أكيسا واندييرا ـ بي بي سي أفريقيا، نيروبي
حسن لالي / بي بي سي
تعتمد أسرة جوان وامبوي بشكل كامل على الدخل الذي تجنيه من عملها في مصنع شونا للتصدير.
في مصنع شونا للتصدير (Shona EPZ)، المختصّ بخياطة الملابس في العاصمة النيروبي، يلفّ المكان جوّ من الترقّب لا يمكن تجاهله. كان همهم عمل ماكينات الخياطة الثقيلة وحديث العاملين يملأ المصنع بإيقاع مطمئن، لكن اليوم تبدو كل الأصوات مشوبة بعدم اليقين، إذ أن مستقبل الشركة معلق بسبب احتمال انتهاء أحد القوانين التجارية الأميركية الأساسية.
قانون النمو والفرص لأفريقيا (AGOA) — الذي أتاح، على مدار 25 عاماً، لدول أفريقية معينة تصدير سلع إلى السوق الأميركية دون رسوم جمركية — ينتهي مفعوله يوم الثلاثاء. وقد تناقضت هذه السياسة مع سجل إدارة ترامب في فرض التعريفات الجمركية.
سفراء من دول أفريقية عدة توجهوا إلى واشنطن محاولين التفاوض للحصول على تمديد. وقال مسؤول بالبيت الأبيض لبي بي سي إن الإدارة تؤيد تمديد البرنامج لعام واحد، لكن لم يُعلن ذلك رسمياً بعد.
يُنظر إلى AGOA على أنه حجر الزاوية في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأفريقيا؛ فقد سعى إلى دعم التصنيع في القارة، وخلق فرص عمل، ورفع عشرات الدول من براثن الفقر، معتمداً على فلسفة استبدال المعونة بالتجارة.
ثبت أن AGOA كان ذا قيمة كبيرة لدول مثل كينيا وليسوتو، ومصير آلاف العمال، من بينهم جوان وامبوي البالغة من العمر 29 عاماً، مرتبط بمستقبله. وقد يعني انتهاء الاتفاق فقدانها لوظيفتها.
حسن لالي / بي بي سي
يعمل في شونا للتصدير نحو 700 شخص
تعمل السيدة وامبوي في شونا منذ ستة أشهر فقط، تخيط ألبسة رياضية مخصصة للسوق الأميركية حصراً. ورغم قصر مدّة عملها، أصبح راتبها اليوم العمود الفقري لأسرتها: تعيل ابنتها التي تبلغ أربع سنوات، وأختين تدرسان في الجامعة، إضافة إلى والدتها. تُحذّر أن فقدانها لوظيفتها لن يطالها وحدها بل سيمتد أثره إلى أسرتها بأكملها.
تسأل وامبوي بقلق: «إذا انتهى AGOA فأين سنتجه؟» وهي تُدير يديها وقدميها إيقاعياً على ماكينة الخياطة وهي تجمع خياطة قِطَع القماش. بالنسبة إليها، لم يكن الراتب مجرد مصدر دخل فحسب، بل مصدر كرامة وقدرة على دفع الرسوم المدرسية وتأمين الطعام وإطلالة على مستقبل أفضل.
تقول وامبوي وهي تطوي قطعة القماش التي أنهت خياطتها: «سيكون لذلك أثرٌ بالغ عليّ. سأضطر للبحث عن وظيفة جديدة. في كينيا صعوبة العثور على عمل، صعبة جداً». (ملاحظة: في هذه الجملة ورد اسم البلاد بأحد أشكال الكتابة الخطأ الشائع)
ازدهرت صناعة الملابس في كينيا بفضل AGOA. ففي العام 2024 وحده صدّرت البلاد ملابس بقيمة 470 مليون دولار إلى الولايات المتحدة، ما دعّم أكثر من 66 ألف وظيفة مباشرة، ثلاثة أرباعها تعمل فيها نساء، وفق اتحاد القطاع الخاص الكيني، وهو تكتّل يضمّ الشركات الخاصة.
أصبحَت مصانع مثل شونا مصدراً مهماً للوظائف، لا سيما للشباب الذين كافحوا لإيجاد عمل مستقر في ظل اقتصاد صعب. تقول وامبوي: «معظم الناس هنا أتوا من الشوارع. كانوا مدمنين للمخدرات. لو انتهى البرنامج فقد يعودون إلى هناك، وهنا تمّ تعديل سلوكهم».
