التطرّف العنيف العدمي: ما هو ولماذا يُحمَّل مسؤولية معظم حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة؟

تزايد العنف المسلّح وظهور فئة جديدة من المنفذين

شهد مقتل ناشط يميني متطرف، تشارلي كيرك، الشهر الماضي على يد مشتبه به يبلغ من العمر 22 عاماً، تسليط ضوء جديد على وباء العنف المسلّح في الولايات المتحدة. ومع أن كيرك كان ضحيَّة عنف ذي بعد سياسي، فإن المحققين يشيرون اليوم إلى اتجاh متنامٍ من مطلق النار الذين لا تُعزى دوافعهم بسهولة إلى أيديولوجية سياسية محددة.

اتّباع تصنيف جديد: «المتطرفون العنيفون العدميون»

بدأت وكالات إنفاذ القانون الفدرالية تستخدم مصطلح «المتطرفون العنيفون العدميون» لوصف منفذين لا ينتمون بوضوح إلى أيديولوجيا واحدة، ولكن يبدو أنهم مدفوعون برغبة في، كما وصف خبير، «تحويل العنف في الحياة الواقعية إلى لعبة». هذا الوصف ظهر مثلاً في أمر تفتيش صادر في مارس بشأن مراهق من ويسكونسن كان نشطاً على شبكة تيليغرام المسماة «تيرورغرام». نيكيتا كاساب، البالغ الآن من العمر 18 عاماً، متهم بقتل والدته وزوج والدها كجزء من مخطط أوسع لاغتيال الرئيس السابق، وإثارة ثورة سياسية، و«إنقاذ العرق الأبيض» من سياسيين يزعم أنهم تحت سيطرة اليهود، بحسب ما نقله المحققون عن مستند وُجد على هاتفه.

اللفظ الجديد ليس بالضرورة ظاهرة جديدة، لكنه محاولة لإطار فهمي أدق

كتب ضابط فدرالي في ملف المحكمة أن «المتطرفين العنيفين العدميين» يتصرّفون «أساساً بدافع كراهية المجتمع ككل ورغبة في إحداث انهيار له عبر بث الفوضى العشوائية والتدمير وعدم الاستقرار الاجتماعي». في كثير من هذه الحالات، يستلهم الفاعلون ما يُنشر في مجتمعات إلكترونية لتغذية أعمال رعب حقيقية؛ فهم قد لا يتبعون بصرامة اليسار أو اليمين، ولا يلتزمون بعقائد تفوق العرق الأبيض أو بـ«التطرف» المناهض للدولة، بل يمجّدون العنف أو يسعون إلى الهدم.

رصد أولي ودور مراكز البحث

حدّدت مركز الابتكار ومكافحة الإرهاب والتكنولوجيا والتعليم (NCITE) في جامعة نبراسكا بصورة أولية أكثر من عشرين قضية فدرالية تُطابق تصنيف «المتطرفين العنيفين العدميين»، ومنها مطلق النار في كنيسة البشارة الكاثوليكية في مينيابوليس. يفتح هذا التصنيف أسئلة حول أي قضايا تنتمي إلى هذه الفئة وكيف قد تشكل تحقيقات «الإرهاب» المحلية مستقبلاً.

يقرأ  ثمانية سياح إسرائيليين جرحى إثر حادث حافلة في فيتنام

كيف تتقاطع «العدمية» مع العنف المحلي والإرهاب؟

العدمية مصطلح فلسفي مرتبط بفريدريك نيتشه، ويعني الاعتقاد بعدم وجود قيم راسخة. أما «المتطرفون العنيفون» فغالباً ما يحاولون تغيير سياسة حكومية محددة، وفقاً لما قاله زاكارياس بييري، أستاذ مشارك في جامعة جنوب فلوريدا. أما «المتطرفون العنيفون العدميون» فلا يملكون بالضرورة هدفاً معلناً وواضحاً؛ بل هم، كما وصف أحد الخبراء، «يجعلون من العنف لعبة في العالم الحقيقي».

