نداء للصبر مع انطلاق العدّ اليدوي في هندوراس
دعا مجلس الانتخابات الوطني في هندوراس إلى “الصبر” يوم الثلاثاء، مع بدء عملية فرز يدوية للأصوات في واحدة من أضيق الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد منذ أكثر من عقد. وقد ترافقت عملية العد هذه مع شواغل تقنية عطّلت موقع نشر النتائج، ما أدّى إلى تأخير إعلان الفائز رسمياً. وفي أحدث الأرقام عن انتخابات 30 نوفمبر كان المرشح اليميني نصرى أصفره يتقدم بفارق ضئيل، إلا أن السباق وصِف بأنه “تعادل تقني” ما زال يحول دون صدور نتيجة نهائية.
تهديدات ترامب وتدخّلات خارجية
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دعمه العلني لأصفره، وهدّد بقطع المساعدات عن هندوراس إذا لم يفز مرشحه المفضل. ووجّه اتهامات لمجلس الانتخابات بأنه “يحاول تغيير” نتيجة الاقتراع عبر إعلان ما سُمّي بالتعادل التقني، ومضى في تكرار تهديدات غامضة بالرد عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تمثل امتداداً لمحاولات ترامب التأثير في الشؤون الداخلية لدول أخرى في المنطقة.
المرشحون الأساسيون وبرامجهم
– نصرى أصفره، 67 عاماً، عن الحزب الوطني اليميني: قدم نفسه كمَن سيضمن الاستقرار الاقتصادي ويجذب الاستثمارات الخارجية ويشدّد على موقف أمني صارم.
– سلفادور نصرالله، 72 عاماً، عن الحزب الليبرالي: يُعرّف نفسه كمصلح وسطي يسعى لاستعادة هيبة القانون ومحاربة الفساد.
– ريكسى مونكادا، 60 عاماً، مرشحة حزب “الحرية وإعادة التأسيس” اليساري الحاكم: تُصوّر نفسها كحامية لإرث الرئيسة شيومارا كاسترو اليساري، وقد طرحت برنامجاً يهدف إلى “ديمقراطية الاقتصاد” عبر توسيع الائتمان، تعزيز الإنتاج الوطني، وبناء نموذج اقتصادي يوفر فرصاً حقيقية للجميع. كما اقترحت تعديلات دستورية لتمهيد إصلاح قضائي واسع لمكافحة الفساد. ففي حملتها قالت: “نضالنا ضد الفساد مباشر وبدون خوف. ولإصلاح العدالة هناك طريق واحد: حصولنا على أغلبية في البرلمان”.
ساحة انتخابية ممزّقة
أظهرت استطلاعات الرأي خلال الحملة انقساماً في القاعدة الناخبة وعدم وجود مرشح مفضّل واضح، وهو ما سهّل نشوء سباق محكم ونتيجة متقاربة تتطلب عدّاً يدوياً دقيقاً.
الأبعاد المحتملة لقطع المساعدات الأمريكية
هدّد ترامب بقطع حزم الدعم، دون أن يحدّد المواد أو البرامج المستهدفة تحديداً. وتقدّم الولايات المتحدة إلى هندوراس دعماً اقتصادياً وتنموياً وأمنياً سنوياً كبيراً، إذ بلغ إجمالي المعونات نحو 193.5 مليون دولار في 2024، غالبيتها عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرامج تدعم المشاريع الصغيرة، الحوكمة المحلية، الزراعة، التعليم والصحة، بينما ذهبت نحو 10 ملايين مباشرة إلى الحكومه. إن إيقاف هذه المساعدات فجأة قد يعطّل وظائف أساسية للدولة ويضعف قدرات الشرطة والمنظمات غير الحكومية، بحسب خبراء.
