أقيمت في ملعب بولاية أريزونا مراسم تأبينية لتكريم الناشط المحافظ تشارلي كيرك، وبدت كحدث مركب يجمع بين جنازة رمزية، وإحياء ديني على شاكلة كنائس الجموع الكبيرة، وتجَمُّع سياسي محافظ. لقد بدا المشهد وكأنه لقطة من انقسام داخل الحزب الجمهوري، حيث يتواجه خيارا التسامح والمقاصة، المصالحة والصراع.
تجمّع روّاد حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” حول احتفال استمر لساعات لإحياء ذكرى كيرك، تخلّله عرض موسيقي وخطابات متعددة، ومنح الحضور لمحة عن الاتجاه المحتمل للحركة بعد أكثر من عقد على ظهورها وتحوّلها للمشهد السياسي الاميركي.
إريكا كيرك: نجمة محتملة
رغم تتابع الشخصيات السياسية البارزة على المنصة ليلة الأحد، كان لحظة الحسم حين اعتلت إريكا كيرك، أرملة تشارلي، المسرح. المرأة البالغة من العمر ست وثلاثين عاماً، التي كانت متسابقة جمال وساهمت في البودكاست وعالم الأعمال، استغلت المناسبة للدعوة إلى الوحدة، بل وطلبت التسامح حتى لمن قتل زوجها.
«الجواب على الكراهية ليس الكراهية»، قالت بصوت يكاد يخنقها التأثر. «الجواب، كما نعلم من الإنجيل، هو المحبة دائماً. محبة أعدائنا، ومحبة الذين يضطهدوننا.»
كانت كلمة مؤثرة من امرأة وجدت موطئ قدم سريعاً تحت أقسى الأضواء. الأسبوع الماضي، عُينت رئيسةً لمنظمة الشباب المحافظة التي أسسها زوجها الراحل، Turning Point USA، وهي مؤسسة تعيش زخماً وتصميماً متجددين بعد مقتل كيرك.
أثبتت إريكا ليلة الأحد أنها تمتلك من القوة والطباع ما يؤهلها لأن تكون وجهاً فعالاً للمنظمة، وقد تتحول في المستقبل إلى مرشحة قوية للمناصب العامة في ولاية أريزونا، الميدان السياسي الحاسم. كلماتها شكّلت تبايناً واضحاً مع الصخب والمواجهة اللذين طبعا كثيراً من السياسة الاميركية المعاصرة.
نداء ترامب للحشد
إذا كانت إريكا قد ألمحت إلى مستقبل أكثر لطفاً ورقة للحركة المحافظة، فإن دونالد ترامب، الذي تحدث فوراً بعدها، قدم تذكيراً سريعاً بأن أولويات الحزب الجمهوري اليوم قد تكون مختلفة تماماً.
قال ترامب مازحاً: «أكره خصومي، ولا أتمنى لهم الخير». وأضاف: «ربما تستطيع إريكا أن تقنعني والعشرة الذين حولي بأن هذا غير صحيح، لكني لا أطيق خصومي.» تصريحات ترامب جاءت بعد يوم واحد من منشور على Truth Social طالب فيه وزارة العدل بمحاكمة أعدائه السياسيين، بمن فيهم سيناتور كاليفورنيا آدم شيف، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي، والنائبة العامة لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس.
أعلن الرئيس كذلك أنه أقيل مدعٍ فدرالي كان قد قرر سابقاً أن الدلائل غير كافية لتوجيه تهمة إلى جيمس، واستبدله بأحد محامي دفاعه السابقين. كانت ملاحظات ترامب في الحفل غريبة على مثل هذا السياق، لكنه لم يكن الوحيد الذي استثمر المناسبة للتعهد بالتحرك ضد «الأعداء».
قال مستشار البيت الأبيض المخضرم ستيفن ميلر: «نحن العاصفة. أعداؤنا لا يفقهون قوتنا، عزمنا، صمودنا، وشغفنا.» وأضاف أن المحافظين سيحاربون من أجل الثقافة الغربية والتقاليد، وأن خصومهم لا يملكون إلا الحقد والغيرة: «ليس لديكم فكرة عن التنين الذي أيقظتموه.»