الظهور الإعلامي والسياسي للمصطلح

غطّى صحفيون مستقلون مثل كين كليپنشتاين والباحث جاكوب وير بروز المصطلح في القضايا الفدرالية خلال أبريل ومايو. وفي سبتمبر، قال مدير الـFBI كاش باتيل أمام لجنة في مجلس الشيوخ إن «العدمية العنيفة» تلعب دوراً مهماً في تحقيقات الإرهاب المحلي. وأضاف أن هناك نحو 1700 تحقيقاً محلياً في قضايا إرهاب داخل البلاد، وجزءاً كبيراً منها يندرج تحت فئة العنف العدميو — أولئك الذين يرتكبون أعمالاً عنيفة بدافع كراهية عميقة للمجتمع، مهما كانت المبررات التي يعتقدونها.

استعمال المصطلح في قضايا محددة

إلى جانب قضية كاساب، استشهدت النيابة الفدرالية بتصنيف «المتطرفين العنيفين العدميين» في عدة بيانات منذ مارس. ففي أبريل وصفت وزارة العدل شبكة إباحية على الإنترنت بعلامة «764» بأنها «شبكة متطرفين عنيفين عدميين (NVE)» عند الإعلان عن اعتقالات لاثنين يُزعم أنهما شاركا في استهداف أطفال للاستغلال الجنسي عبر الإنترنت. وذكرت الوزارة أن أهداف الشبكة التسارعية تشمل زعزعة الاستقرار وسقوط النظام العالمي القائم، بما في ذلك الحكومة الأمريكية.

وبعد أسابيع استخدمت الـFBI المصطلح في قضية مراهق أوريغوني يبلغ من العمر 14 عاماً خطط لهجوم باستخدام متفجرات وإطلاق نار جماعي في مركز تجاري في ولاية واشنطن. قالت الوكالة إن المراهق «شارك أيديولوجيا نِهيليّة عنيفة وخططاً في محادثات على الإنترنت». وذكرت تقارير محلية أن المحادثات كانت مرتبطة بشبكة 764 التي انضم إليها المراهق بعد تعرضه للتنمّر في المدرسة.

يقرأ  السلطات تعثر على جثمان قسّ مفقود في منطقة مكسيكية مزقتها أعمال العنف

صعوبة وضع قوالب ثابتة للمتطرفين

منذ سنوات ينبه خبراء إلى أن بعض «المتطرفين» يصعب حشرهم تحت تسمية واحدة؛ ففي 2020 قال مدير الـFBI آنذاك كريستوفر راي إن بعض «المتطرفين العنيفيين» يحملون «سلطة أيديولوجية مختلطة تشبه بار السلطة — قليل من هذا، وقليل من ذاك، وما يقودهم في النهاية هو العنف نفسه». وأشار إلى تحدّي تفكيك منظومات معتقدية غالباً ما تكون متقطعة وغير متماسكة، مصحوبة بتظلمات شخصية، مستشهداً بقضية في مينيابوليس ربطت بين متطرفين من حركة بوغالو اليمينية المناهضة للدولة ودعم مادي لمنظمة حماس.

مفاهيم بديلة ودولية

في المملكة المتحدة تستخدم أجهزة إنفاذ القانون مصطلح «التطرف العنيف المركّب» للإشارة إلى «متطرفين» يحملون «أيديولوجيات ومشاعر وتظلمات وتماعات متميزة ومتعددة» وأيديولوجيات «مختلطة أو غير واضحة أو غير مستقرة» — وهو تشبيه يوازي محاولة الفدراليين في أمريكا لصياغة تصنيف يعكس التغاير والمرونة في دوافع الفاعلين.

