امرأة كينية تكسر وصمة السرطان باستخدام بدائل صدر محبوكة

ثيكا، كينيا — كانت الحياكة هواية طفولة بالنسبة لماري موانغي، امرأة طويلة الثّاقبة اللسان تدير ورشة خياطة في مدينة ثيكا بمقاطعة كيامبو. لكنّها لم تستأنفها إلاّ في عام 2017، حين قضت 11 شهراً طريحة الفراش عقب خضوعها لعلاجات سرطان، فكانت الحياكة ملاذها ووسيلة لملء الوقت.

في المرة الأولى التي شُخّصت فيها، كان التشخيص سرطان العمود الفقري. وهي المقيمة في البيت ورغبةً في شغل وقتها قرّرت حياكة قبعات تبرّعت بها لاحقاً لمرضى السرطان في مستشفى كينياتا الوطني.

ثم انهار عالمها في العام التالي، 2018، عندما تبيّن أنّها مصابة بسرطان الثدي في مرحلته الثالثة. قالت هذه الأم لثلاثة أبناء، البالغة 52 عاماً: «شعرت وكأنّها نهاية لي عندما صدر التشخيص»، وكانت «مرعوبة» كما تذكر عند تلقيها الخبر. عزلت نفسها عن الأصدقاء والعائلة وأطفأت هاتفها قائلة لزوجها إنّها لا تريد التعامل مع أحد؛ فالعالم بدا لها عنيفاً.

خضعت موانغي لعملية استئصال ثدي (ماستكتومي) و33 جلسة معالجة إشعاعية. استمرّت علاجاتها أربع سنوات، فقدت خلالها شعرها ومدّخراتها. تروي بمرارة أنّها كانت قد اقترضت قرضاً بقيمة 1.3 مليون شلن كيني (نحو 10 آلاف دولار) لتوسيع مشروعها كخيّاطة، لكنه تلاشى تحت وطأة المصاريف العلاجية.

إضافة إلى الدمار الجسدي والمالي، لَمّ بها التمييز الاجتماعي. فرغم أن الاستئصال أنقذ حياتها، فقد حمل لها وصمة في مجتمعها بوسط كينيا، على بعد نحو 40 كيلومتراً شمال شرق نيروبي. «كان الناس يشيرون إليّ بوصفها المرأة التي قُطعت ثدييها»، تقول موانغي، التي أعلن الأطباء خلوّها من السرطان في 2020، وتضيف: «فقدانهما يمس كرامتك».

سرعان ما لاحظت أنّها ليست الوحيدة؛ وفي جناح مرضى السرطان في المستشفى ضبطت نساءً أخريات يخفين صدرهنّ بوشاحات كبيرة وملابس فضفاضة. ولما تحدثت إليهن اكتشفت أنّ كثيرات منهنّ خضعن لاستئصال ثدي أيضاً.

مع وجود مجموعات دعم عديدة للناجيات من السرطان في كينيا تقدّم خدمات فحص واستشارات، بعضها مجاناً، يؤكّد الخبراء أنّ النظام الصحي العمومي لا يوفّر غالباً خدمات الأورام والمتابعة المناسبة، فيجد كثيرون أنفسهم يتيهون في رحلة التعافي وحدهم.

عازمةً على مساعدة أخريات في وضعها، فكّرت موانغي فيما أعانها خلال مرضها: الحياكة. ثم راودتها فكرة تجمع بين الدعم والدخل: أطراف صدر اصطناعية محاكة من خيوط قطنية ملونة. في أحد جلسات مجموعة الدعم التي التحقت بها أثناء مرضها تعلّمت المشاركات كيفية صنع أطراف صدر من الصوف؛ أخذت موانغي الأساس من هناك ثم طوّرت مهارتها بمشاهدة شروحات على يوتيوب وممارسات متواصلة حتى أتقنتها.

يقرأ  امرأة متهمة بسكب زيتٍ حار ومسحوق فلفل على زوجها أثناء نومه وإحداث إصابات وُصفت بأنها «خطيرة»

تقول موانغي: «الحمد لله على الحياكة. كانت شكلاً بسيطاً من العلاج بالنسبة لي، نقلت تفكيري عن السرطان». تظهر مريضه من خلف الزجاج أثناء خضوعها لتصوير ثدييّ بالكشف المبكّر عن سرطان الثدي في مستشفى في نيروبي.

