النسّارات الحمراء البريطانية تنقذ أقاربها الإسبان من حافة الانقراض

كاترين دا كوستا — جنوب إنجلترا

أُطلق أكثر من 120 فرخاً من طائر الحدأة الأحمر المولودين في بريطانيا إلى أقصى جنوب غرب إسبانيا، في مبادرة تهدف إلى إحياء هذا النوع الذي شارف على الانقراض في المنطقة. يخرج أحد الفراخ البريطانية من قفص تكييف في تلال غربية نائية في إسبانيا، ويحلّق لأول مرة في حياته بعد ستة أشهر من الفقس؛ يختفي سريعاً بين أعالي الحقول والشجيرات حتى يغيب عن الأنظار في وادٍ مُحاط بالغابات.

القصة جزء من مسار حفاظي أغلق حلقة تاريخية: قبل نحو أربعين عاماً كانت الحدأة الحمراء منقرضة تقريباً في إنجلترا واسكتلندا، ولم تبقَ إلاّ أزواج قليلة في ويلز. أُعيد إدخال فراخ من إسبانيا والسويد إلى منطقة تشيلترنز على حدود أوكسفوردشاير وبكينغهامشاير في أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات، ونجح المشروع نجاحاً باهراً إلى حد أن أعداد الطيور الآن مزدهرة في أنحاء المملكة المتحدة، حيث تُقدَّر أزواج التزاوج بأكثر من 6,000 زوج — أي نحو 15% من عددها عالمياً.

كان الدكتور إيان إيفانز من هيئة Natural England من رواد تلك المبادرة. بقيت نتائج الدفعات الأولى غير مؤكدة، فقد كان من الممكن أن تموت أو تهاجر بعيداً، لكن بحلول 1991 ظهرت أولى الأزواج التي تفقّست محلياً، فكانت دلّة على إمكانية النجاح وأطلقت خطط إنشاء مواقع إطلاق أخرى في إنجلترا واسكتلندا.

اليوم تُنقل فراخ حدأة حمراء بريطانية إلى إقليم إكسترمادورأ في إسبانيا كجزء من مشروع يمتد أربع سنوات لإعادة إحياء التجمعات المحلية التي تقلصت بشدة بفعل عوامل مفترسة مثل بومة النسر وممارسات بشرية خطيرة كالتسميم غير المشروع والصعق بالكهرباء. حصل المحافظون على تصاريح خاصة من Natural England لجمع الفراخ، معظمها من مقاطعة نورثهامبتونشاير، ونقلها إلى إكستريمادورا؛ جُمِع أكثر من 120 فرخاً، بمعدل يقارب 30 فرخاً يُصدَّر كل عام.

يقرأ  البرازيل: حزم مساعدات للشركات المتضررة من تعريفات ترامب — أخبار حرب التجارة

تُنقل الفراخ جواً إلى مدريد ثم تُنقل حوالي 385 كلم جنوباً إلى مستشفى للحياة البرية في فيلافرانكا دي لوس بارروس تُديره منظمة Acción por el Mundo Salvaje (AMUS). هناك، يقيس الفريق الصغير تحت إشراف عالم الطيور ومدير المشروع ألفونسو جودينو كل فرخ: يُوزن ويُقاس ويُعلَّم ثم يُزوَّد بحاملة أجهزة تتبع GPS تتيح تتبعه عن بُعد. تبدو الطيور ساكنة أثناء تحضيرها لأن بعضها يتظاهر بالموت عند شعوره بالخطر؛ وعن تركيب أجهزة التتبع يصفها جودينو بأنها إزعاج طفيف شبيه بثقب للأذن، وسرعان ما تتعوّد عليها الفراخ إذ تُتيح مراقبتها من الأرض.

توضع الطيور بعدها في حظائر احتجاز قرب الحدود البرتغالية لمدة أسبوعين لتتكيف مع محيطها الجديد. موقع الإفراج بعيد وهادئ، وتُستدرج الطيور أحياناً بوضع جثة خروف كما يحدث هنا لكي تغري الحدآت بالمكان. لا يندفع الفراخ للخروج فور فتح البوابة؛ تأخذ ساعات ليغلبها الحذر ويبدأ كل فرخ، واحداً تلو الآخر، بترك مأمن القفص والتحليق صوب البرية.

بالنسبة لألفونسو، هذه اللحظات «مُرّة وحلوة»: بعد الإفراج يتعلم الفراخ البحث عن طعام، وتجنُّب المفترسات، والتفاعل مع الأنواع الأخرى في المنطقة، بينما يتيح الـGPS مراقبة أدائها بدقة. لكن العاملين الميدانيين يعيشون توتّراً كبيراً: معدلات الوفيات للطيور الجارحة مرتفعة خلال سنواتها الأولى، لذا يعلم الفريق أن كثيرين قد لا يبلغون النضج الجنسي — ولذلك تبدو هذه اللحظة متباينة المشاعر. في الواقع، نجا نحو ربع الحدآت فقط من مجموع ما أُطلق خلال المشروع.

أكبر التهديدات تأتي من المفترسات والأسباب الطبيعية: في 2023 تسببت بوم النسر في مقتل نصف الفراخ المُطَلَقة حديثاً في المشروع، ما دفع AMUS لتعديل أساليب وتوقيتات الإفراج لتحسين فرص النجاة. أنجز الفريق أيضاً أعمالاً واسعة لعزل آلاف الكيلومترات من خطوط الطاقة لتقليل مخاطر الصعق. ومع ذلك يبقى التسميم غير المشروع أخطر تهديد بشري: ضمن مشروع Life EuroKite وُسِّمَ 3,060 حدأة بين 2020 و2024، وبحلول سبتمبر 2024 توفي 1,377 طائراً مُعلَّماً — 622 لأسباب طبيعية شملت افتراساً، و195 نتيجة تسميم، و54 بسبب إطلاق نار غير قانوني. تقول الخبراء إن هذه الأرقام تمثّل «قمة جبل الجليد» فيما يتعلق بالاضطهاد غير القانوني.

يقرأ  غوتيريش يدين مجاعة غزة«كارثة من صنع الإنسان»

في المملكة المتحدة، تعمل جمعية الحفاظ على الطيور (RSPB) مع شركائها الأوروبيين لتقديم المشورة في التحقيق بقضايا التسميم. تقرير الجمعية كشف أن ما لا يقل عن 1,344 طائراً جارحاً قُتل في المملكة المتحدة بين 2009 و2023؛ وترجع إدارة التحقيقات في RSPB السبب مباشرةً إلى ارتباط اضطهاد الطيور بمزارع صيد الطرائد، حيث يُتهم بعض حفّاظي الطرائد بارتكاب جرائم ضد طيور محمية رغم أن غالبيتهم موظفون قانونياً لمراقبة الآفات.

أظهرت جهود الإكستريمادورا حتى الآن ثلاثة أزواج تزاوجت أفضت إلى فرخين ناجين، ومع بلوغ المزيد من الطيور المعلمة النضج الجنسي العام المقبل يُأمل أن تتضاعف هذه الأرقام وتتمدد التجربة إلى مناطق أخرى من جنوب إسبانيا حيث كانت الحدأة شائعة قبل ثلاثة عقود وأوشكت أن تختفي.

أضف تعليق