مفوضية الأمم المتحدة: نهب منظّم واستنزاف ثروات عامة في جنوب السودان
توصلت محقّقات الأمم المتحدة إلى أن السلطات في جنوب السودان استخدمت آليات متعمدّة لتحويل مبالغ ضخمة من المال العام إلى جهات خاصة، وهو ما أدى إلى فقدان مئات الملايين — بل مليارات — من موارد إحدى أصغر دول العالم وأكثرها فقراً، بينما يواجه معظم السكان أزمة غذائية متفاقمة.
في تقرير مكوّن من 101 صفحة نشر الثلاثاء، خلُصت مفوضية حقوق الإنسان في جنوب السودان إلى أن سلسلة من المخططات والبرامج، منذ استقلال البلاد عام 2011، استُخدمت لتبييض وتحويل إيرادات عامة بصورة منهجية. وصفت المفوضية النخبة الحاكمة بأنها «نخبة انتهازية استأثرت بالدولة وقننت نهب ثروة الأمة لمصالح خاصة»، وأضافت أن الدولة تخلّت فعلياً عن مسؤولياتها السيادية تجاه المواطنين، فوُكلت خدمات أساسية — مثل توفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم — إلى المانحين الدوليين.
«الفساد يقتل أهالي جنوب السودان»، تقول المفوضية مباشرة في التقرير.
كمثال على ما أسمته «فساداً منظماً» رصد التقرير دفعات مالية للفترة من 2021 إلى 2024، مشيراً إلى أن برنامج النفط مقابل الطرق حول إيرادات النفط إلى شركات مرتبطة ببنجامين بول ميل، رجل أعمال مقرب من الرئس سلفا كير والذي عُيّن نائباً ثانياً للرئيس هذا العام. وأشار التقرير إلى أن 1.7 مليار دولار من أصل 2.2 مليار دولار مخصصة لبرنامج الطرق لم تُسجَّل حساباتها، في حين لم تُستكمل نحو 95% من الطرق التي كان من المفترض أن يموّلها البرنامج.
ورفضت الحكومة نتائج التقرير، ووصفتها بأنها «محاولة لتشويه صورة شعب جنوب السودان وقيادته».
كما كشف التقرير عن مخطط ثانٍ ذي صلات سياسية مرتبط بشركة Crawford Capital Ltd، استخلصت عشرات الملايين عبر خدمات حكومية إلكترونية «غير نظامية»، من ضمنها تأشيرات إلكترونية. وأكدت المفوضية أن التركيز على الفساد لم يكن اختيارياً، بل ضرورة لأن الفساد يقوّض قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
وقالت المفوضية إن النخبة السياسية المسؤولة عن السلطة محكومة بمنطق مكسب–خسارة صفري في صراعها للسيطرة على الموارد والأراضي، وتستمر في استغلال الانقسامات والاحتقان العرقي لأهداف حزبية ضيقة.
من ناحية الأمن الغذائي، يرى محلّلو التغذية أن 76 من أصل 79 مقاطعة تعاني أزمة غذائية حادة، في حين تُوجَّه موارد ضئيلة جداً لمعالجة الوضع.
توترات سياسية ومخاوف ازدياد العنف
على الصعيد السياسي، وُجّهت في الأسبوع الماضي إلى ريك مشار — نائب الرئيس الأول الموقوف حالياً — تهم القتل والخيانة وجرائم ضد الإنسانية، بحسب وزير العدل، نتيجة اتهامات بمشاركته في هجمات شنّها ميليشيا ضد قوات اتحادية في مارس. أثارت هذه الاتهامات مخاوف من اندلاع حرب أهلية مجدداً، لكون مشار وكير خصمان قديمان.
تجدر الإشارة إلى أن الحرب الأهلية اندلعت في جنوب السودان المنتج للنفط عام 2013 — قبل أقل من سنتين على استقلال البلاد عن السودان — بعدما أطاح كير بمشار من منصب النائب متّهماً إيّاه بالتخطيط لانقلاب. وأدّت الأزمة إلى مقتل نحو 400 ألف شخص مباشرة وغير مباشرة، ونزوح ما يقارب أربعة ملايين مواطن — أي ثلث السكان — قبل أن يؤدي اتفاق سلام عام 2018 إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين.
لكن هذا الاتفاق الشائك بدأ ينهار مطلع هذا العام، ففي أعقاب أعمال قتال اندلعت منذ أواخر فبراير في ولاية النيل الأعلى الشمالية، احتُجزو عدة مسؤولين من حزب مشار، بينهم وزير النفط ونائب القائد العام للجيش، في خطوة اعتبرها المراقبون تصعيداً خطيراً قد يعيد البلاد إلى مربع العنف.