العناية الجسدية والنفسية

يُعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء عالمياً، حسب منظمة الصحة العالمية. ويقول المعهد الوطني للسرطان في كينيا إنّ المرض يصيب أكثر من 6700 امرأة سنوياً في البلاد. يخضع كثيرون لاستئصال الثدي ويبحثون عن أطراف صدر اصطناعية بديلة.

في كينيا، يبلغ سعر الطرف السيليكوني الواحد نحو 22,000 شلن كيني (حوالي 170 دولاراً) بحسب موانغي، ما يجعله بعيد المنال لكثيرين؛ فأكثر من 40 في المئة من سكان كينيا يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بنحو 3 دولارات في اليوم، وفق البنك الدولي.

تبيع موانغي كل طرف تصنعه مقابل 1,500 شلن كيني (نحو 11.60 دولار). تتوفّر الأطراف بأحجام وألوان مختلفة وتُحشى بالخيوط قبل إدخالها في صدريات مُعدَّلة مزوّدة بجيوب، تُباع منفصلةً بسعر يتراوح بين 1,000 و2,000 شلن كيني (حوالي 7.74–15.49 دولاراً). تنتج موانغي نحو 50 قطعة أسبوعياً، وباعَت حتى الآن حوالي 600 طرف صدر، إلى جانب أكثر من 450 قبعة محاكة لمرضى السرطان.

تبيع منتجاتها نقداً في متجرها، كما توردها بكميات لمنظمات شريكة — مثل Milele Health ومستشفى كينياتا الوطني ومبادرة سرطان الطفولة — التي تتكفّل بتوزيعها على الناجيات. ساعدها ذلك على إعادة بناء عملها مع مواصلة تقديم العون.

تدير أيضاً مجموعة الدعم «محاربو السرطان الفجر الجديد» التي تجمَع الناجيات ليتبادلن قصصهنّ. تذكر يوم انضمّت ناجية تبلغ 33 عاماً تُدعى جين إلى المجموعة، فجلست خجولةً في مؤخرة القاعة في البداية ولم تجرؤ على الكلام. لما تحدثت إليها موانغي على انفراد تبيّن أنّ ثقتها اهتزّت بعد الاستئصال، فشجّعتها وأظهرت لها أنّ فقدان ثدي لا يقلّل من قيمة المرأة، وتبرّعت لها بطرف محاك لمساعدتها. رويداً رويداً استعادت جين ثقتها، وبعد خمسة أشهر كانت تجلس في مقدمة اللقاءات وتشارك بفعالية. تقول موانغي إنّ ثقتها بنفسها وشجاعتها عادا اليوم.

يقرأ  ضابط في مصلحة الهجرة والجمارك يخضع لإجراءات تأديبيةبعد دفع امرأة أرضًا في نيويورك

تقول جوَي كوليت، أخصائية نفسية في كينيا تتابع نساء كثيرات خضعن لاستئصال الثدي، إنّ الأطراف المحاكة لا تُعدّ حلاً ميسور التكلفة فحسب، بل تسهم أيضاً في استعادة الثقة بالنفس. «فقدان الثدي بالنسبة للمرأة ليس أمرًا ماديًّا فحسب، بل نفسيّ أيضاً»، كما تقول.

«الحياكة أعطتني هدفاً»

في مدينة ثيكا يُسمع صوت ماكينات الخياطة الصاخب من خارج محلّ موانغي. في الداخل تتدلّى الملابس النهائية على الحائط بالقرب من امرأتين منشغلتين بالخياطة، يتبادلان أحياناً نكات ويضحكان بصوت عالٍ بينما تستمر أياديهما الماهرة في إدخال القماش إلى الماكينات. وبينما تستمر الخياطة، تجلس موانغي بالقرب منهما، تحيك طرف صدر اصطناعي محاكاً. تنتهي من الحياكة ثم تبدأ فوراً في حشو القطعة بألياف تشبه الصوف قبل أن تنتقل لصنع قطعة أخرى. إلى جانبها، تُعرض على الطاولة طرائق اصطناعية صدرية محاكة بألوان زاهية.

معظم هذه الأطراف الصدرية التي تبيعها موانغي صنعتها هي بنفسها، لكن بعضها — خصوصاً عندما تتلقّى طلبات كبيرة — تُنجز بواسطة نساء درَّبتهنّ وتوظّفهنّ لمساعدتها في الحياكة.

منذ يناير، تقول موانغي إنها درّبت اكثر من 200 امرأة خلال دروس غير رسمية تعقدها في محل الخياطة الخاص بها.

