حريق تاي بو الكارثي أثار موجة واسعة من الحزن والغضب في هونغ كونغ
عندما أطلق طالب الجامعة مايلز كوان عريضة يطالب السلطات بإيضاحات عقب أحد أخطر الحرائق التي شهدتها المدينة الأسبوع الماضي، قُبض عليه لاحقًا. الحريق العنيف اجتاح مجمعًا سكنيًا مكتظًا في منطقة تاي بو الشمالية، مخلفًا ما لا يقل عن 159 قتيلًا وآلاف المشردين.
مع تصاعد الغضب العام، حذّرت السلطت مرارًا من محاولات “استغلال” الحادث لـ”المساس بالأمن القومي”. ووفق تقارير، اعتقلته شرطة الأمن الوطني في هونغ كونغ بتهمة التحريض، وأُطلق سراحه بكفالة لاحقًا. قالت الشرطة لهيئة الإذاعة البريطانية إن أي إجراء سيتعامل معه “وفقًا للقانون والظروف الواقعية”.
تباينت ردود الفعل: يرى بعضهم أن توقيفه قرار محيّر، بينما اعتبره آخرون تكرارًا لأسلوب بكين. والحكومة تقول إن المسألة تتعلق بحماية سيادة القانون في لحظة اختبار للمدينة.
“رد إنساني على المأساة”
رونّي تونغ، عضو المجلس التنفيذي في هونغ كونغ، رفض توصيف ما يجري بأنه قمع: “الحكومة تحاول أن تكون متروية”، قال ذلك لهيئة الإذاعة البريطانية. ورايجينا إيب، عضوة برلمانية أخرى، دافعت عن الاعتقالات قائلة إن السلطات تتوخى “أقصى درجات الحذر” حتى لا تتكرر “شغب 2019″، في حديثها لبرنامج Newshour.
من الأسئلة المطروحة في العريضة والتي يطالب بها كثير من سكان المدينة: كيف انتشر الحريق بهذه السرعة؟ وهل ينبغي محاسبة مسؤولين حكوميين؟ كما أشارت إيب إلى ضرورة التمييز بين التعبير المشروع عن الرأي والعريضة التي تحمل نية إجرامية: “هذا ما ستضطر محاكمنا إلى البت فيه”.
عريضة كوان، التي ضمّت “أربع مطالب” — في إشارة إلى شعار المحتجين عام 2019 “خمس مطالب، ولا شيء أقل” — حشدت أكثر من عشرة آلاف توقيع في أقل من يوم قبل أن تُحذف. بعد أيام، قال زعيم المدينة جون لي إن هونغ كونغ ستبذل كل جهدها لدعم الضحايا والتحقيق في الحادث. أعلت الحكومة عددًا من الإجراءات مثل تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق، ومراجعة نظام أعمال البناء، وتأمين مساكن مؤقتة ومساعدات مالية للمتضررين. كثير من هذه المطالب كانت نفسها التي وردت في عريضة كوان.
صامويل تشو، ناشط مؤيد للديمقراطية أعاد نشر العريضة على منصة أخرى، وقال: “من المحيّر أن يُعتقل مايلز لطرحه أسئلة أساسية نيابة عن سكان كُثر، والأسوأ أن الحكومة عالجت هذه الأسئلة بعد ذلك على أية حال”. وأضاف: “هذا ليس حملة سياسية، بل استجابة إنسانية للمأساة”.
تحرّكات قانونية وتحذيرات أمنية
خلال الأسبوع الماضي، اعتقلت السلطات أيضًا 15 شخصًا للاشتباه في القتل غير العمد، وأمرت بإزالة الشباك الشبكية من جميع المباني قيد الترميم بعد أن تبين أن الشباك المحيط بالمجمع المحترق لا يستوفي معايير مقاومة اللهب. كما اعتُقلت امرأة واحدة لمحاولتها الاستفادة من الأزمة من خلال حملة تبرعات مزيفة.
