الهنديات اللاتي صنعن التاريخ في كأس العالم للسيدات للمجلس الدولي للكريكيت

في أسبوع حافل من التاريخ، أحرز منتخب الهند للسيدات لقب كأس العالم للمرة الأولى، بعد قرابة خمسين سنة على خوضه أول مباراة دولية. لم تكن المسيرة سهلة؛ إذ اجتازت اللاعبات سلسلة انتكاسات في الدور التمهيدي وتغلبن على ضغوط داخلية وخارجية حتى أطاحن بالمنتخب الأسترالي الذي كان بلا هزيمة في نصف النهائي، ثم تصدين لخصم جنوب أفريقي عنيد في المباراة النهائية. الصلابة والإصرار اللذان بديا على أرض الملعب كان لهما صدى واضح في قصص حياتهن خارجها.

هارمانبريت كور — قيادة متجذّرة
بعد حسم الفوز التاريخي، انطلقت القائدة هارمانبريت نحو والدها هارماندار سينغ بهولار، وقبضت عليه باحتفال عاطفي يكشف أن تلك العلاقة الأب-ابنة شكلت جزءاً أساسياً من رحلتها. ولدت هارمانبريت في 8 مارس 1989 في مدينة موغا، المعروفة في بعض الأحيان بتحدياتها المجتمعية، ونشأت في أسرة أبقت طموحاتها بسيطة وانضباطها صارماً. والدها، الذي كان لاعب نادي وموظفاً بالمحكمة المحلية، كان يبيع حليب أبقار العائلة ليدبر أمور المعيشة؛ ومعدات اللعب كانت غالباً خارج متناول الأسرة. بحسب أول مدربٍ لها، مارست التدريبات باستخدام مضارب قديمة وكرات بلا درز — لأن ذلك كان المتاح. تصدى والدها لعبارة التساؤل المتكرر في الحي: «ماذا تنالون بترك البنات يلعبن؟»؛ لم يجادل، بل سمح لابنته الكبرى أن تلعب وتنضج. من ملاعب موغا المفتوحة إلى لحظة رفع الكأس في ملعب دي واي باتيل بمومباي، ظلت القيم نفسها: العمل الجاد، التواضع، والمثابرة.

أمانجوت كور — رباطة الجأش
قصة أمانجوت، ذات السرعة والقدرة على التغيير الشامل في الملعب، بدأت في ورشة النجارة التي كان يديرها والدها بهوبيندر سينغ في البنجاب. حين كانت أدوات الكريكيت باهظة الثمن، نقش الأب مضربها الأول بنفسه من قطعة خشب متبقية. تساءل الجيران عن تشجيعه لابنته على اللعب، لكنه ظل يعمل وهي استمرت في المران. في نهائي الكأس تجلت تأثيراتها في نقاط حاسمة: في الشوط العاشر، أطاحت بلاعبة افتتاحية خطرة عبر التقاء وسرعة رمي نظيفة، ولاحقاً سيطرت على موقف تحت الكرة عند منتصف العمق، راتيبة وثباتٌ جعلا الملعب ينفجر هتافاً عند ثباتها على الإمساك. جذور تلك الرزانة عميقة؛ ففي أول ظهور لها مع الهند في جنوب أفريقيا يناير 2023، قدّمت 41 نقطة دون خروج من المركز السابع ورفعت الفريق من ورطة 69/5. بعد المباراة تحدثت بهدوء عن سنوات تضحيات والدها، من دون مبالغة، معترفة بمن جعل حلمها ممكناً. ذلك الالتقاط في النهائي لن يُنسى، والأيادي التي شكلت مضربها الأول كانت جزءاً من تلك اللحظة.

يقرأ  الصومال تؤكد اختراقاً واسع النطاق ونزف بيانات في نظام التأشيرات الإلكترونية

رادا ياداف — من بائع على الرصيف إلى منصة التتويج
رحلة الرمية اليسارية رادا ياداف تُقاس بعدّة خطوات على مسرب واحد في كانديڤالي بمومباي. بعد توقيعها أول عقد مع اتحاد الكريكيت الهندي وهي في التاسعة عشرة، اشترت لأسرتها محل بقالة صغير أسمته Radha Mini General Store، لا يبعد كثيراً عن مكان كان والدها أومprakash يبيع فيه الحليب والخضار لسنوات. المسكن فوق المتجر لم يتجاوز عدة أمتار مربعة؛ المساحة كانت محدودة لكن الطموح لم يكن كذلك. أَختها الكبرى سوني — التي كانت أيضاً تمارس اللعبة — تخلّت عن حبها للعبة كي تدعم استمرار رادا. الأسرة جمعت حول حلم واحد واستمرت في دعمه. من كرات التنس في الأزقة الضيقة إلى أكبر منصات اللعبة تقدمت لأن أحدها لم يطلب التوقف. صباح اليوم التالي لفوز الهند، انتشرت صورة لوالدها أومprakash يبتسم وهو يسير جنب المدرب أثناء دورة الفخر في الملعب، والكأس على رأسه — لقطة جمعت الشارع والمتجر والعائلة والإيمان.

رينكا سينغ ثاكور — هدوء محكّم
فقدت الرمية السريعة رينكا سينغ ثاكور والدها كيهار سينغ ثاكور عام 1999 وكان عمرها ثلاث سنوات فقط. وتولّت والدتها سونيت وظيفة حكومية لتوفر لعائلتها لقمة العيش، وكان دخلها مقتصداً لكن دعمها لحلم ابنتها لم يتزعزع. بدأت رينكا اللعب في أزقة قريتها قبل أن تنتقل إلى أكاديمية الإقامة التابعة لاتحاد كريكيت هيماشال براديش في دارامشالا — إحدى أوائل المرافق السكنية للاعبات في البلاد. أجبرتها المسافة ومتطلبات التدريب على مواجهة لحظات شك في الاستمرار؛ لكن تذكير المدربين بتضحيات أمها وبذلها ما جعل اللعبة ممكنة كان دائماً ما يعيدها إلى الطريق. في هذا النسخة من كأس العالم قادت رينكا هجوم الكرة الجديدة للهند بعد غياب طويل قسّره إصابتها، وفي النهائي لعبت ثمانية أشواط بـ28 نقطة فقط. لا مبالغة في الإطلاق، لا ارتخاء في الانضباط، أداء نحت تأثيره في المباراة من دون بحث عن الأضواء. سُلّة من الصبر والضبط والذاكرة تشكّلت حولها.

يقرأ  باريس تؤكد إطلاق سراح درّاج ألماني‑فرنسي من سجن إيراني

قصص هؤلاء اللاعبات ليست مجرد حكايات نجاح فردي؛ إنها مروية عن أسر صغيرة المدن، عن تضحيات يومية، وعن إيمان لم يتزعزع. لقد صنعت هذه المجموعة إرثاً لأنهن استمررن حين كان التوقف أسهل بكثير، وتركن وراءهن أثراً سيُلهم أجيالاً قادمة.