تفكّكت خطط انعقاد لقاء وجهاً لوجه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في بودابست خلال الأسبوعين المقبلين، وذلك بعد اقتراح ترامب «تجميد» الحرب بين روسيا واوكرانيا بوقف إطلاق نار على طول خطوط الجبهة الحالية. وقال ترامب للصحافة في البيت الأبيض: «لا أريد اجتماعاً مضيعاً للوقت. سأرى ماذا سيحدث».
هذه النسخة الجديدة من تعثر محادثات السلام، التي تهدف إلى إنهاء الحرب الروسية التي استمرت 42 شهراً ضد اوكرانيا، تأتي بعد شهرين فقط من لقاء سريع عُقد في ألاسكا في أغسطس الماضي ولم يفضِ أيضاً إلى أي نتيجة. لا تزال الحرب، الأكبر والأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، تحصد عشرات الآلاف من القتلى على الجانبين.
ما المقترح الأخير لترامب؟
خلال حملته الرئاسية تعهّد ترامب بأنه سينهي الحرب «خلال 24 ساعة». بعد أكثر من عام، ومع دخوله شهره العاشر في فترة رئاسة جديدة، أبدى إحباطاً متزايداً من غياب التقدّم. يقترح الآن أن تتوقف الأعمال القتالية فوراً عند خطوط المعارك الحالية، على أن تُترك مسائل الحدود والتفاصيل الإقليمية للتفاوض لاحقاً. قال: «عليهم أن يتوقفوا الآن عند خطوط المعارك، يذهب كل طرف إلى بلده، يكفّون عن قتل الناس وتنتهي المسألة». وأوضح أن خط الجبهة يقطع منطقة الدونباس الصناعية التي شهدت معظم القتال، مضيفاً أنه «يعتقد أن روسيا احتلت نحو 78% من الأرض» وأن الإبقاء على الوضع كما هو ثم التفاوض لاحقاً قد يكون حلاً مؤقتاً.
هل دعمت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون هذا الاقتراح؟
نعم — أصدرت مجموعة من القادة الأوروبيين، من بينهم زيلينسكي، بياناً أعلنوا فيه دعمهم القوي لمقترح وقف القتال فوراً، واعتبروا أن «خط الاتصال الحالي يجب أن يكون نقطة انطلاق المفاوضات». اتهموا روسيا بإسقاط وتيرة السلام، وقال البيان إن «مماطلات روسيا أظهرت مراراً أن أوكرانيا هي الطرف الوحيد الجاد بشأن السلام»، وأن بوتين يواصل اختيار العنف والدمار. كما تعهد القادة بتكثيف الضغوط على اقتصاد روسيا وصناعتها الدفاعية حتى يصبح بوتين مستعداً للسلام.
ما موقف روسيا؟
أوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قبل انهيار خطط اللقاء أن الرئيس الروسي لن يقبل بمقترح «التجميد» على هذا النحو وأن موقف روسيا الثابت لم يتغير، مشدداً على مطالب شديدة لإنهاء الحرب، بينها نزع سلاح أوكرانيا ووقف وجود قوات أوكرانية في المناطق الشرقية التي تطالب بها موسكو. أفادت رويترز أن روسيا بعثت أيضاً بتعميم خاص إلى واشنطن طالباً السيطرة على كامل إقليم الدونباس، وليس أجزاءه فقط. كما نقل وزير الخارجية سيرغي لافروف عن نفسه أنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن موسكو «لم تغيّر موقفها مقارنة بما تم الاتفاق عليه في قمة ألاسكا»، وأن روسيا لن تنهي الحرب إلا بعد إزالة «الأسباب الأساسية» للصراع، أي نزع سلاح اوكرانيا وتنازلها عن أراضٍ لروسيا — وهو مطلب ترفضه كييف بشدة.
هل تغيّر موقف ترامب أثناء المفاوضات؟
نعم. تنقّل ترامب بين مواقف عدة أثناء محاولته الوساطة. على النقيض من إدارة بايدن السابقة التي أبدت دعماً صريحاً لأوكرانيا، اتخذت إدارة ترامب لهجة قاسية تجاه زيلينسكي في لقاء بالبيت الأبيض أواخر فبراير، وانتقدت عدم إظهار «قدر كافٍ من الامتنان» للمساعدات الأمريكية. هدد ترامب في مارس — وكرر التهديد في أغسطس — بفرض رسوم ثانوية واسعة النطاق على روسيا. لكن عندما اجتمع ببوتين في ألاسكا بدا أنه يضغط على زيلينسكي لقبول صفقة، حتى مع مطالب الكرملين بتنازل أوكرانيا عن أراضٍ والابتعاد عن حلف الناتو. قال لوسائل الإعلام إن «ستكون هناك بعض عمليات تبادل للأراضي»، ثم عاد لاحقاً في سبتمبر ليُبدي دعماً واضحاً أكثر لكييف، مبيناً أن كييف قد تستعيد أراضيها وربما «تذهب أبعد من ذلك».
ماذا يعني هذا للحرب؟
في المجمل، يعني ذلك مزيداً من الضبابية وعدم اليقين. المفاوضات متقلبة، ومواقف الأطراف تتبدّل، والضحايا والمدن المدمرة على الأرض تبقى شاهدة على استمرار الصراع بينما تتقاذف القوى الدولية خيارات سياسية متعبة وغير مستقرة. انهيار القمة المزمعة يعني أنه، الان، لا يبدو أن هناك نهاية للحرب بين روسيا وأوكرانيا في الأفق.
زار زيلينسكي البيت الابيض الأسبوع الماضي حيث ضغط مجددًا من أجل تزويد بلاده بصواريخ توماهوك الأمريكية، على أمل أن تمكّن كييف من ضرب أهداف عميقة داخل الأراضي الروسية. ولم يَتحقق له هذا الاتفاق.
كان ترامب قد أبدى انفتاحًا على الفكرة في وقت سابق؛ إلا أنه تراجع عنها خلال لقائه بزيلينسكي يوم الجمعة. ويواصل زيلينسكي أيضًا الضغط على الإدارة الأمريكية لزيادة الدعم العسكري بصورة عامة، لكن ترامب ألمح سابقًا إلى أن حلفاء أوكرانيا الأوروبيين في الناتو هم الذين ينبغي أن يتولوا دورًا أكثر انخراطًا.