في وقت سابق من هذا الأسبوع اعترفت عشر دول بدولة فلسطين، فارتفع بذلك عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعترف بفلسطين إلى 157 من أصل 193. هذا يعني أن غالبية دول العالم تقرّ بوجود دولة فلسطينية. ومع ذلك، لا يزال الفلسطينيون يُعاملون كأنهم بلا دولة، ويختبر كثيرون منهم مرارة انعدام الجنسية عند الحدود وفي مراكز احتجاز الهجرة.
بصفتي مترجمًا حرًا من الإنجليزية إلى العربية مع منظمة Respond Crisis Translation، أقدّم دعمًا متكررًا لطالبي اللجوء المحتجزين. رأيت بأمّ عيني ماذا يعني أن تكون فلسطينيًا عالقًا داخل منظومة هجرة أميركية تزداد قسوة وإنسانيةً معدومة.
تعرفت على محمد (اسم مستعار) أثناء ترجمة جلساته القانونية، ولاحقًا تابعت قضيته في مناسبات متعددة بينما كان محاموه يسعون للحصول على إطلاق سراحه من إدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE).
قرر محمد الهرب من غزة قبل أن تطلق إسرائيل حربها الإبادة، لكن الهروب لم يأتِ بالحرية. كانت الرحلة قاسية ومشحونة بالمخاطر؛ تعلق في دول رفضت الاعتراف بوطنه أو بالأوراق التي يحملها، اختطفته عصابات مهربة، تعرّض للضرب والتهديد وسُلب ماله. في النهاية وصل إلى الولايات المتحدة، وعلى أمل أن تمنحه «الحلم الأميركي» مأوى وأمانًا وحرية، واجهه نظام ICE.
هرب من سجن ليُلقى في آخر. القسوة كانت متواصلة حتى أنه خاض إضرابًا عن الطعام — حين امتنع عن الأكل صار صوت جوعه هو الصرخة الأعلى والأحادية، مناشدة يائسة للإفراج عنه.
الإضراب لم يكن رفضًا للطعام فحسب، بل رفضًا للاختفاء. جسد ينكسر ليُسمع. أفاد بأنه تعرّض للإذلال، ووضِع في العزل الانفرادي، وتعرّض لضغوط نفسية خلال إضرابه. الإضراب، الذي كان يهدف لاسترداد الكرامة، تحوّل إلى وسيلة للعقاب.
أُجبر محمد على كسر الإضراب بعد أن أوضحت المحكمة أنها لن تنظر في إمكانية إطلاق سراحه ما لم يُعتبر سليمًا نفسيًا ومؤهّلًا طبيًا. ولتحقيق هذا الشرط والحصول على فرصة لمغادرة الاحتجاز، لم يكن أمامه خيار سوى إنهاء الإضراب.
عندما قرر محمد في نهاية المطاف قبول الترحيل، استجابت المحكمة لطلبه؛ اتفق القاضي والمدّعي على أنه إن لم يرغب في البقاء فله أن يُرحّل. لكن الترحيل إلى أين؟ في الأوراق كتب «فلسطين» — كلمة تحمل له معنى لكنها في منظومة الهجرة الأميركية ليست إلا اسمًا عابرًا. الولايات المتحدة لا تعترف بفلسطين كدولة، فالمحكمة اعتمدت افتراضيًا على «إسرائيل». وإسرائيل، التي تحتل الأراضي الفلسطينية، لا تسمح للفلسطينيين بدخول غزة بحرية، ولا يمكنهم ببساطة دخول الضفة الغربية.
بالنسبة للفلسطينيين، وبخاصة من غزة، الحدود ليست خطوطًا على خريطة فقط — بل هي جدران من صلب، بيروقراطية وقوانين. قد يقال إن الدخول ممكن عبر دول الجوار: قبل الحرب كان بإمكان سكان غزة العودة عبر مصر أو الأردن. معبر رفح المصري مغلق الآن. الأردن لا تسمح بالدخول ما لم يحمل الفلسطيني تصاريح خاصة، وهي نادرة وشبه مستحيلة الحصول عليها. حتى عندما يُكتب «الوطن» في أمر ترحيل، قد يظل ذلك الوطن بعيد المنال.
كان ما تخيّله محمد من «خلاص» — أي العودة إلى الحرب — سرابًا. الخروج من منظومة الاحتجاز الأميركية لم يكن معادلاً لاستعادة الحرية؛ بل كان مواجهة حقيقة قاسية: أن تكون فلسطينيًا اليوم يعني أن تعيش بلا مخارج، بلا ملاجئ آمنة، بلا ضمان لعودة حتى إلى المجهول. الترحيل، الذي قد يمثّل للآخرين «العودة»، بالنسبة لفلسطينييْن كثيرين هو فخ آخر.
ما زال محمد مُصِرًا على العودة إلى غزة؛ رفض حتى الآن أن يُرحّل إلى دول أخرى، ويظل محتجزًا لدى ICE. أوضح المحامون أن هناك حوافز مالية لإطالة فترة الاحتجاز، لأن المنشآت الخاصة تتلقّى دفعات يومية عن كل محتجز. وحتى بوجود قرار قضائي، التأخير في الإفراج شائع.
قصة محمد ليست مجرد فشل طلب لجوء شخص واحد، وليست مجرد مثال على رفض الولايات المتحدة المستمر لاعتراف بدولة فلسطين. إنها صورة أوسع عن معنى انعدام الجنسية في عالم يطالب بالأوراق قبل أن يمنح الكرامة. إنها كيف يصبح «البيت» جرحًا وحلمًا معًا. بالنسبة لغزة، ينهار حلم الحرية والكرامة داخل مراكز احتجاز مضاءة بأضواء فلورية، ويصبح الترحيل رحلة نحو باب آخر موصد ومستقبل قاتم.
قد توقع المحاكم أوراقًا، وقد تصطحب سلطات الهجرة أشخاصًا إلى الطائرات، لكن لا سلطة بإمكانها أن ترفع الحصار الذي يقف خلف قضبان فلسطين، ولا السياسات التي تحرم شعبها من حق العودة والحركة بحرية.
الآراء الواردة هنا تعبر عن رأي الكاتبة ولا تمثّل بالضرورة موقف الجزيرة التحريري.