النسيان والحنين والشفاء إسبانيا تصارع إرث فرانكو بعد خمسين عاماً

بعد أن انطلقت في إسبانيا أول تجربة ديمقراطية حديثة متكاملة ــ الجمهورية الثانية عام 1931 ــ ورغم المعارضة الشرسة من جناح المحافظين المتشددين، قاد الجنرال فرانسيسكو فرانكو تمردًا عسكريًا يمينيًا في 18 يوليو 1936 لإجهاض الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي كانت تُنتهج آنذاك.

وبالرغم من الدعم الخارجي الذي تلقاه من إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية، واجه الانتفاضة مقاومة أعنف مما توقّع منظموها؛ فقد تشكل تحالف مؤقت من النقابيين واليساريين وبعض فصائل الجيش ونشطاء الدفاع عن الديمقراطية، انتهى بصراع أهلي شامل وحشي استمر ثلاث سنوات.

استسلمت الجمهورية أخيرًا في 2 ابريل 1939، ممهدة لقيام نظام فرانكو الديكتاتوري المديد.

منذ الأيام الأولى للحرب بدأت حملة قمعية عنيفة في المناطق الخاضعة لسيطرة فرانكو، استهدفت الخصوم المدنيين المشتبه بهم وعائلاتهم، وهدفت أساسًا لإخراس أصوات المعارضة وترهيب المجتمع.

تُقدّر أعداد الذين أُعدموا بإجراءات موجزة دون محاكمات رسمية بنحو 130 ألف إلى 200 ألف شخص.

وخلال النصف القرن الذي تلا رحيل فرانكو، كانت عمليات انتشال الرفات بطيئة ومعوقة بعقبات لوجستية ومالية وقانونية. يعتقد أن هناك نحو ستة آلاف مقبرة جماعية غير معنونة متناثرة في أنحاء البلاد، في الآبار والغابات والحدائق والمقابر وعلى المنحدرات النائية.

ومع تذكّر إسبانيا لضحايا تلك الحقبة وتحليل جهود الاستخراج، تصطدم البلاد أيضًا بارتفاع متواصل في شعبية حزب يميني متطرف، فوكس، وبحنين لدى فئات شبابية لم تعايش الديكتاتورية نفسها.

أظهر استطلاع حديث للمركز المركزي للبحوث (CIS) أن حوالي 20% من الفئة العمرية بين 18 و24 عامًا اعتبروا الحكم الديكتاتوري «جيدًا» أو «جيدًا جدًا».

ويقول معلمو المرحلة الثانوية إن وسائل التواصل الاجتماعي تغذي تأييدًا لفرانكو بين المراهقين.

«يتحدثون كما لو أنهم يؤيدون الديكتاتورية حقًا، وحتى الخدمة العسكرية الإلزامية» يقول خوسيه غارسيا فيكو، أستاذ اقتصاد في ثانوية بالأندلس، لقناة الجزيرة. «غالبية المعلمين الذين أعرفهم في قلق بالغ، لأنه رغم أننا نشرح الفرق بين الديكتاتورية والديمقراطية، الطلاب مُغمورون بمحتوى من تيك توك وغاضبون جدًا من العالم عموماً، فلا يعرفون ماذا يريدون».

يقرأ  لم تُحظر دروس الموسيقى في هامبورغ لأن المسلمين يعتبرونها حرامًا — التقرير الألماني يتناول بياناً مشتركاً ضد التعصب والإقصاء

«المحتوى الذي تروّجه الأحزاب اليمينية المتشددة على منصات التواصل والموجّه للمراهقين كبيرٌ، وله أثر ملحوظ في طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض».

ومع تأكيده أن «ليس كل طالب في الصف» ينجذب إلى اليمين المتطرف، يشير غارسيا فيكو إلى تصاعد حاد في خطابيات إسلاموفوبية ومعادية للمتحولين جنسياً.

«أعنف الميل لدى الأولاد الذين يشعرون بتفوق على الآخرين. لكن المشكلة تتضمن بعض الأهالي أيضًا. قبل بضع سنوات أخبرني بعض الأهل أنه لا بأس أن يكون طفلهم قد قاطعني بالصياح ‘عاشت فرانكو!’ لأن ذلك حق في حرية التعبير».

على بعد مئات الكيلومترات شمالًا في مدريد، لاحظ سيباستيان رييس تورنر، أستاذ يبلغ من العمر 27 عامًا، تأثير مشاهير اليمين المتطرف على شبكات التواصل.

«في المدارس، يرى الطلاب حقبة ديكتاتورية فرانكو مجرد موضوع من مواضيع كثيرة يحفظونه بلا تفكير ليجتازوا امتحانًا تاريخيًّا لا يبذلون فيه اهتمامًا حقيقيًا. ومن جهة أخرى، يختار اليمين المتطرف تفاصيل بعينها ليجعلهم يعتقدون أنها كانت فترة أفضل، حيث لم تكن لديهم مشكلات مثل البطالة المستفحلة رغم سنوات الدراسة الطويلة أو أزمة السكن التي يعانونها اليوم».

أضف تعليق