المزارعون تحت ضغط متزايد ولاءهم لترامب قيد الاختبار

لوك مينتز — بي بي سي
آنا جونز — مقدّمة برنامج «ناس حزام الذرة»

في يوم حار قارس بوسط الغرب الأوسط الأمريكي، يعبّر تيم ماكسويل عن مخاوفه بشأن مستقبل الزراعة. ماكسويل، البالغ من العمر 65 عاماً، عمل في الحقول منذ مراهقته ويدير اليوم مزرعة للحبوب والخنازير قرب موسكو بولاية أيوا، لكنه غير متيقن من إمكانات استمرارية عمله.

«أنا في حالة قلق إلى حد ما»، يقول الرجل وهو يرتدي قبعة عليها شعار شركة للذرة. ما يثير مخاوفه هو أن المزارعين الأمريكيين لم يعودوا قادرين على تصدير محاصيلهم للأسواق الدولية كما كان الوضع في الأعوام السابقة، جزئياً بسبب التداعيات الناجمة عن تعريفاتٍ جمركية فرضها الرئيس ترامب.

«محاصيلنا وإنتاجيتنا والطقس كلها جيدة — لكن اهتمام الأسواق الآن متدنٍ»، يضيف ماكسويل. «أمر قد يضع بعض المزارعين تحت ضغوط مالية».

تعكس هذه المخاوف واقعاً أوسع. تحذّر جمعيات زراعية أمريكية من أن المزارعين في أنحاء الولايات المتحدة يواجهون صعوبات واسعة هذا العام، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى التوترات الاقتصادية مع الصين. منذ أبريل دخل البلدان في حرب تجارية أدت إلى تراجع حاد في طلبيات الصين للمحاصيل الأمريكية.

اقتصاديون يصفون المزارعين بأنهم «متضررون» جراء ذلك؛ فقد بلغ عدد إفلاسات الشركات الصغيرة بين المزارعين ذروته خلال خمس سنوات، وفق بيانات جمعتها وكالة بلومبرغ في يوليو.

رغم هذه المعاناة الاقتصادية، لم تتحول المناطق الريفية تلقائياً ضد ترامب كما قد يتوقع البعض. فقد كانت المناطق الريفية من أكثر الكتل التصويتية وفاءً للرئيس في الانتخابات الماضية، حيث تفوّق عليه هناك بفارق يقدر بنحو 40 نقطة مئوية مقارنة بمنافسته، وفق تحليل لمؤسسة بيو للأبحاث. ويقول خبراء الاستطلاعات إن شعبيته لا تزال واسعة نسبياً في الأرياف.

«أنا سأبقى مع ترامب»، يؤكد ماكسويل رغم مخاوفه المالية. «رئيسنا أخبرنا أن تطبيق كل هذه التعريفات سيأخذ وقتاً»، ثم يختتم: «سأصبر. أنا أؤمن برئيسنا.»

فلماذا إذن يستمر كثير من المزارعين وغيرهم من سكان المناطق الريفية في تأييد ترامب على نحوٍ عام، رغم شعورهم بالضغط الاقتصادي الذي تسهم فيه، على نحوٍ جزئي، سياسات التعريفات الجمركية نفسها؟

مزارعون على «هاوية تجارية ومالية»

إن أردت نافذة تطلّ على أمريكا الريفية، فمعرض ولاية أيوا مناسبة مناسبة لذلك. هذا المعرض الزراعي يجتذب أكثر من مليون زائر خلال عشرة أيام: حلويات القطن، ونقانق مقلية على عصا تُعرف باسم «كور دوغ» بسعر نحو 7 دولارات، عرض جرّارات أثرية، ومسابقة لأكبر خنزير ذكر.

لكن خلال زيارتنا الشهر الماضي، كان ثمة موضوع آخر يطغى على الأحاديث: التعريفات الجمركية. «كثيرون يقولون إنه يستخدم التعريفات كورقة مساومة أو موهَبة تفاوضية»، يقول جيل غوليكسون، مالك مزرعة بولاية داكوتا الجنوبية ومحرر مجلة زراعية. «لكن التاريخ يثبت أن التعريفات لا تنتهي عادة بخير.»

