أُطلقَ في عطلة نهاية الأسبوع الماضي عملية اعتقال واسعة طالت نحو ثلاثين مسيحيًا مرتبطين بشبكة كنائس “صهيون”، بينهما القس البارز جين مينغري، وهو مؤسس الحركة. اعتقالات وصفتها منظمات حقوقية بأنها الأكبر ضد المسيحيين في الصين منذ عقود، وأثارت مخاوف من حملة أوسع تستهدف الكنائس غير المسجّلة.
تلقت إبنته، غريس جين دركسل، رسالة نصية من والدها أخبرها فيها أن رجلاً دينياً آخر قد اختفى أثناء زيارة لمدينة شنتشن، ثم اتصلت بها والدتها لتخبرها بأنها لم تعد قادرة على التواصل معه. خلال ساعات أدركت العائلة أن جين نفسه قد وقع في قبضة السلطات ضمن الحملة الواسعة، بعد أن نُقل من قاعدته الرئيسية في مدينة بيهاي بمقاطعة قوانغشي.
الاعتقالات طالت قسوسًا وقادة وعضوي تجمعات الكنيسة، وامتدت إلى ما لا يقل عن عشرة مدن بينها بكين وشنغهاي. ورغم إطلاق سراح بعض المعتقلين لاحقًا، تُشير المعلومات إلى أن غالبية المعتقلين ما زالوا محتجزين، بعضهم في سجن بيهاي رقم 2، حيث أفادت وثيقة احتجاز حصلت عليها بي بي سي بأن جين موقوف بتهمة “الاستخدام غير القانوني لشبكات المعلومات”.
الخلفية القانونية والسياسية أوضحت تصاعد الضغوط الحكومية على الجماعات الدينية غير الرسمية. في الأعوام 2005 و2018 جرى تعديل وتشديد لوائح تنظم نشاط الجماعات الدينية، وفي 2016 دعا القائد الصيني شي جينبينغ إلى “التأصّل الصيني” للأديان. قواعد 2018 التي طالبت بالحصول على موافقات حكومية لإقامة العبادة العامة أثّرت بشدة على كنائس البيت مثل صهيون، فأُجبرت الكثير منها على إيقاف أنشطتها العلنية أو الانتقال إلى بثّ خدمات عبر الإنترنت أو التوقف كليًا.
كما شهدت الأشهر الأخيرة إشارات جديدة لتشديد القيود: احتجاز قسوس بتهم من قبيل “الممارسات الخرافية” في شيآن، والسجن لأعضاء كنيسة في شانشي في قضايا مالية وصفتها منظمات حقوقية بأنها تُلفق لأغراض القمع. وفي سبتمبر أصدرت السلطات مدوّنة سلوك إلكترونية جديدة تقصر إلقاء الخطب الدينية عبر الإنترنت على جهات مرخّصة، ما اعتُبر محاولة لقطع أدوات الكنائس تحت الأرض في فضاء الإنترنت.
منظمات مسيحية دولية وصفت تحرّك الصين بأنه منسق وغير مسبوق على مستوى البلاد. كورِي جاكسون، مؤسس مجموعة لوقا للدفاع عن المسيحيين، قال إن هذه الحملة قد تكون “بداية لقمع أوسع”، فيما حذّرت منظمة “أوبن دورز” من أن السلطات قد تستخدم تهم الاحتيال أو الجرائم الاقتصادية كوسيلة ترهيب لترويض نشطاء الكنائس البيتية.
قصة كنيسة صهيون مرتبطة بشخصية جين مينغري (المعروف أيضًا باسم عزرا جين). وُلد عام 1969 في مقاطعة هيلونغجيانغ، ونشأ مع إيمانٍ بالدولة، لكن أحداث حركة الديمقراطية عام 1989 وما وقع في ساحة تيانانمن شكّلت منعطفًا جوهريًا في حياته. انتقل إلى الولايات المتحدة عام 2002 لدراسة اللاهوت، وعاد إلى الصين عام 2007، فأسس كنيسة مستقلة بعد رفضه الانصياع لطقوس حركة “ثري-سلف” التي تشترط الولاء للدولة والحزب.
بدأت صهيون كمجموعة صغيرة في بيت ببيجينغ، ثم توسعت لتقيم خدمات في قاعة كبيرة بمبنى مكاتب، وتحوّلت لاحقًا إلى نموذج “هجين” يجمع بين خدمات إلكترونية واسعة واجتماعات محلية صغيرة. قبل الإغلاق الرسمي عام 2018، طُلِب من الكنيسة تركيب كاميرات مراقبة بذريعة “الأمن” فرفضت فتعرض أتباعها للمضايقات. فُفرض حظر خروج على جين ووُوضِع تحت مراقبة مشددة، بينما غادر بعض أفراد العائلة والقيادات البلاد إلى الولايات المتحدة.
نما نفوذ صهيون على مدى السنوات فبلغت نحو مئة فرع في أربعين مدينة ويُقدّر عدد متتبّعيها بعشرات الآلاف — أكثر من عشرة آلاف بحسب بيانات متباينة. ومع بقاء مصير جين وبقية المعتقلين غامضًا وتزايد المخاوف من حملة أشد، يصرّ مؤيدو الكنيسة على أن القمع لا ينهى الحركة الروحية: “الاضطهاد لا يستطيع أن يدمر الكنيسة”، يقول متحدثون وزعماء، مستشهدين بتاريخ يظهر أن الاضطهاد كثيرًا ما يسبق نهضة روحية.
المشهد الراهن في الصين يعكس صراعًا أوسع بين دولة تسعى لضبط الحياة الدينية وفق رؤيتها ومجموعات دينية تبحث عن مساحة للعبادة والاستقلال الروحي؛ والاعتقالات الأخيرة قد تكون اختبارًا لمدى قدرة هذه الجماعات على البقاء والمرونة في مواجهة الضغوط المتزايدة. الكنيسةا لا تزال رمزًا لتلك المواجهة، وقلق الجماعات الدينية غير المسجلة يتصاعد مع انتشار الاعتقالات — إذ تبدو الرسالة واضحة: من يريد أن ينشر عبادة مستقلة قد يواجه عواقب شديدة، لكن التاريخ يشهد أن القمع أحيانًا يولّد تجديدًا وإصرارًا على الاستمرار. بييّن أن المعركة لم تنته.