آراء الخبراء: قيمة المصطلح وتحفظات

يرى خبراء في دراسة «التطرف» قيمة لفظ «المتطرفين العنيفين العدميين» لأنه يعترف بتطور تهديدات العنف. قال أورين سيغال من رابطة مكافحة التشهير إن حوادث أخيرة شملت مشتبهين بدا أنهم مدفوعون برغبة في إحداث الفوضى، «ويمكن وصف تلك الحوادث بأنها عدميّة». كما أشارت الرابطة إلى أن مطلقي النار في مدارس إيفرجرين (كولورادو)، وأنتيوك (تينيسي)، وماديسون (ويسكونسن) كانوا نشطين في فضاءات رقمية تمجد العنف والقتل الجماعي.

كتب الباحث المستقل مارك-أندري أرجنتينو في أبريل أن NVE «تمثل تهديد التقاء — جزء منها ثقافة سادية فرعية، وجزء منها تسارعية متطرفة، وجزء من حملات إلكترونية منسقة — وتكمن خطورتها في مرونتها وغياب أيديولوجيا محددة تقيدها». وعلى خلاف جماعات يمينية قد تقرأ عقائدها شهوراً قبل العمل، يشارك «المتطرفون العنيفون العدميون» معلومات مُختزَلة وسريعة التنفيذ عن طرق تنفيذ هجمات بالسكين والدهس أو جرائم إلكترونية.

يقرأ  اليابان تتقدم باحتجاج إلى الصين بشأن «تركيب» في بحر الصين الشرقي — أخبار النفط والغاز

الاستراتيجية القائمة على الفوضى

المبدأ الإرشادي لدى هذه الظاهرة هو إغراق النظام بأحداث منخفضة التكلفة وعالية الفوضى — مثل حوادث إطلاق نار مدرسية، ومقاطع فيديو لإساءة معاملة الحيوانات تصبح فيروسية، وحملات «السواتينغ» — بحيث تنفق السلطات موارد أكبر من طاقة المتشددين، وفق توصيف أرجنتينو. انفتاح الفضاء الرقمي وتبادل «قطع» المعرفة العملية يجعل من الصعب رصد ومنع هذه الأعمال قبل وقوعها، ما يستدعي استجابة مؤسساتية أكثر تكيّفاً وبصيرة استباقية. ان «تكتيكياً، تسعى الحركات العنيفة العدميّة إلى إحداث اقصى صدمة نظامية بأدنى بصمة تنظيمية ممكنة.»

حذّر خبراء من الإفراط في استعمال المصطلح.

«إذا اُلْقِيَ بكل شيء تحت مسمى "التطرّف العنيف العدمي"، فإن ذلك يُلحق الضرر بمن يسعون إلى فهم مصادر التهديدات»، قال سيغال.

قال وير، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، لموقع بوليتي فاكت إن هذا الوسم معرض لأن تستغله نيابات أو مكتب التحقيقات الفيدرالي المتسيّس ليصبح «مصطلحاً شاملاً يُغفِل أو حتى يُبرّر تأثيرات أيديولوجية أخرى، وبخاصة تفوق البيض».

من الحالات التي ظلت دوافعها غامضة كانت حادثة إطلاق النار الجماعي في 4 يوليو 2022 في هايلاند بارك بولاية إلينوي، التي أودت بحياة سبعة وأصابت العشرات. تقول إفادات مكتب التحقيقات إن مطلق النار أخبرهم أنه أراد «إيقاظ الناس». نشاطه على الإنترنت اظهرت افتتاناً بالعنف.

كتب سيغال بعد الهجوم: «تواجه بلادنا تهديداً متزايداً من شباب مسلحين بكثافة يستخدمون أسلحة يسهل الحصول عليها لارتكاب أعمال عنف لا تُوصف. بعضهم متطرفون؛ لكن الغالبية ليسوا كذلك. مهما كانت دوافعهم، فلا بد من إيقافهم. في الوقت الراهن، قد يكون هذا هو الحد الأدنى من التحليل الذي يمكن أن نتفق عليه جميعاً.»

ساهمت الباحثة كارين بيرد في إعداد هذا المقال

أضف تعليق