مكتب الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ تحرّك بسرعة بعد الكارثة، محذرًا من اتخاذ إجراءات ضد أي من يحاول “إشاعة الإرهاب الأسود” — وهو تعبير استخدمته بكين عام 2019 لوصف الاحتجاجات. وفي بيان أقوى هذا الأسبوع، توعّد بمعاقبة “القوى الأجنبية المعادية… مهما كانت بعيدة”.
جون لي شدد على أنه سيسعى لـ”تحقيق العدالة” حيال أي شخص يحاول “تقويض” جهود الإغاثة. من بين الذين اعتُقلوا، قيل إن كينيث تشيّونغ، نائب مجلس المقاطعة السابق، استُدعي بسبب محتوى أعاد نشره على فيسبوك عقب الحريق؛ وهو الآن بكفالة وقد صودرت جوازات سفره. وقال تشيونغ: “حريق تاي بو مأساة تمسّ الجميع في هونغ كونغ. كثيرون، بغض النظر عن ولائهم السياسي، يريدون محاسبة المسؤولين. ليس كل شيء سياسيًا.”
انتقادات لأسلوب التعامل
يجادل أستاذ العلوم السياسية في جامعة هونغ كونغ المعمدانية، كينيث تشان، بأن السلطات تتعامل مع الكارثة وفق “كتاب سياسات بكين” الذي يركز على السيطرة الاجتماعية وأمن النظام. أشار إلى أن المبادرات المجتمعية ذات الطابع العفوي تم إقصاؤها خلال عطلة نهاية الأسبوع لصالح مجموعات مدعومة حكوميًا: “المسؤولون لا يرغبون في احتضان عفوية هذه الجهود الشعبية لأنهم يريدون السيطرة”، قال ذلك.
على منصات التواصل الاجتماعي، تكدّست التعليقات غاضبة من الاعتقالات ورد الفعل الحكومي؛ تساءل الكثيرون: هل أصبح المطالبة بالحقيقة تُعدّ تحريضًا؟ في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع، التفت جون لي عن سؤال حول مدى استحقاقه للاستمرار في منصبه بعد الحريق، واكتفى بالتعهد بملاحقة “أي شخص يجرؤ على تقويض” جهود الإغاثة.
حتى الآن لم يستقل أو يُعتقل أي مسؤول حكومي على خلفية الحريق. الذين اعتُقلوا بشأن التهم المتعلقة بالقتل غير العمد هم رؤساء أو موظفو شركات إنشاءات، بينما تم توقيف ستة أفراد آخرين من مقاولين معدات الحريق. انتقد بعض السكان المضي قدمًا في انتخابات المجلس التشريعي في وقت الحداد، لا سيما وأن المرشحين المسموح لهم بالترشح يقتصرون على “وطنيين” مؤيدين لبكين؛ ومع ذلك، ما يزال الحادث يهيمن على النقاش العام على كل المستويات. غيتي إيماجز
طلب بعض أعضاء المجلس التشريعي عقد نقاش طارئ للبحث في الحريق وأعمال الإغاثة بعد الكارثة، لكن الطلب رُفض، حيث قالت الحكومة إنها ستحافظ على تركيزها على مسألة الحريق نفسه.
في بيان للصحافيين قال لي: «نعم، إنها مأساة؛ إنه حريق هائل. نعم، نحتاج إلى إصلاح. نعم، لقد حددنا إخفاقات في مراحل مختلفة. ولهذا بالضبط يجب أن نتصرف بجدية لضمان سدّ كل هذه الثغرات… لضمان ألا تتكرر مثل هذه الأحداث مرة أخرى».
(5 ديسمبر 2025): تم تحديث هذا المقال والعنوان لإضافة نسب أدق بشأن أسس الاعتقالات وللإشارة إلى أن كوان الآن مُفرج عنه بكفالة، ولإدراج رد الشرطة على هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وإضافة مزيد من السياق حول ردود الفعل العامة والحكوميه.