ارث أوزو إيجونو
في قاعات متحف تيت مودرن بلندن، يقف الرسام والنحات بروس أونوبراكبيا، الذي بلغ من العمر ثلاثة وتسعين عاماً، متأملاً معرض “الحداثة النيجيرية” وهو يصف هذا الحدث بأنه “من أعظم ما حدث ليس لمشواره الفني فحسب، بل للحركة الفنية النيجيرية بأسرها”. المجموعة التي يشاهدها تثير لديه ذكريات تمتد لنحو خمسين، ستين وحتى سبعين سنة.
المعرض يضم أعمال أكثر من خمسين فناناً ويغطي حقباً تمتد من عام 1910 وحتى تسعينيات القرن الماضي، في محاولة طموحة لإعادة رسم تاريخ الحداثة في نيجيريا. لأونوبراكبيا — المعروف بمحبة المتابعين له بلقب “بابا بروس” — الحداثة تعني انتقال الأفكار والأدوات والتقنيات التقليدية إلى زمن عصري جديد، كما تعني عرض الحاضر وتمهيد الطريق نحو المستقبل.
المشاهد في القاعات الفسيحة تجمع بين تقنيات محلية مثل الصب البرونزي والرسم الجداري ونحت الخشب، وأساليب أوروبية أو مستعارة منها، فتنبثق أعمال تمزج الواقعية الوثائقية التي توثق أحداثاً عيانية، مع تجريدات بصرية تستدعي إيقاعات وممارسات فنية متعددة التخصصات. من بين المعروضات لوحات ومنحوتات وصور فوتوغرافية وقطع دقيقة مثل نقوش الشوك، إلى رسوم سياسية تعكس مناخات زمنية مختلفة.
من بين الفنانين المشاركين، يبرز مرعانّا أوييلامي (Muraina Oyelami) الذي يزاول الرسم والتمثيل والطبول، وهو يرى أنه لا يبالي كثيراً بتسميات النقد؛ “صنعت لوحاتي وأعمالي، وإذا قرر الناقد أو الكاتب تسميتها حداثة أو غير ذلك فذلك تصنيف غيري”، يقول، مؤكداً أن العمل الفني يسبق الأطر النظرية.
الستينات والسبعينات كانت فترة مثيرة في نيجيريا، لكنها كانت أيضاً فترة صراع؛ فالمعرض يضيء على رحلة البلاد من مستعمرة بريطانية إلى دولة مستقلة محفوفة بالأزمات، بما في ذلك حرب بيافرا (1967–1970)، التي انعكست تأثيراتها على أعمال فنانين مرتبطين بمدرسة نسوكا الفنية — حركة ومختبر فكري تأسس على يد طلاب وأساتذة جامعة نيجيريا، وساهم في بلورة لغة فنية محلية ذات أبعاد قومية وعالمية على حد سواء.
أوسي بونسو، القيم على المعرض، يلفت الانتباه إلى عامل التجمع والتشارك بين الفنانين: “ليس المعرض مجرد حشد لأعمال فردية بحتة؛ هناك إحساس قوي بمبدأ الجماعية لدى أغلب المبدعين المعروضين”. وبالفعل، تنبثق عبر المجموعة شبكة من التعاون والتفاعل بين مجموعات فنية مختلفة، بعضها تشكلت كاستجابة سياسية وثقافية للعقود التي مرت.
التشكيلة واسعة كالتي مدّها بونسو: من الألوان المائية إلى التصوير الفوتوغرافي، ومن منحوتات الشوك الصغيرة إلى رسوم الصحف الساخرة، ومن أعمال فنانين من أعراق مختلفة داخل نيجيريا إلى مساهمات من الشتات النيجيري. ومع اختلافاتهم، يتقاسم الفنانون هدفاً موحّداً: صياغة رؤى جذرية لما يمكن أن يكون عليه الفن المعاصر.
يستمر معرض “الحداثة النيجيرية” في تيت مودرن حتى العاشر من مايو المقبل، وهو يسعى لإضاءة حركة ظلّت مهمّشة إلى حد ما على المسرح الدولي. بالنسبة لأونوبراكبيا، يحمل المعرض رسالة يمكن أن تُرحَل معنا: إنه يمنحنا أملاً وقوة، ويحرضنا على العمل بإصرار أكبر لإنتاج ما هو أعظم من ذلك.