المزارعون الهنود المتضررون من الفيضانات: خسائر متزايدة واضطرار للبدء من الصفر

غورفيندر سينغ، مزارع يبلغ من العمر 47 عاماً من جورداسبور في إقليم البنجاب الهندي، اضطر بعد سلسلة من المصاعب الاقتصادية في أسرته أن يقترض مليون روبية هندية تقريباً (نحو 11,000 دولار) من مُقرض خاص لإتمام زواج ابنته الكبرى. حفظ جزءًا من ذلك القرض وزرع به ثلاثة أفدنة من الأرز (حوالي 1.2 هكتار).

راهن على صنف الأرز البسمتي العطري عالي الغلة المعروف بـ«بيرل». كان البيع الجيد من شأنه أن يحقق له نحو مليون روبية لكل فدان تقريباً (أي ما يقارب 11,400 دولار لكل 0.4 هكتار). لكن الآن حبات أرز صنف بيرل طافية مغمورة بالمياه، مدفونة تحت طبقات من الطين والرواسب.

«لا أستطيع تحمل هذا الفيضان في هذه المرحلة من حياتي. لقد دُمِرنا»، قال سينغ للجزيرة. «محصول هذا العام كان من المفترض أن يسد ديوننا. لكن الحقل صار بحيرة الآن، ولا أدري كيف أبدأ من جديد.»

اضطر السينغ للاختفاء موقتاً من منزله مع زوجته وطفليه بعدما اجتاحت الفيضانات قريتهم في وقت سابق من هذا الشهر. وسأل بمرارة: «بماذا سأعود؟»

تبعات دائمة

ولايات شمال الهند تعيش تبعات أمطار موسمية غزيرة وفيضانات مفاجئة أنهكتها، بحيث غمرت الأنهار الممتلئة قرى كاملة وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.

الوضع في البنجاب قاتم بشكل خاص؛ فالأكثر من 35 بالمئة من سكان الولاية يعتمدون على الزراعة للعيش، والمزارعون يواجهون أسوأ فيضانات منذ أربعة عقود، مع غمر مساحات واسعة من حقول الأرز قبل أسابيع قليلة فقط من الحصاد. تزرع الولاية الأرز في ما يقرب من ثلثي مساحتها الجغرافية.

منطقة جورداسبور، حيث يقيم سينغ مع عائلته، من أكثر المناطق تضرراً في مرمى ثلاثة أنهار فاضت – رافي، بياس، وسوتليج – بعد أمطار غزيرة شهدتها جامو وكشمير وهيماشال براديش. حتى الآن تُفيد الحصيلة بمقتل 51 شخصاً ونزوح نحو 400,000 آخرين.

يقرأ  هل من الآمن السفر إلى نيبال؟إرشادات حكومية في ظل احتجاجات دامية

حقل سينغ من حقول البسمتي التي تساهم في صادرات هندية قيمتها نحو 6 مليارات دولار. وحدها ولاية البنجاب تمثل حوالي 40 بالمئة من الإنتاج الوطني؛ وعلى الضفة الأخرى من الحدود تقارب نسبة إنتاج البسمتي في إقليم البنجاب الباكستاني 90 بالمئة من إنتاج باكستان ويولد ما يقرب من 900 مليون دولار.

التقديرات الرسمية الأولية تشير إلى خسارة كاملة للمحاصيل في أكثر من 450,000 فدان (حوالي 182,100 هكتار) — مساحة تقارب مساحة موريشيوس — في البنجاب الهندي. واقتصاديون زراعيون مستقلون حذروا الجزيرة أن التأثير النهائي قد يكون أكبر بخمس مرات من التقديرات الرسمية.

«المحصول تالف تماماً، والآليات غارقة، ومنازل الفلاحين جرفتها المياه»، قال لخويندر سينغ، مدير مركز اقتصاديات التنمية والدراسات الابتكارية بجامعة بنجال الباتيالا.

«مزارعو البنجاب سيضطرون للبدء من الصفر. سيحتاجون دعماً كبيراً واستثمارات حكومية»، أضاف.

أعلنت حكومة البنجاب — التي تُحكمها حزب عام آدمى (AAP) المعارض وطنياً لحزب بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي — مخصصاً بقيمة 20,000 روبية هندية (نحو 230 دولاراً) للمزارعين الذين فقدوا محاصيلهم، لكن هذا المبلغ يبدو ضئيلاً مقارنة بالتحديات الهائلة المقبلة، بحسب لخويندر سينغ.

نحو 6 بالمئة من أرز البسمتي الهندي يُصدَّر إلى الولايات المتحدة، التي فرضت رسوماً جمركية بنسبة 50 بالمئة على نيودلهي. الهند تقليدياً تتبع سياسات حمائية تجاه قطاعها الزراعي الذي يوظف نصف السكان — وهو أمر كان محور خلاف في مفاوضات تجارية مع إدارة الرئيس ترامب.

