الاقتصاد الفلسطيني يواجه تدهورًا حادًا مع تفاقم الأزمة المالية — أخبار الصراع الفلسطيني‑الإسرائيلي

رام الله، الضفة الغربية المحتلة — يشهد الاقتصاد الفلسطيني تدهوراً حاداً بفعل الهجوم المستمر على غزة، وتضييقات متصاعدة على الحركة والتجارة في الضفة المحتلة، وتراجع حاد في الموارد المالية الداخلية والخارجية.

تقدم بيانات رسمية وتقييمات خبراء مؤشرات مقلقة: الاقتصاد يقترب من عتبة حرجة تهدد استمرار مؤسسات الدولة وقدرتها على تغطية الحد الأدنى من الالتزامات.

تقرير مشترك أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومصرف فلسطين المركزي في “مراقب الاقتصاد الفلسطيني 2025” يؤكد استمرار غرق الاقتصاد في ركود عميق طوال العام. حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي في غزة بنسبة تقارب 84% في 2025 مقارنة بعام 2023، بينما انخفض الناتج في الضفة الغربية المحتلة بنحو 13% خلال الفترة نفسها. مستويات الناتج الكلي لا تزال أبعد ما تكون عن مستوى ما قبل الحرب، ما يعكس هشاشة أي انتعاش محتمل وعجزاً عن استعادة القدرة الإنتاجية في ظل الظروف الراهنة.

انهيار النشاط الاقتصادي في غزة كان شبه كامل، مع انكماش حاد في معظم القطاعات بالضفة الغربية رغم تحسّن طفيف مقارنة بعام 2024. كما سجل التقرير تراجع أحجام التجارة من وإلى فلسطين مقارنة بـ2023، فيما تجاوز معدل البطالة في غزة 77% خلال 2025.

إيرادات محتجزة وديون متصاعدة
أشار وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العمور إلى أن السلطات الإسرائيلية تحجز نحو 4.5 مليار دولار من عائدات المقاصة الفلسطينية، واصفاً ذلك بأنه شكل من أشكال “العقاب الجماعي” الذي أضعف قدرة السلطة الوطنية على الأداء. وأضاف أن إجمالي الدين العام المتراكم بلغ 14.6 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2025، ما يعادل نحو 106% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024.

وتفصيلًا، يشمل هذا الدين 4.5 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، و3.4 مليار دولار للقطاع المصرفي الفلسطيني، و2.5 مليار دولار كمتأخرات رواتب لموظفي القطاع العام، و1.6 مليار دولار للقطاع الخاص، و1.4 مليار دولار ديون خارجية، وحوالي 1.2 مليار دولار التزامات مالية أخرى.

يقرأ  مسؤولون بنغلاديشيون يدلون بشهاداتهم ضد توليب سيدّيق في محاكمة لمكافحة الفساد — أخبار الفساد

الأثر على الميزانية العامة كان واضحاً؛ فهذه الضغوط عززت اتساع العجز وقلّصت بشكل حاد القدرة على تغطية النفقات التشغيلية والالتزامات الأساسية. ويصف العمور هذه الفترة بأنها “أصعب فترات الاقتصاد الفلسطيني” منذ قيام السلطة عام 1994.

البيانات الرسمية تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 29% في الربع الثاني من 2025 مقارنة بعام 2023، فيما انخفض نصيب الفرد من الناتج بنسبة 32% في الفترة نفسها — بيانات تتوافق مع تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الذي خلُص إلى أن الاقتصاد الفلسطيني تراجع إلى مستويات تعود إلى قبل 22 عاماً.

الحزمة الحكومية والإجراءات المقترحة
قال العمور إن الحكومة تنفّذ “حزمة عاجلة من الإجراءات” تركز على تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، ودعم صمود المواطنين في المنطقة (ج) من الضفة، وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الإنتاجية، لا سيما الصناعة والزراعة. كما تركز السياسات على دعم القطاع الخاص، وتعويض الواردات الإسرائيلية في سبعة قطاعات رئيسية، وتطوير الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر وتحسين مناخ الأعمال. ولا يزال يُسجّل تأسيس نحو 2,500 شركة جديدة سنوياً.