دلائل على صحوة دينية
رغم نغمات التوتر، بدا الموضوع العام أقرب إلى إحياء ديني، مستحضرًا خُطب تجمعات بيلي غراهام تحت الخيام في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، أو «الصحوات الكبرى» في القرن التاسع عشر. احتفت المراسم بإيمان تشارلي كيرك المسيحي ووعدت بحيوية جديدة لدى شباب امريكـا تجاه القيم التقليدية بحماسة إنجيلية.
احتشد عشرات الآلاف في الملعب، وشاهد الملايين الحدث عبر الإنترنت، وهي أرقام ستكون مطمئنة للقادة المحافظين الذين يرون أن للمسيحية دوراً مركزياً متنامياً في الحياة العامة والسياسية الأميركية — موقف عبّر عنه كيرك مراراً.
قال كيرك في 2024: «الجسم السياسي لأمريكا كان مسيحياً وبروتستانتياً لدرجة أن شكل ونظام حكومتنا بُنيا لأناس يؤمنون بالمسيح ربنا. لا يمكنك أن تحصل على حرية إن لم تكن لديك جماعة مسيحية.» ومع أن المسيحية تراجع حضورها في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تزال الديانة الغالبة، لكن استطلاعات الرأي تُظهر أن الشباب أقل تديناً من الكبار، ما قد يفتح الباب لتحولات مستقبلية.
موت كيرك قد يوقظ صحوة دينية بين الشباب الأميركي؛ وإن لم يحدث ذلك، فقد تفرّق الخطاب الإنجيلي بقدر ما يوحّد، مما قد يزيد من الانقسامات الثقافية والسياسية في البلاد.
طموحات رئاسية على الملأ
نحن في الشهر التاسع من فترة ترامب الرئاسية الثانية، لكن ليلة الأحد ربما كانت اشتباكاً افتتاحياً مبكراً في سباق ترشيح الحزب الجمهوري لعام 2028. ثلاث شخصيات محتملة — نائب الرئيس جِي.دي. فانس، وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الصحة روبرت إف. كينيدي جونيور — حصلوا على فترات خطاب بارزة.
تحدث الثلاثة عن علاقة كل منهم بتشارلي وعن إيمانهم الشخصي، مقدمين تأبينات أكثر تركيزاً وتقليدية تباينت مع خطاب ترامب، لكن مع لمسة سياسية تتطلع إلى المستقبل.
قال فانس: «من أجل تشارلي، سنعيد هذه الولايات المتحدة إلى العظمة. من أجله لن نتراجع، لن ننهزم، ولن نتردد حتى ونحن نواجه أخطاراً جسيمة.» وصف كينيدي كيف أن كيرك «غيّر مسار التاريخ» ـــ ومخاطر تحدي المصالح المتغلغلة. وأشاد روبيو بإلهام كيرك للأميركيين على «العيش حياة منتجة، وتكوين أسر، وحب الوطن.»
كان ترامب متحدثاً بارزاً في التجمع، لكنه لم يطفُ كما هي عادته فوق كل الصوت السياسي. بدأت أوساط المحافظين تتعرّف على وجوه قد تصبح فاعلة على المسرح الوطني حين يترك ترامب المشهد.
تصالح مفاجئ مع ماسك
ومن بين الوجوه البارزة التي شهدت عودتها مساء الأحد، أعاد الحدث إلى الواجهة رجل الأعمال التكنولوجي إيلون ماسك، الذي كان على مقربة من ترامب في بداية ولايته الثانية قبل أن يشهدا شقاقاً علنياً في يونيو. زار ماسك منصة الرئيس في فينيكس ودار بينهما حوار ودّي بدا موجزاً.
قال ترامب للصحفيين بعد ذلك: «اعتقدت أنها كانت محادثة لطيفة. جاء وتحدثنا.» كان ماسك قد ترأس «إدارة كفاءة الحكومة» في وقت سابق هذا العام، وأشرف على تخفيضات فدرالية واسعة ومحاولات لخفض الميزانيات. لكنه اختلف مع الرئيس بشأن مشروع إنفاق كونغرس بقيمة 3.4 مليار دولار، ووعد لاحقاً بتأسيس حزبه السياسي الخاص.
لم يكن مصالحة ترامب وماسك أهم ما جاء في المراسم، لكنها على الأقل كانت من أكثر الأمور غير المتوقعة، ومن يدري إلى أين قد تقود لاحقاً.