الحرب في غزة لم تنتهِ بعد

جيريمي بوين
المحرر الدولي

لحظة درامية حتى بالنسبة لدونالد ترامب، الرئيس الذي يزدهر في كونه محور الأحداث العالمية. في اجتماع تلفزيوني ترأسه في واشنطن يوم الأربعاء، قاطع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اللقاء وهمس برسالة إلى الرئيس تفيد بضرورة إعلان إتفاق للعالم. أخبر ترامب الحضور — وملايين من شاهَدوا الفيديو لاحقاً — بأنه مضطر للمغادرة.

«سيحتاجونني…» قال وهو يقاطع جدول الأعمال لليوم. «عليّ الآن أن أذهب لمحاولة حل بعض المشاكل في الشرق الاوسط.»

وقعَت إسرائيل وحماس المرحلة الأولى من ما يعتزم ترامب أن يكون إتفاقاً أوسع نطاقاً بعد ثلاثة أيام من محادثات غير مباشرة في مصر. تواسطت قطر ومصر بين المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين كانوا على طوابق منفصلة في فندق بشرم الشيخ. ولإضفاء وزن على المباحثات والحفاظ على الضغط على الإسرائيليين، أرسل ترامب صهره جاريد كوشنر وموفده ستيف ويتكوف. كما حضر رئيس وزراء قطر ورؤساء أجهزة المخابرات في مصر وتركيا للقيام بالدور نفسه نيابة عن وفد حماس.

الإتفاق هو اختراق كبير، لكنه لا يعني انتهاء الحرب. لكنه يمنح، لأول مرة منذ هجمات حماس على إسرائيل، فرصة واقعية لوضع حد لبعض فظائع العامين الماضيين.

خطوة كبيرة — لكن تحتاج إلى خطوات إضافية
الخطة تقضي بأن يتبع وقف إطلاق نار الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الباقين، مقابل إطلاق سراح سجناء ومحتجزين فلسطينيين. وسينسحب الجيش الإسرائيلي (قوات الدفاع الإسرائيلية) من مواقع حالية تُترك له السيطرة على نحو 53% من غزة، وفقاً لمتحدث حكومي. وسترفع إسرائيل بعض القيود على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بحيث تسمح بدخول 400 شاحنة يومياً تُوزَّع عبر الأمم المتحدة ووكالات أخرى.

المؤسسة الإنسانية المقترحة لقطاع غزة، النظام المثير للجدل الذي سعت إسرائيل إلى استبدال الأمم المتحدة به، لم تُذكر في خطة ترامب المكوَّنة من 20 نقطة. الاتفاق يمثل خطوة مهمة، لكن ثمة خطوات أخرى لازمة للوصول إلى نهاية الحرب؛ فخطة ترامب إطار عام، والتفاصيل أبقت لتُتفاوض لاحقاً، والمعوقات الجدية ما زالت أمامها.

يقرأ  عامان من الإبادة الإسرائيلية في غزةبِالأرقام — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

مواقف متعارضة وصعوبات بنيوية
حماس تريد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة؛ نتنياهو يقول إن هذا لن يحدث. حماس مستعدة للتخلي عن الأسلحة الثقيلة لكنها ترغب في الاحتفاظ ببعض العتاد، بينما يصر نتنياهو على نزع السلاح الكامل لقطاع غزة. لقد صاغ تعريف النصر لإسرائيل بما يتجاوز مجرد عودة الرهائن؛ فقد كرر مرات أن على حماس أن تُدمّر بلا فرصة للعودة كونها تشكل خطراً على الإسرائيليين.

كيف قورنت خطة بايدن؟
في مايو 2024 طرح الرئيس جو بايدن اتفاقاً يشبه خطة ترامب، حين وافقت حماس على إطلاق رهائن إسرائيليين إذا انسحبت قوات الدفاع الإسرائيلية من غزة وكانت هناك ضمانات بعدم إعادة فتح الحرب. لكن نتنياهو لم يكن مستعداً للقبول. على مدار العامين الماضيين كرر أنه استمرار الحرب هو السبيل الوحيد لاسترداد الرهائن وتدمير حماس. ربما كانت خطة بايدن مبكرة على الطرفين؛ والفرق بين ما جرى الآن وما لم يحدث في مايو الماضي أن ترامب استخدم النفوذ الأميركي على إسرائيل لإحضار نتنياهو إلى طاولة المفاوضات.

رد فعل على ضربة الدوحة
حدث حاسم أدى إلى الاختراق كان محاولة إسرائيل الفاشلة لقتل قيادة حماس في الدوحة في 9 سبتمبر. كان الهدف الرئيسي، القيادي الكبير خليل الحية ورافقوه، يناقشون أحدث نسخة من خطة ترامب للسلام عندما وقع الهجوم؛ نجا الحية لكن ابنه كان من بين القتلى. الحية يقود وفد حماس في مصر. الإسرائيليون لم يخبروا الأميركيين مسبقاً بنيتهم ضرب الدوحة؛ الأمر أغضب ترامب بشدة.