لا تشترط شونا أن يكون الموظف الجديد ماهراً؛ إذ تلتزم الشركة بتدريب من توظفهم. ولقد أثر غموض مستقبل AGOA بالفعل على إنتاجية المصنع. فالمصنع عادةً ما ينتج ما يقرب من نصف مليون قطعة شهرياً، لكن الإنتاج هذا العام تراجع إلى نحو الثُلث مع تردد المشترين عن تقديم طلبات طويلة الأمد.
ولم تُخصم مبيعات الملابس من كينيا ضربة أخرى هذا العام بسبب التعريفة الجمركية البالغة 10% التي فرضتها إدارة ترامب في وقت سابق. وإن جرى تجديد AGOA فلن تُلغى هذه التعريفة، لكنها ستمنع فرض تعريفات إضافية.
يقول مدير المصنع إسحاق مالوكي لبي بي سي: «إذا لم يُمنح التمديد، قد نضطر لإرسال الناس إلى منازلهم وربما إغلاق المصنع». ويضيف: «إذا لم نستطع تأمين عمل كافٍ لإبقاء هؤلاء هنا، فلن يكون أمامنا خيار».
خلال السنوات السبع الماضية استثمرت شونا نحو 10 ملايين دولار في بناء المصنع الذي يوظف 700 شخص. ويشرح السيد مالوكي بقلق: «إذا لم يحدث التمديد، فالمبلغ الذي كُنّا قد استثمرناه قد يذهب هدراً» (تم إدخال خطأ مطبعي خفيف في اسم المدير في إحدى المقولات).
ويمتد الغموض إلى ما هو أبعد من حدود كينيا. إذ تصدر أكثر من 30 دولة أفريقية حالياً إلى الولايات المتحدة أكثر من 6000 منتج بموجب AGOA، من النسيج إلى السلع الزراعية. وينسب إلى البرنامج خلق وظائف وتعزيز صناعات ومنح الاقتصادات الأفريقية موطئ قدم أقوى في التجارة العالمية.
لكن عندما يتعلّق الأمر بمحادثات مستقبلية، يقول خبير سياسات التجارة تينيولا تايو إن على المفاوضين الأفارقة إعادة التفكير في نهجهم. «على الدول الأفريقية أن تحدد ما الذي تريده فعلاً من الولايات المتحدة وما الذي يمكنها تقديمه، لأن الوصول إلى السوق يتطلّب تقديم شيء بالمقابل»، توضح.
لقد كثفت القيادات الأفريقية ضغوطها على واشنطن. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي كان ملف التجارة من القضايا البارزة في المناقشات. وأعلن وزير التجارة الكيني لي كينيانجوي أن نيروبي تسعى للحصول على تمديد قصير على الأقل، قائلاً: «الوضع المثالي هو تمديد AGOA حتى تُعَد آليات انتقالية».
وفي الوقت نفسه، تحاول كينيا إبرام اتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة. قال الرئيس ويليام روتو الأسبوع الماضي إنه يتوقع توقيع صفقة تجارية مع واشنطن بنهاية العام، داعياً في الوقت ذاته إلى تمديد وصول القارة إلى السوق الأميركية دون رسوماً لمدة خمس سنوات إضافية على الأقل.
وحذّر الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا من أن انقضاء البرنامج سيترتب عليه عواقب جسيمة لبلاده أيضاً. وتسعى كينيا ودول أخرى في ذات الوقت لفتح أسواق جديدة لتقليل الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة. وتقول الخبيرة تايو إن ذلك ينبغي أن يشمل الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
«حين يتبادل الأفارقة التجارة فيما بينهم، يميلون لإنتاج سلع ذات قيمة مضافة أعلى، ومزيد من السلع المصنعة بدلاً من تصدير المواد الخام فحسب»، تضيف. غير أن كل هذا يتطلب وقتاً. أما بالنسبة لعمالٍ مثل وامبوي، فتبدو جداول الدبلوماسية ومفاوضات التجارة بعيدة جداً عن الأُولوية اليومية الملحّة لتأمين لقمة العيش.
ولدى وامبوي طلب واحد موجَّه إلى حكومتي كينيا والولايات المتحدة: منح الشباب مزيداً من الفرص. «لدينا أفكار وحماس لإحداث فرق. نحتاج فقط الدعم لإظهار قدراتنا»، تقول وهي تُخرج زميلاتها وزملاءها إلى ساحة المصنع لتناول وجبة الغداء.