حذر سينغ الحكومة من استغلال أثر الفيضانات ذريعة لتخفيف الحماية وفتح الباب أمام واردات الحبوب. «يجب ألا تُدفع حقوق المزارعين ثمناً لتخفيض الرسوم وللحصول على صفقة مع ترامب»، قال. «فيضانات البنجاب قد تترك تبعات دائمة على مستقبل الاقتصاد الزراعي.»

ليس أمامنا إلا الماء

يقرأ  محكمة أميركية تسمح لترامب بإنهاء الحماية المؤقتة عن ٦٠٬٠٠٠ مهاجر أخبار دونالد ترامب

التحدي العاجل الذي يواجه مزارعي البنجاب هو إزالة الطمي والرواسب التي ترسبت فوق أراضيهم، حسب خبراء الزراعة. إندرا شيخار سينغ، محلل سياسات زراعية مستقل، قال إن مدى الضرر سيتحدد فقط بعد انحسار المياه. «هناك رواسب وطمي مفرط على حقول الفلاحين»، أضاف. «وهناك أيضاً مشكلة تسوية الأرض، وهو كلفة إضافية، وإعدادها للموسم التالي.»

في الهند، تشكل محاصيل الموسم الموسمي أو «الخيريف» حوالي 80 بالمئة من إجمالي إنتاج الأرز، والذي يُحصد بين نهاية سبتمبر وأكتوبر. الآن يواجه مزارعو البنجاب سباقاً مع الزمن لتجهيز الحقول لمحصول الشتاء (الربيعي) من القمح، الذي يجب زراعته بحلول أوائل نوفمبر لتجنب خسائر الغلة.

«حقول الأرز كانت الأكثر تضرراً في هذه الفيضانات»، قال شيخار سينغ. «حتى الأرقام المتحفظة تشير إلى خسائر فادحة للمزارعين، ما لم يحدث معجزة.»

بعيداً عن الأمراض الجديدة التي قد تنقلها مياه الفيضانات إلى المحاصيل الواقفة، يواجه المزارعون أيضاً أزمة تغذية حرجة لموسم الربيع. يعتمد الفلاح الهندي على اليوريا، التي تحتوي على نحو 46 بالمئة نيتروجين، كسماد رئيسي؛ والهند أكبر مستورد لليوريا في العالم. لكن المخزون يتراجع: من 8.64 مليون طن في أغسطس 2024 إلى 3.71 مليون طن في أغسطس هذا العام.

كما شهد هذا الموسم شراءً هستيرياً لليوريا من المزارعين في عدة ولايات هندية. والآن جاءت الفيضانات وسط مخاوف متزايدة من أن الأسمدة قد لا تكفي لزراعة موسم الربيع القادم، مما يفاقم الضغوط على مزارعين أنهكهم الفقد والديون والحاجة للبدء من جديد. شهدت أسعار اليوريا ارتفاعاً عالمياً حاداً، إذ قفزت من 400 دولار للطن في مايو 2025 إلى 530 دولار للطن في سبتمبر.

«هذا سيؤدي إلى نشوء سوق سوداء للأسمدة في الولايات المتضررة مثل بنجاب، ويزيد من مشكلة تداول المبيدات المزيفة»، أضاف شيخار سنغ.

يقرأ  دريم بوكس ماث — من ديسكفري إديوكيشن — تتَوَّجُ بجائزة تيك إدفوكيت لعام ٢٠٢٥

قال سنغ من جامعة بنجاب إن المزارعينن يواجهون أزمة اقتصادية مطولة ستستمر في الأشهر المقبلة.

وفي الوقت نفسه، يفكر سنغ، المزارع من جُردارسبور في بنجاب، فيما يخبئه المستقبل لعائلته.

كان قد أهدى ابنته في زواجٍ مبكّر هذا العام لرجل مزارع آخر في أمريتسر، إحدى أكبر مدن بنجاب التي تحدّ باكستان؛ كما غرقت أراضيهم الزراعية أيضاً.

«لا أستطيع السفر لزيارتهم حتى ونحن نعاني من نفس المحنه»، قال، متأملاً في المآسي التي تحلّ بمنطقة يتصارع فيها طرفا حدود متوترة مع أزمة واحدة.

وأضاف مشيراً إلى التوترات بين الهند وباكستان في وقت سابق هذا العام بعد هجوم في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند أودى بحياة 26 مدنياً: «كنا مستعدين أن نخوض حرباً من أجل هذه الأنهار». وردت الهند بتعليق معاهدة مياه السند، التي توزع ستة أنهار بين الجارتين المسلحتين نووياً، خطوة وصفتها باكستان بأنها «عمل عدائي».

«كل ما تبقّى لنا الآن هو الماء»، قال سنغ.

أضف تعليق