عندما طلب نتنياهو لقاءه في المكتب البيضاوي، أجبره على الاتصال برئيس وزراء قطر ليقدّم اعتذاراً مكتوباً وموسعاً. ونشرت البيت الأبيض صوراً بدا فيها كأن مدير مدرسة يجعل تلميذاً مشاغباً يقول «آسف». كما أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يمنح قطر ضمانات أمنية غير مسبوقة في حال تعرضها لهجوم آخر، إذ أن لقطر أهمية استراتيجية كحليف أميركي ومضيفٍ لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، ولها دور محوري في الخطة الإقليمية للسلام التي يسعى إليها ترامب، والتي ترتكز في جوهرها على صفقة كبرى تقضي بتطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل.

يقرأ  ظهور تمثال يجمع دونالد ترامب وجيفري إبستين في واشنطن العاصمة

تداعيات وتغيرات في الموقف الدولي
لكن الغارة الإسرائيلية جعلت الأميركيين يبدون كحليف غير قادر على حماية أصدقائه. وفي الوقت نفسه، قتل جيش الدفاع الإسرائيلي عدداً أكبر من الفلسطينيين ودمر جزءاً أوسع من غزة، مما عزَّز عزلتها إلى أقصى حد منذ قيامها عام 1948؛ وظهور نتنياهو على منصة الأمم المتحدة في نيويورك أثار مقاطعة دبلوماسية واسعة. وتظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن غالبية الأميركيين لم تعد تؤيد إسرائيل بالقدر السابق، ما خفف من مخاطرة فرض إرادات أميركية على اعتراضات نتنياهو. الحلفاء الأوروبيون، بدورهم، أعربوا عن إدانتهم للقتل والدمار وحصلت اعترافات بدولة فلسطينية من دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا.

الهجوم على الدوحة عزز أيضاً الإحساس بالإلحاح بين الدول العربية والغالبية المسلمة، فتشكّلت جبهة نادرة موحدة للضغط على ترامب لإجبار إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وإذا كانت خطة ترامب من شأنها أن تنهي الحرب، فلا بد أن يستمر الضغط الأميركي على إسرائيل.

خطر استئناف الحرب لاحقاً
سؤال رئيسي هو ما إذا كان نتنياهو قد يجد وسيلة لاستئناف الحرب بعد عودة الرهائن إلى ديارهم؛ حلفاؤه المتشدّدون في الائتلاف يريدون ذلك. وفي المقابل ستواصل دول الخليج الغنية — التي يجلها ترامب ويرغب في أن تلعب دوراً كبيراً في إعادة إطلاق وإعادة إعمار غزة — الضغط على الرئيس الأميركي لضمان عدم حدوث انتكاسة.

احتفالات مريرة على الجانبين
الاختراق في شرم الشيخ قابِلَ استقبالٍ باحتفالات في إسرائيل وداخل قطاع غزة، لكنها كانت مريرة بعد هذا القدر من الخسائر. في إسرائيل، شنّت عائلات الرهائن وأنصارهم حملة مستمرة للضغط والإضراب من أجل إعادة ذويهم. وتُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين مستعدون لإنهاء حرب غزة إذا عادت الأرواح التي في الأسر — سواء الأحياء أو الأموات — إلى الوطن. يُعتقد أن نحو 20 رهينة قد يكونون أحياءً، كما وافقت حماس على إعادة جثث حوالي 28 آخرين، رغم عدم اليقين بشأن تحديد مواقع كل القبور.

يقرأ  مجلة جوكستابوز — ألف إحساس: أمبرا ويلمان في معرض كومباني، نيويورك

مقابل الرهائن، وافقت إسرائيل على الإفراج عن 250 سجيناً محكومين بالمؤبد وعن 1,700 محتجز أخذهم جيش الدفاع الإسرائيلي من غزة خلال العامين الماضيين. سيُستقبل هؤلاء في فلسطين كأبطال. في المقابل، رفضت إسرائيل إطلاق سراح مروان البرغوثي، المعتقل منذ 2002 والمحكوم بعدة مؤبدات، والذي يراه كثير من الفلسطينيين رمزاً شبيهاً بنيلسون مانديلا. كما تطالب حماس بإطلاق سراح قيادات بارزة يعتبرها الإسرائيليون إرهابيين خطرين، ما يجعل هذه التبادلات موضع جدل واسع.

ماذا عن المديح والمخاطر؟
يقول ترامب إن هذا الاتفاق قد يكون أعظم حدث في الشرق الأوسط خلال ثلاثة آلاف عام — مبالغة شعبية على نطاق واسع. لكن إذا تبع تبادل الرهائن تقدُّم في بنود أخرى من خطة ترامب، فهناك فرصة حقيقية لأن ينتهي جزء من المعاناة على الجانبين. رغم المخاطر في مفاوضات شائكة وصعبة للغاية، يأمل المتفائلون أن يؤدي وقف الحرب في غزة إلى انطلاقة حقبة جديدة في المنطقة؛ ذلك يتطلب مستوى من الالتزام والثبات لم يظهره ترامب بعد. تفاوض قصير وحاسم في مصر يناسب أسلوبه الصاخب والمتسلِّط، لكن إيجاد حل لصراع يمتد لنحو قرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين يتطلب مجموعة مهارات مختلفة جذرياً.

ملاحظة ختامية
تستمر الحاجة إلى تحليل عميق وتغطية متجددة للقضايا الكبرى، مع استعراض وجهات نظر تتحدّى الافتراضات، ومتابعة دقيقة للتطورات — فالتحدي لا يزال كبيراً والتبعات ممتدة على المديين القريب والبعيد.

أضف تعليق