يقرأ  قانون الإنفاق «الجميل والكبير» لترامب: هل هو أكبر تخفيض ضريبي في تاريخ الولايات المتحدة؟

في أبريل، وفي ما وصفه البعض بـ«يوم التحرير»، فرض ترامب تعريفات واسعة على معظم أنحاء العالم، بما في ذلك رسم جمركي بنسبة 145% على الصين. رداً على ذلك، فرضت الصين رسوماً انتقامية بلغت 125% على بضائع أمريكية — ضربة موجعة للمزارعين في حزام الذرة بالغرب الأوسط، الذين يبيع كثيرون منهم محاصيلهم إلى الصين.

في العام الماضي، اشترت شركات صينية ما قيمته 12.7 مليار دولار من فول الصويا الأمريكي، معظمها لتغذية الثروة الحيوانية. ومع حلول موسم الحصاد في سبتمبر، حذّرت رابطة فول الصويا الأمريكية من أن طلبات الصين على الفول أقل بكثير مما ينبغي أن تكون عليه في هذه المرحلة من السنة.

التقلبات الحادة في التعريفات منذ فرضها — وعدم اليقين المصاحب لها — تُثقل كاهل المزارعين، كما يقول كريستوفر وولف، أستاذ اقتصاديات الزراعة في جامعة كورنيل: «الصين كبيرة إلى حد أن قرارها الشراء له أثر عميق، وقرارها التوقف عن الشراء له أثر مماثل».

كما ارتفعت تكلفة الأسمدة بشكل لافت، جزئياً بسبب الخلافات التجارية مع كندا التي رفعت كلفة البوتاس، وهو ملح تُستورده المزارع الأمريكية من كندا ويستخدم في صناعة الأسمدة.

جون تيستر، السيناتور الديمقراطي السابق عن مونتانا والمزارع من الجيل الثالث، قال في مقابلة هذا الشهر: «كل هذه التعريفات التي فرضها الرئيس عطّلت سلاسل التوريد… رفعت كلفة المعدات الجديدة… وبسبب الحرب التجارية والتعريفات، كثير من الزبائن قالوا: إلى الجحيم مع الولايات المتحدة…» وأضاف: «الشباب الذين دخلوا الزراعة حديثاً ولم يدخروا لأوقات مثل هذه سيكونون في ورطة، والعديد منهم سيفلسون. وإذا استمر الأمر هكذا، فالكثيرون من أمثالي سيصلون إلى الإفلاس أيضاً.»

مزارعوون في الغرب الأوسط الأمريكي، المعروف أيضاً بـ«حزام الذرة»، يصدّرون أجزاء هائلة من محاصيلهم إلى الصين، ما يجعلهم عرضة لتقلبات السياسة التجارية. وعلى صعيدٍ آخر، يعاني المزارعون الأمريكيون بالفعل من مستويات مرتفعة من الضغوط النفسية. أظهرت دراسة أعدتها جمعية الصحة الريفية الوطنية أنّ المزارعين الريفيين معرضون لخطر الانتحار بمعدل يفوق المتوسط بأكثر من ثلاثة أضعاف، علماً أن التحليل شمل مرحلة زمنية سبقت رئاسة ترامب.

في رسالة إلى البيت الأبيض حذّر كاليب راغلاند، رئيس جمعية ASA، من بلوغ نقطة تحوّل: «مزارعو فول الصويا في الولايات المتحدة يقفون على حافة منطقية تجارية ومالية».

ترامب: «مزارعونا سيحظون بيوم رائع»
مؤيدو الرئيس يرون أنّ الرسوم الجمركية ستخدم المزارعين على المدى الطويل لأنها تضغط بوجه دول مثل الصين لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإبرام اتفاقيات جديدة في المجال الزراعي. ويشيرون أيضاً إلى إجراءات أخرى دعمتها هذه الإدارة: خلال الصيف وسّعت حزمة ترامب الضريبية والإنفاقية دعم القطاع الزراعي بمبالغ تصل إلى 60 مليار دولار، وزادت تمويل التأمين الفدرالي للمحاصيل (مع وجود تمويلات إضافية للزراعل التأمينية).

