قال خبراء ان اصطدام سفينة صينية في بحر الصين الجنوبي كان نتيجة سلوك بحري خطِر ومتكرر، مع ازدياد المناورات عالية المخاطر في هذا الممر المائي الاستراتيجي. ما ميّز الحادث الأخير هو مشاركة مدمرّة تابعة للبحرية الصينية، وهو ما رفع من مستوى الخطر والقلق الدولي.
اصطدام كارثي
أصدرت دورية خفر السواحل الفلبيني تسجيلًا أظهر سفينة خفر السواحل الصينية رقم 3104 تطارد سفينة الدورية الفلبينية BRP Suluan بسرعات عالية وتبث مقذوفات مياه على بعد نحو 11 ميلاً بحريًا شرقي شعاب سكاربورو. بينما كانت قاطرة خفر السواحل تقترب من BRP Suluan، اعترضت مدمرّة صينية أكبر مسار القاطرة من المقدّمة، ما جعل الأخيرة غير قادرة على المناورة فارتطمت بعنف بالسفينة الحربية. أظهرت اللقطات أضرارًا هيكلية كبيرة في السفن الصينية، وكانت سفينة خفر السواحل المعنية شبه معطّلة فعليًا.
شهدت المنطقة قبل الاصطدام تبادلاً متكرراً في المسارات بين المدمرّة والقاطرة أثناء مطاردتهما للسفينة الفلبينية، وفقًا لما ظهر في الفيديو.
أنماط سلوك متهور
اتهم مراقبون القوات الصينية، بما في ذلك الجيش وخفر السواحل والميليشيات البحرية، باستخدام تكتيكات عدوانية مثل الاعتراض على مسافات قريبة، وقطع المسارات، والمطاردات عالية السرعة، وهجمات بخراطيم المياه كوسائل لفرض السيطرة على مياه متنازع عليها. يقول غريغوري بولين، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن هذا النوع من السلوك “جزء من إجراءات التشغيل القياسية للصين التي تتعمد الانخراط في سلوك غير آمن وخلق مخاطر اصطدام في البحر والجو”.
واتهم مراقبون بكين بانتهاك اتفاقية تنظيم منع التصادم في البحر (COLREGS) مرارًا، مما يرفع احتمال وقوع حوادث ومزالق ناجمة عن الحسابات الخاطئة. كما نوّه لايل موريس بأن ثقافة التشغيل التي تعودت على انتهاك القواعد المهنية تؤدي حتمًا إلى نتائج مأساوية.
مناورات «المنطقة الرمادية»
تتراوح الأساليب من قصف بخراطيم المياه إلى الملاحقة على مسافات قريبة والقطع المفاجئ للمسارات — ما يُوصف أحيانًا بتكتيكات «المنطقة الرمادية»: إجراءات تفرض السيطرة دون الولوج إلى مستوى الصراع المفتوح. لكن لأن هذه الأعمال لا تلتزم ببروتوكولات السلامة البحرية المعتمدة، فهي تزيد من احتمال الحوادث والخطأ في التقدير. قال كريستوفر شارمان، المدير السابق لمعهد دراسات الملاحة الصينية في كلية الحرب البحرية الأمريكية، إن «بخاخات المياه والمناورات الخطرة والاصطدامات المتعمدة تحولت إلى أمر طبيعي جديد».
كما يشير لايل غولدشتاين إلى أن تصاعد هذه الأنشطة خلال العقد الماضي يعكس جزئيًا تزايد القدرات البحرية والجوية الصينية واستعراضها في هذه المساحات.
لماذا يختلف هذا الاشتباك
ما يميّز هذا الحادث هو مشاركة مدمرّة من طراز Type 052D، بدلاً من الاعتماد المعتاد على خفر السواحل أو الميليشيا البحرية المتنكّرة في صورة سفن صيد؛ ذلك أن الحفاظ على بُعد السفن الحربية عن الاحتكاك يقلل من فرص التصعيد غير المقصود. مشهد استمرار المدمرّة في مطاردة السفينة الفلبينية بعد أن دهست قاطرة خفر السواحل الصينية يعد اختيارًا أندر وأكثر خطورة من الناحية التشغيلية ويشير إلى أن النزاعات في بحر الصين الجنوبي تتصاعد.
قال شارمان إن نشرها يبدو قرارًا من باب السياسه محسوبًا من بكين، وربما يهدف إلى معاقبة الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس بعد تصريحاته الأخيرة حول احتمال انخراط مانيلا في أي نزاع يتعلق بتايوان. مثل هذه المشاركة المباشرة لسفينة حربية عالية القيمة في أدوار تحرّش أمامية تزيد من المخاطر — فقد كان ليكون لاصطدام المدمرّة بسفينة فلبينية أثر دراماتيكي وربما بداية لصراع أوسع، بحسب غولدشتاين.
عواقب بشرية وغموض المعلومات
لم يتضح حتى الآن ما إذا كان هناك قتلى أو جرحى من صفوف خفر السواحل الصيني؛ أظهرت اللقطات بعض البحارة على مقدمة السفينة 3104 قبل اصطدامها. عرضت البحرية الفلبينية تقديم المساعدة في البحث والإنقاذ، لكن بكين لم ترد رسميًا حتى نشر هذا التقرير. أحالت السفارة الصينية في واشنطن وسائل الإعلام إلى إيجاز وزارة الخارجية الذي اتهم الجانب الفلبيني بـ«مناورات خطرة»، من ضمنها اندفاعات عالية السرعة ومنعطفات حادة تجاه أقصاب السفن الصينية، ما خلق وضعًا معقّدًا ومتوترًا.
ماذا بعد؟
وثّقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مئات من التصرفات غير الآمنة الصينية في الجو والبحر على مر السنوات، من مطاردات إلى اعتراضات خطرة، بينها حادث بارز عام 2018 عندما اقتربت مدمرّة صينية جدًا من سفينة حربية أميركية حتى نحو 45 ياردة بعد إغلاق مسافة عدوانيّة. يبقى السؤال ما إذا كانت الصين ستعيد تقييم تكتيكاتها لتفادي حوادث مستقبلية، أو أنها ستعمد إلى تكثيف الضغط كون كثيرًا من ممارساتها اعتُبرَت ناجحة داخليًا.
بعد الاصطدام بيوم، تصاعدت التوتّرات أيضًا على مستوى الجو حين قامت طائرة مقاتلة صينية بما وصفته الفلبين بـ«تحركات خطرة» بالقرب من طائرتها. وحذّر غريغوري بولين من أن «ان لم تغير الصين سلوكها، فحادثًا واحدًا قد يوقع قتلى ويشعل تصعيدًا عسكريًا لا يرغب فيه أي طرف».