تراجع النشاط القطاعي
تشير البيانات الرسمية إلى هبوط حاد في معظم الأنشطة الاقتصادية: القطاع الإنشائي انكمش بنسبة 41%، والصناعة والزراعة كل منهما تراجع بنسبة 29%، فيما انخفضت أنشطة الجملة والتجزئة بنسبة 24%.

السياحة تنهار
كان قطاع السياحة من بين الأكثر تضرراً. منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 تسببت الخسائر اليومية التي تجاوزت 2 مليون دولار في انهيار شبه كامل للسياحة الوافدة، وقدَّرت الخسائر التراكمية بنحو مليار دولار بنهاية 2024. ووفق معهد ماس بالاستناد إلى بيانات الجهاز المركزي، انخفض معدل إشغال الفنادق في الضفة بنسبة 84.2% خلال النصف الأول من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وسجلت خسائر قطاع الإقامة والطعام نحو 326 مليون دولار.

يقرأ  «قبة ترامب الذهبية»خطة دفاعية تشمل صواريخ فضائية وأسلحة ليزرية— تقرير — أخبار دونالد ترامب

تأثيرات على الاستثمار والعمالة
قدّر خبراء أن خسائر السياحة المباشرة تجاوزت مليار دولار، إلى جانب خسائر غير مباشرة واسعة النطاق نتيجة شلل فنادق ومكاتب ووكالات سياحية ودليلين وباعة متجولين. استثمارات الفنادق قُدِّرت بنحو 550 مليون دولار، ومع غياب العائدات أُجبرت أعداد كبيرة من العاملين على مغادرة القطاع لغياب الأمان الوظيفي وشبكات الحماية.

الوضع المالي والإنذار الدولي
وصف خبير اقتصادي الدين الفلسطيني بأنه “ديون متراكمة تتزايد شهرياً” تستلزم التزامات للقطاع المصرفي والموردين والمقاولين وقطاعات الاتصالات والصحة. وحذّر من أن حجز عائدات المقاصة لم يعد أزمة مؤقتة بل بات سبباً في شلل اقتصادي كامل، مع تجميد المساعدات الخارجية وتدني الإيرادات المحلية إلى مستويات تاريخية، ما يضع الحكومة أمام عجز عن دفع الرواتب أو تغطية التكاليف التشغيلية. الحكومة أصبحت تعمل كـ”صراف آلي” بلا قدرة حقيقية على الاستثمار او تحفيز الاقتصاد — وهو تحذير يتقاطع مع تقارير البنك الدولي التي تحذر من أن استمرار عدم دفع الرواتب والالتزامات قد يفضي إلى انهيار اقتصادي شامل. بينما تعهّدت دول مثل فرنسا والمملكة العربية السعودية بتقديم دعم، أشار إلى أن هذه الوعود لم تتحول إلى مساعدات ملموسة على الأرض.

عرض ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول الأكثر ترجيحًا هو تواصل التدهور التدريجي، مدفوعًا باستمرار حجب الإيرادات وتناقص الموارد المستمرّر؛ الثاني يتعلق بتدخل دولي يهدف إلى منع الانهيار التام، لا سيما عند لحظة سياسية حاسمة؛ والثالث يتمثل في اختراق مشروط يرتبط بمطالب أوروبية بإصلاحات مالية، ومكافحة الفساد، وتغييرات في المناهج، والذهاب إلى انتخابات.

المعطيات وتقييمات الخبراء معًا تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يقترب من نقطة انعطاف خطيرة. المحلّلون يحذّرون من أنه دون إنهاء حجب الإيرادات، واستئناف الدعم المالي الدولي، وتحوّل في السياق السياسي، فإن الخطر قائم بأن ينزلق الاقتصاد من أزمة مزمنة إلى انهيار كامل.

يقرأ  شهود يروون حادثة إطلاق النار في مدرسة كاثوليكية بمدينة مينيابوليس

السؤال الذي يواجه المسؤولين والاقتصاديين هو: إلى متى يمكن للنظام أن يصمد تحت ظروف تشبه الحصار، وهل ستأتي التحولات السياسية والاقتصادية في الوقت الكاف لإيقاف ما يصفه كثيرون الآن بأنه تفكك اقتصادي بطيء ومتعمد؟

أضف تعليق