يقرأ  الإمارات تحذّر إسرائيل: ضم الضفة الغربية سيشكّل عبوراً لـ«الخط الأحمر»

في خطاب السنوي أمام الكونغرس قال ترامب إنّ هناك «فترة تعديل بسيطة» بعد فرض الرسوم وأضاف: «مزارعونا سيحظون بيوم رائع… إلى مزارعينا، استمتعوا كثيراً، أحبكم».

من جهته أثنى سيد ميلر، مفوض وزارة الزراعة في تكساس، على «الدعم الحيوي» الذي قدّمه ترامب: «أمامنا أخيراً إدارة تُعطي الأولوية للمزارعين والمربّين، تدافع عنهم، وتتصدّى للصين… وتضمن معاملة عادلة لمنتجي أمريكا».

ثمة من يقول إنّ استراتيجية الرسوم قد تؤتي ثمارها في نهاية المطاف — حسب ما يرى مايكل لانغماير، أستاذ اقتصاديات الزراعة في جامعة بوردو — لكنّه يحذر من أنّ حالة عدم اليقين قد تُلحق أضراراً طويلة الأمد: «شريكك التجاري لا يعرف تحديداً موقفك في السنة المقبلة لأنّنا نغيّر قواعد اللعبة باستمرار. هذا يخلق مشكلة.»

الرسوم الجمركية وتجربة الانتخابات
هناك حكمة قديمة في السياسة الأميركية مفادها أنّ الناس «يصوّتون بجيوبهم» — أي ينقلبون على السياسيين الذين يضرّون بمصالحهم المادية. ومع ذلك، يبدو أن الأميركيين الريفيين الذين تحدثنا إليهم ما زالوا يدعمون ترامب بثبات.

لا بيانات واضحة لدى الخبراء عن تغيير ملحوظ في دعم الناخبين الريفيين منذ العام الماضي. فقد وجدت دراسة حديثة لمؤسسة بيو أن 53% من الريف يوافقون على أداء ترامب، مقابل 38% لمجمل البلاد. مسح آخر أجرته ActiVote سجّل تراجعاً طفيفاً في الموافقة الريفية من 59% في أغسطس إلى 54% في سبتمبر، لكن المحلّلين ينصَحون بعدم إعطاء هذه الأرقام وزنًا كبيرًا لأن حجم عيّنات الناخبين الريفيين في هذه الاستطلاعات صغير.

«البيانات التي اطلعت عليها تُظهر أن ترامب ما زال يحظى بدعم قوي في المجتمعات الريفية»، يقول مايكل شيبرد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيغان والمتخصص في السياسة الريفية.

في معرض ولاية أيوا دارت أغلب المحادثات حول ترامب والرسوم. بعض المزارعين يرون الأمر ببساطة: يصدّقون الرئيس عندما يقول إن الرسوم ستساعدهم على المدى البعيد. يقول جون ماكسويل، مزارع ألبان ومنتج جبن من أيوا: «نعتقد أن الرسوم في النهاية ستعيدنا إلى عظمتنا. كنا نعطي الصين كثيراً، وكنا ندفع رسومًا عندما نبيع لهم. لنجعل الأمر عادلاً. ما ينفع الأوزة ينفع الأخرى.»

ويعلق البعض على أمل أن يتدخّل الرئيس لإنقاذ المزارعين: ففي الولاية الأولى لترامب قدّم للمزارعين منحة بقيمة 28 مليار دولار خلال خلاف تجاري مع الصين.

إسناد اللوم الانتقائي؟
نيكولاس جاكوبس، أستاذ السياسة في كلية كولبي ومؤلف كتاب «الناخب الريفي»، يرى سبباً أعمق: التحوّل نحو الجمهوريين في الريف غالباً ما سبق ترامب بفترة طويلة. منذ ثمانينيات القرن الماضي شعر الريف بأنه مُهمَل بينما استفادت المدن من العولمة والتكنولوجيا، فتشكّل هُوِيّة ريفية قائمة على تذمّر مشترك ومعارضة للنخب الحضرية. بدا الجمهوريون، في نظر الكثيرين، كبطل طبيعي، بينما صار الديمقراطيون «حزب النخبة والتقنوقراط والمتعلمين حضرياً».

