذخائر يبدو، بعد عامين من المعاناة، خياراً منطقياً. هذه كانت النقطة التي أراد نتنياهو تسليط الضوء عليها، لكن الخطاب المبالغ فيه شوه الرسالة وجعلها مادة للقلق في الأسواق: مؤشرات تل أبيب هبطت بنحو اثنين في المئة فوراً على ذكر كلمات مثل «اكتفاء ذاتي» و«عزلة».

سارع نتنياهو إلى التهدئة لاحقاً بالتأكيد على قوة الشيكل وتقلّص العجز وارتفاع صادرات الدفاع والقدرة البحثية الإسرائيلية، وكرّر الرسائل في مؤتمر صحفي لاحق، فاستقر السوق نسبياً. إلا أن الحادثة ذكّرت بأن كلمات رئيس الوزراء، خصوصاً إذا حملت صوراً درامية، تؤثر بسرعة على المستثمرين.

مشكلة الانتقادات ليست كلها فارغة: تشخيص الوضع لا يغني عن خطة عملية. القيادة تعني توسيع الخيارات: تنويع سلاسل الإمداد، تكوين مخزونات استراتيجية محسوبة، تصنيع محلي للمقوّمات الأكثر حاجة، وفي الوقت نفسه بذل جهد دبلوماسي للحفاظ على الأسواق الخارجية مفتوحة. بتقديم الضغوط الخارجية كجدار لا يقهر، قدم نتنياهو صورة تشخيصية أكثر منها خطة عبور.

يقرأ  «الحق في المعرفة»ناشطون يجددون الدعوات للمحاسبة والعدالة لضحايا الاختفاء القسري في سورياأخبار حرب سوريا

وهذا ما أفقد مجاز سبارتا قوته: استحضار صورة دولة عسكرية معزولة طمس الحجة لصالح تعزيز الاعتماد الداخلي وخلق أثارا سلبية على هوية دولة تميل بطبيعتها إلى الانفتاح والتبادل. الواقع أقل دراماتيكية: حتى مع المقاطعات والعقوبات والحواجز، ستواصل اسرائيل التجارة والابتكار والتصدير، بينما تبني في الوقت نفسه قدرة أكبر على الاعتماد على نفسها.

المسار صعب لكنه ليس مستحيلاً؛ قدرة التكيّف والتعديل على الحقائق المتغيرة هي ما ميز البلاد دوماً. للأسف، فات هذه الرسالة وسط زوبعة المبالغات — سواء من نتنياهو أو من منتقديه. في مؤتمره الصحفي مساء الثلاثاء حاول تصحيح الانطباع، وأوضح بجلاء: لا، إسرائيل ليست في طريقها لتصبح سبارتا.

أضف تعليق