قضية عفو هيرنانديز والتداعيات
أظهر ترامب أيضاً ميله لتفضيل بعض الشخصيات اليمينية في هندوراس، كما بدا جلياً في قرار العفو عن خوان أورلاندو هيرنانديز، الرئيس الأسبق الذي حُكم عليه في الولايات المتحدة بالسجن 45 عاماً بعد إدانته بالتآمر لاستيراد كوكايين وحيازة أسلحة آلية؛ أُفرج عنه مؤخراً من سجن عالي الأمن في وست فيرجينيا. برّر ترامب قرار العفو بالقول إن هيرنانديز لُحِقَ به “معاملة قاسية وغير عادلة”.
البرنامج الأمني والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة
تمثّل إحدى ركائز المساعدة الأمريكية التعاون الأمني من خلال وزارة الخارجية ومبادرة الأمن الإقليمي لأمريكا الوسطى التي تتضمن تدريب قوات الشرطة، دعم عمليات مكافحة المخدرات، وتمويل مبادرات وقاية الشباب من العنف في المجتمعات المحلية. في أماكن أخرى بالمنطقة اتّسمت سياسة واشنطن بالتصعيد العسكري؛ ففي كاراييب وفى سواحل فنزويلا نشطت عمليات استهداف قوارب اتُهمت بتهريب المخدرات، ما أدى إلى تنفيذ عشرات الضربات منذ مطلع سبتمبر وقتل عشرات الأشخاص، مع تنامي الانتشار العسكري الأمريكي في البحر الكاريبي بذريعة حماية الأمن القومي ودحر ما وصفتها إدارات أمريكية بأنها “عصابات تهريب”. وتعرّضت هذه السياسات لاتهامات من قِبل حكومات معنية بأنها محاولة للتأثير أو تغيير الأنظمة.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية محتملة
بالنسبة إلى إحدى أفقر دول المنطقة وكونها مصدراً رئيسياً للهجرة نحو الولايات المتحدة، فإن المساعدات ليست رمزية فحسب؛ فهي تدعم وظائف دولة أساسية في ظل تفشّي العنف والفقر والكوارث المناخية التي تدفع السكان إلى الهجرة. وحذّر خبراء ومنظمات حقوقية من أن خفض التمويل بصورة مفاجئة سيزيد عدم الأمن ويضعف الخدمات العامة ويسارع موجات النزوح. وقد سجّلت بيانات هندوراسية نحو 30 ألف إعادة قَسْرٍ من الولايات المتحدة منذ بداية العام، في وقت تشكّل تحويلات المغتربين ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلد.
نمط متكرّر للتدخّل الأمريكي بحسب المراقبين
يرى مراقبون أن موقف ترامب من انتخابات هندوراس يتماشى مع نمط أوسع هذا العام، إذ ظهرت تصريحات ومواقف مسانِدة أو ضاغطة على حكومات ومعارضين في دول أخرى بالمنطقة: في فنزويلا اتُّهِم بأنه يدفع نحو محاولة تغيير نظام مادورو عبر أحداث عسكرية بحرية بذريعة مكافحة تهريب المخدرات؛ وفي البرازيل شكّك علناً بشرعية اتهامات انقلابية مرفوعة ضد الرئيس الأسبق جايير بولسونارو، ما أثار غضب نواب برازيليين اعتبروه يقوّض مؤسسات بلادهم؛ وفي المكسيك اتهم حكومة البلد بأنها “محكومة بالعصابات” ووجه اتهامات بخصوص تهريب الفنتانيل مهدداً بفرض رسوم تجارية أو حتى باللجوء إلى خيارات عسكرية؛ أما في الأرجنتين فقد أثنى علناً على الرئيس اليميني الشعبوي خافيير ميلي، ملوّحاً بأن الدعم الأمريكي قد يتغيّر إذا فاز مرشح يساري مستقبلاً — فيما فاز حزب ميلي في انتخابات تشريعية سابقة بأكثر من 40% من الأصوات في أكتوبر.
خلاصة
تُشكّل التهديدات بقطع المساعدات وبيانات التأييد الخارجية عنصراً مضيفاً للتوتر في هندوراس خلال عملية فرز دقيقة ومتقاربة النتائج، وقد تكون لها انعكاسات سياسية واجتماعية وأمنية واسعة النطاق على البلد والمنطقة إذا ما تُرجمت إلى إجراءات عملية.