يقرأ  الفنان الذي آوى جيمس بالدوين الشاب تحت جناحه

تكرّر بعض هذا الشعور في معرض الولاية؛ تقول جوان ماكسويل، مزارعة ألبان من دافنبورت بأیوا، إن منطقتها كثيراً ما تُعامل كـ«بلد يمرّ فوقه الطيران» — flyover country — وأن الإعلام لا ينظر إليهم بإيجابية، بل وصفهم البعض بأنهم «مخيفون» أو «غير متعلمين» (إشارةً إلى وصف هيلاري كلينتون لنصف مؤيدي ترامب بأنه «سلة من البائسين»). «غالبًا ما يتجاهلوننا أو يسخرون منا»، تضيف.

يعتقد البروفيسور شيبرد أنّ الاستقطاب الحاد في أمريكا جعل الناخبين متمسّكين بمعسكرهم إلى درجة أنهم يسامحون سياسات كانت ستُثير غضبهم لو كانت من الطرف الآخر. يسمي ذلك «إسناد اللوم الانتقائي»: قد يشعرون بالغضب من أمور كثيرة، لكنهم متردّدون في محاسبة ترامب عليها.

«نعطيه فرصة — ويجب أن تكون هناك نتائج»
لدى السيد وولف تصوّر خاص للسيناريو المثالي من الآن فصاعدًا. «ما أرجوه هو أن يعلن [ترامب] النصر ببساطة وأن يترك مسألة التعريفات الجمركية على حالها.»

لكنه يحذّر من أن إلغاء السياسة حتى لو حصل، قد يخلف أضراراً طويلة الأمد للمزارعين الأمريكيين بسبب الاضطراب في سلاسل الإمداد. بعض الشركات الصينية باتت الآن تشتري فول الصويا من البرازيل بدل الولايات المتحدة، ويضيف أنه قد لا يعودون بسرع.

العديد من المحللين الذين تحدثنا إليهم يرون أن تأييد الريف الأمريكي لترامب ليس شيكاً مفتوحاً، رغم الدعم الحالي.

«كثيرون يقولون إنه يستخدم التعريفات كورقة تفاوض، كخدعة»، يقول المزارع جيل غوليكسون. «لكن التاريخ يثبت أن التعريفات لا تنتهي بخير.»

يشير السيد شيبرد إلى الكساد الكبير ومنطقة “حوض الغبار” في ثلاثينيات القرن الماضي، التي أجبرت ملايين المزارعين على الهجرة إلى المدن الأمريكية، مما أحدث إعادة ترتيب سياسي طويل الأمد — مع ذلك لا يتوقع أحد أن يصل الوضع هذه المرة إلى تلك الدرجة من السوء. كما شهدت أزمة المزارع في ثمانينيات القرن العشرين إفلاس آلاف المزارع.

في معرض الولاية، توضح السيدة ماكسويل، مزارعة ألبان من أيوا، وجهة نظرها بجلاء.

«نعطيه فرصة للوفاء بالتعريفات، لكن يجب أن تأتي النتائج. أظن أننا يجب أن نرى شيئاً خلال ثمانية عشر شهراً أو أقل. نفهم المخاطرة — ويجب أن تؤتي ثماره.»

استمعوا إلى برنامج “ناس حزام الذرة” على راديو بي بي سي 4 الساعة الرابعة بتوقيت بريتاين يوم الاثنين 15 سبتمبر.

تقرير إضافي: فلورنس فريمان

“BBC InDepth” هو الوجهة الجديدة على الموقع والتطبيق لأفضل التحليلات والخبرات من كبار صحفيينا. تحت علامة تجارية جديدة مميزة، سنقدّم لكم رؤى جديدة تتحدى الافتراضات وتغطية عميقة لأهم القضايا لمساعدتكم على فهم عالم معقّد. كما سنعرض محتوى يثير التفكير من عبر منصتي BBC Sounds وiPlayer. نبدأ صغيرين ونفكر على نطاق واسع، ونود أن نعرف آراءكم — يمكنكم إرسال ملاحظاتكم بالضغط على الزر أدناه.

أضف تعليق