المجلس الانتقالي الجنوبي يوسّع سيطرته على الأراضي اليمنية لكنه لا يستطيع إعلان الاستقلال الجزيرة

نقطة تحوّل في المشهد اليمني

الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب اليمني تمثل نقطة انعطاف محورية في مسار النزاع السياسي والعسكري في البلاد. المواجهة الراهنة تُجري بين المجلس الانتقالي من جهة والحكومة المعترف بها دولياً والممثلة بمجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي من جهة أخرى، مع المفارقة أن زعيم الانتقالي عيدروس الزبيدي عضو في ذات المجلس. العلاقة بين الطرفين ظلت هشة ومتقلبة، وما حدث مؤخراً كشف عمق التباينات والإخفاق في إدارة الشراكة السياسية.

ردود الفعل الرسمية كانت حادة؛ إذ أدانت الحكومة التقدّم العسكري واصفةً إياه استيلاءً أحادياً وانتهاكاً صارخاً لأُطر المرحلة الانتقالية، بينما وسّع الانتقالي سيطرته على محافظات الجنوب المتبقية، مجدّداً طموحه القديم لإقامة كيان جنوبي مستقل.

معركة حضرموت

سقوط حضرموت الأسبوع الماضي جاء سريعاً وصادمًا بالنسبة إلى كثيرين، وإن كان سبقته فترة طويلة من التوتر في المحافظة الغنية بالنفط. القوات الحكومية عادت إلى دور المراقب نسبياً، مع بقاء بعض الألوية في معسكراتها في حضرموت والمهرة، في حين تنافست ميليشيات محلية وموالون قبلليون مرتبطون بدول إقليمية على النفوذ. استغل الانتقالي تفوّقه في التسليح وحجم قواته فتقدم إلى قلب حضرموت والمهرة إلى حد كبير بلا معارضة فعالة. القوات الحكومية افتقرت إلى أسلحة حديثة وكادر بشري كافٍ وربما إلى الرغبة في القتال.

سقوط حضرموت لم يكن مجرد خسارة إقليمية؛ بل كان ضربة قاصمة للشرعية الوطنية ولما تبقى من عناصر الوحدة اليمنية، خصوصاً وأن كثيرين كانوا يراهنون على مناعة هذه المحافظة ضد سيناريو الانقسام.

التحالفات المحلية والإقليمية

الجهتان المتقاتلتان — قوات الانتقالي والمقاتلون المحليون المؤيدون للحكومة والقبائل — ارتبطت كل منها بتحالفات إقليمية متنافسة. ولعبت ولاءات زعماء محليين وسياسيين دوراً بارزاً في رسم خريطة السيطرة على الأرض.

يقرأ  الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي رداً على الغارات الجوية في الدوحة

لماذا تهم حضرموت؟

حضرموت محافظة حيوية استراتيجياً وجغرافياً؛ تمثل أكثر من ثُلث مساحة اليمن (نحو 200 ألف كيلومتر مربع) ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة. تحتوي على أكبر حصة من ثروات النفط اليمنية، وتضم أهم الحقول وموانئ التصدير، وهي أيضاً معقل لرجال أعمال يمنيين وخليجيين ومركز تراثي وثقافي. بعناصرها الاقتصادية والبشرية والخدمية يمكن لمحض المحافظة أن تقارب مفاهيم الدولة المستقلة، ولهذا تبرز أهمية سقوطها في أعين النخب والسياسيين. سكان حضرموت تاريخياً تمتعوا بطابع إداري وسياسي مستقل نسبياً وحرصوا على إدارة شؤونهم دون تدخل من خارج الإقليم، ولهذا ينظر كثيرون إلى سيطرة قادة الانتقالي، الذين ينحدر معظمهم من لحج وذبالة، على أنها احتلال غير مسبوق؛ وبناءً على ذلك تبدو شرعية وهامش استمرارية سلطات الانتقالي في المحافظة محدودين لعدم وجود قاعدة شعبية محلية واسعة للقبول بهذه السيطرة.

انقلاب على التفاهمات: «طلاق بلا رجعة»

التداعيات السياسية ستحمل ظلّاً ثقيلاً على مجلس القيادة الرئاسي المكوّن من ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي، لا سيما بعد خروج أعضاء المجلس وحراستهم من القصر الرئاسي في المعاشيق بأِدَنْن. وصف كثيرون ما جرى بأنه «طلاق بلا رجعة» ونهاية كارثية لكل التفاهمات التي رُسِمت للحفاظ على توازن سياسي يضمن حقوق جميع الأطراف.

السلطة الشرعية الآن محصورة جغرافياً بأراضٍ متواضعة في تعز ومأرب، وهاتان المنطقتان تواجهان تهديدات متزايدة: مأرب محاصرة من جهة الحوثيين شمالاً ومن جهة الانتقالي جنوباً، في حين أن تعز محاصرة شمالاً من الحوثيين وشرقاً من قوات اللواء طارق صالح. سقوط هذه الجيوب لن يحيل فقط الحكومة إلى رمزية شكلية، بل سيكمل عملياً فراغ السلطة المركزية بعد تفاقم تأثيرات الانتقالي وصعود النفوذ الحوثي.

حلم الجنوب المستقل: واقع صعب

بحسب باحثين في علم الاجتماع السياسي، لا يملك الانتقالي وحده الصلاحية الحاسمة لإعلان الاسقلال الجنوبي بالرغم من سيطرته العسكرية المؤقتة، لأن القرار بخصوص مصير الجنوب يرتبط بالفاعلين الإقليميين ذوي المصالح العميقة في المنطقة. مسار تحقيق دولة جنوبية لا يمرّ عبر قصر المعاشيق وإنما يمر عبر مؤسسات دولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، حيث يمكن للدول الإقليمية أن تلعب دوراً فاصلاً.

يقرأ  المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة يدعو الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات عن منظمات المجتمع المدني الفلسطينية

عملياً، تواجه أي تجربة انفصالية قادمة عوائق مالية ومؤسسية جسيمة: موازنة خالية تقريباً بعد حربٍ ممتدة، ضعف مؤسسات الدولة وخدماتها، ونقص في الموارد الأساسية لبناء اقتصاد مستدام. إضافة إلى ذلك ستثير فكرة دولة جنوبية ردود فعل من دول إقليمية ودولية لا ترغب في تجزئة اليمن إلى دويلات متصارعة، ما سيولّد حالة أمنية إقليمية هشة ذات تبعات خطيرة للمنطقة بأسرها.

خلاصة

التحولات الأخيرة في الجنوب وحسم مصير حضرموت يغيّران قواعد اللعبة داخل اليمن. التحدي الأكبر أمام أي حلّ سياسي مستدام يبقى في إعادة ترتيب علاقات القوة المحلية والإقليمية، وإيجاد صيغة توافقية تحمي وحدة البلاد أو تنظم تسوياتٍ تمنع تفكك اليمن إلى مفردات جيوسياسية متصارعة. السيطا على الأرض اليوم قد لا تترجم إلى شرعية سياسية دائمة، وما ينتظر المشهد اليمني من تطورات سيعتمد بدرجة كبيرة على مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين وعلى قدرة القوى المحلية على التوصل إلى تفاهمات جديدة تمنع انزلاق البلد نحو مزيد من التمزق وعدم الاستقرار.

أضف تعليق