«الحياكة لم تنقذني فحسب، بل أعطتني معنى لحياتي»، تقول موانغي.

من بين المتدرّبات امرأة في السادسة والأربعين من عمرها تُدعى هانا نونغاري موغو، كانت تاجرَة خضار في سوق ثيكا وناجية من سرطان الثدي. خضعت موغو لعملية استئصال ثدي، للعلاج الكيميائي والإشعاعي عام 2019؛ وعندما تساقطت شعرها وضعفت صحتها، اضطر زوجها لأخذ قرض بقيمة 500,000 شلن كيني (حوالي 3,800 دولار) لإبقائهما على قيد المعيشة.

«استهلك ذلك كل مدخراتنا»، تقول.

ولكن، كما تروي، كان من أسوأ ما عانته وصمة العار التي تلحق بالمريضة؛ في حيّها اعتبرها الناس هشة واستبعدوها من الأنشطة. «انضممت إلى تدريب موانغي وبعد أسابيع قليلة فقط اكتسبت الأساسيات»، تضيف. الآن تصنع حوالي سبع قطع اصطناعية أسبوعياً تبيعها في متجر موانغي، فتؤمن بذلك دخلاً يعينها على إعالة أسرتها.

يقرأ  حكم نادر بالسجن مدى الحياة على امرأة بعد قتل التلميذة الفرنسية لولا دافييه

ماري باتريشيا كاروبيا، ناجية من زرع كبد، جزء من مجموعة الحياكة والدعم التي تقودها موانغي.

سرد القصص «جزء من الشفاء»

لا تقتصر الورش على ناجيات سرطان الثدي فقط؛ فقد شارك فيها آخرون يكافحون حالات صحية مختلفة، مثل ماري باتريشيا كاروبيا (58 عاماً)، التي تستخدم الفرصة لسرد تجربتها مع الوصمة والنجاة. في 2011 شُخّصت كاروبيا بتليف الكبد وخضعت لزرع كبد ناجح، لكن مثل موانغي وموغو، واجهت تمييزاً؛ يتهمها البعض بأن كبدها أُزيل، واستبعدوها من المهام والفعاليات النسائية لأنهم اعتقدوا أنها ضعيفة ولا تستطيع الإسهام.

شعرت بالتهميش، حتى وجدت مساحة موانغي التي مكّنت النساء من تبادل تجاربهن مع من يمرّون بما مررن به، فانضمت إليها متأثرة. «أخيط الآن أربع قطع كل أسبوع»، تقول كاروبيا. «إلى جانب أن ذلك يجلب لي دخلاً، فإن صناعة الأطراف تمنحني فرحاً لأنني أساعد ناجيات سرطان الثدي على استعادة احترامهن لأنفسهن».

تقول الأخصائية النفسية كولت: «رحلة الشفاء من السرطان فريدة لكل شخص؛ عند البعض تسير بسلاسة، لكن آخرين قد يواجهون نكسات على الطريق». وتضيف أن مجموعات الدعم المجتمعية مثل مجموعة موانغي أساسية. «سرد القصة جزء من الشفاء»، خصوصاً في فضاءات تتيح للناجين الحديث بصراحة دون خوف من الحكم.

ترى موانغي أن عملها جزء من عملية الشفاء الأكبر للناجيات اللواتي خضعن لعمليات استئصال ثدي، وتقول إنها شهدت تحسناً في احترام الذات وشجاعة لدى كثيرات ممن اقتنين الأطراف — وهو أمر تغمرها بهذا الفخر.

حالياً، وبسبب ضيق المكان، تستوعب ورش موانغي أربعة أشخاص فقط في كل دفعة. وعلى المستوى المالي، فهي محدودة: لا تستطيع تسجيل مركز تدريب رسميّ لِفقدانها التمويل الكافي؛ كما أن سعر الخيط تقلّب خلال هذا العام — من 450 شلن كيني تقريباً إلى ما يقارب الضعف — ما اضطرّها أحياناً لرفع الأسعار.

رغم ذلك، تظل موانغي متفائلة. «حلمي أن أدرب أكبر عدد ممكن من الناجيات من السرطان في كينيا»، تقول. تريد أن يمتلكن جميعاً مشاريعهن المستقلة يوماً ما، ليتمكنّ من «كسب قوتهن من الحياكة».

نُشر هذا المقال بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق