باحثون قانونيون: «الإبادة الجماعية» وسم حاسم لمحاسبة الفظائع في غزة

واشنطن — بعد عامين على حرب غزة، شدد باحثون وخبراء قانونيون على أهمية وصف الانتهاكات الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بأنها إبادة جماعية، نظراً للأبعاد القانونية والسياسية الكبيرة التي تنطوي عليها هذه التسمية.

أشار الخبراء أيضاً إلى أن هذا الوصف هو الأدق لحملة إسرائيل، بل واعترف بعض أقوى مؤيدي إسرائيل بأنها ارتكبت جرائم حرب في غزة.

لدى الخبراء قناعة أن الهجوم الوحشي ليس مجرد انتهاكات فردية لقوانين النزاع المسلح، بل يمثل حملة تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني ويجب تسميتها بمسمياتها الحقيقية — إبادة جماعية.

وقال كريج موخيبر، وهو مسؤول سابق بالأمم المتحدة، إن الإبادة الجماعية تنطوي على انتهاك للحقوق الأساسية التي لا تسقط بمرور الزمن، كما أنها تثير مسؤولية دولية لوقفها. «الالتزامات تنطبق على جميع الدول»، أضاف موخيبر، «فجميع دول العالم ملزمة باستخدام كل الوسائل المتاحة لديها لوضع حد للإبادة ومعاقبة مرتكبيها ومنع وقوعها أصلاً».

أشار إلى أن الاسم الرسمي لمعاهدة الأمم المتحدة لعام 1948 هو «اتفاقية منع جريمة الإباد ة ومعاقبة مرتكبيها»، وهي، التي صدقت عليها 153 دولة — بما في ذلك الولايات المتحدة وكل القوى الغربية وإسرائيل — تشكل القانون الدولي الأعلى في شأن الإبادة الجماعية. تنص الاتفاقية على أن الأطراف المتعاقدة تؤكد أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، جريمة بموجب القانون الدولي يتعين منعها ومعاقبة مرتكبينها.

سوزان أكرم، مديرة عيادة حقوق الإنسان الدولية بجامعة بوسطن، اعتبرت أن توصيف الاعتداء على غزة بأنه إبادة جماعية «أمر بالغ الأهمية». كما قالت إن الاعتراف بوجود إبادة جماعية يفعّل فوراً التزامات الدول الأطراف وفق الاتفاقية.

ما المقصود بالإبادة الجماعية؟ تعرف الاتفاقية الإبادة الجماعية على أنها «أفعال تُرتكب بقصد تدمير، كلياً أو جزئياً، مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية». وتشمل الأفعال الإبادية القتل أو التسبب بإصابات لأفراد المجموعة المستهدفة، وعمليات منع الولادات، وفرض ظروف معيشية محسوبة لإحداث التدمير المادي للمجموعة. يمكن أن يرقى أي فعل من الأفعال الواردة في الاتفاقية إلى مستوى الإبادة — ليس من الضروري تحقق جميع الأفعال معاً.

يقرأ  الذكاء الاصطناعي الفاعل في استراتيجية التعلم والتطويرعمليات التعلم الأذكى

وفي حالة غزة خلص محققون بالأمم المتحدة ومنظمات حقوقية إلى أن إسرائيل تقوم بعدة أفعال مدرجة في الاتفاقية. وذكرت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في تقرير صدر الشهر الماضي أن «السلطات الإسرائيلية قصدت قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عبر عملياتها العسكرية في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وكانت على علم بأن الوسائل وطرق القتال المستخدمة ستؤدي إلى وفيات جماعية للفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال».

وأشار المحققون كذلك إلى سلسلة من التصريحات والإرشادات التي صدرت عن مسؤولين وقادة عسكريين إسرائيليين تدعو إلى عقاب جماعي وعنف هائل ضد الفلسطينيين كدليل على القصد الإبادى — ما عزز الإجماع المتنامي بين منظمات حقوق الإنسان والباحثين القانونيين الدوليين بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

اتهمت مؤسسات مثل منظمة العفو الدولية، بتسيلم، هيومن رايتس ووتش، خبراء تابعين للأمم المتحدة، والرابطة الدولية لدارسي الإبادة الجماعية (IAGS)، إلى جانب معهد لمكين لمنع الإبادة الجماعية، إسرائيل بارتكاب أفعال إبادية في غزة. المعهد الأخير يحمل اسم المحامي البولندي-اليهودي رافاييل لمكين، الذي صاغ مصطلح «الإبادة الجماعية» بعد المحرقة.

حوّلت العمليات الإسرائيلية معظم قطاع غزة إلى خراب، مما أدى إلى سقوط أكثر من 67,000 قتيلاً وإصابة نحو 170,000 آخرين. وأدت أوامر التهجير القسري المتكررة من الجيش الإسرائيلي إلى تشريد شبه كامل لسكان القطاع، ثم أدى الحصار المشدد على المساعدات الإنسانية إلى اندلاع مجاعة في غزة. كما استهدفت القوات العسكرية منشآت طبية عديدة ومنعت وصول الوقود والمستلزمات الطبية الضرورية لتشغيل المستشفيات.

ترفض إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية وتصفها غالباً بأنها معادية للسامية، وتؤكد أنها تقوم بحملة دفاع عن النفس ضد حركة حماس.

قضية محكمة العدل الدولية (ICJ)
تواجه إسرائيل دعاوى اتّهام بالإبادة الجماعية رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، غير أن المحكمة العليا للأمم المتحدة قد تستغرق أشهراً أو سنوات لتصدر قراراً نهائياً في القضية. ومع ذلك أصدرت المحكمة ثلاث مجموعات من التدابير المؤقتة، من بينها أمر لإسرائيل بوجوب منع الأفعال الإبادية في غزة.

يقرأ  معلّم يتعرّض لهجوم بسكين داخل مدرسة في مدينة إيسن الألمانية

في قرار مؤقت صدر في يناير 2024، وجدت المحكمة أنه من «المحتمل» أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية. وبعد شهرين أمرت المحكمة إسرائيل بتمكين «تقديم المساعدات دون عوائق» إلى غزة مع تفشي الجوع بفعل الحصار الإسرائيلي؛ ولم تمتثل إسرائيل لهذا الأمر. وفي مايو من العام نفسه أصدرت المحكمة توجيهاً آخر يأمر إسرائيل بوقف هجومها على مدينة رفح الجنوبية حيث كانت تستظل غالبية سكان القطاع، لكن إسرائيل واصلت عمليتها.

قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة في تقرير سبتمبر إن الحكم الأول لمحكمة العدل الدولية وضع «جميع الدول في حالة إنذار». وأضاف التقرير أن «واجب منع الإبادة الجماعية تشكل نتيجة للعلم الفعلي أو البناءي بالاحتمال الفوري لارتكاب إبادة جماعية أو قرب وقوعها».

واتفقت سوزان أكرم مع ذلك الرأي، قائلة: «ليس غامضاً ما يتعين على الدول أن تفعله. عليها أن تتخذ كافة الوسائل في حدود سلطاتها لمعاقبة — والأهم وقف — إبادة جماعية جارية. فلماذا لم تؤدِ هذه المعطيات إلى نظام عقوبات عالمي؟ هذا فشل في النظام الدولي».

«التزام كل فرد»
من جهة أخرى، قد تلاحق المحكمة الجنائية الدولية (ICC) مسؤولين إسرائيليين بتهم إبادة جماعية. أصدرت المحكمة العام الماضي مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم جرائم حرب مزعومة في غزة، من بينها استخدام التجويع كسلاح حرب. لم تتبع المحكمه اتهامات الإبادة الجماعية في إطار هذا النزاع.

مع احتمالية استخدام الولايات المتحدة لحق النقض على أي قرار لمجلس الأمن ينتقد إسرائيل، تقع مهمة تطبيق معايير منع الإبادة خارج المحاكم الدولية إلى حدّ كبير على عاتق الدول الفردية.

بعض التحالفات الدولية، ومن بينها مجموعة لاهاي، تدفع نحو تدابير عملية لمحاسبة أسرئيل على الانتهاكات المرتكبة في غزة.

يقرأ  المالاويون ينتظرون نتيجة الانتخابات الرئاسيةاقتراع طغت عليه الأزمات الاقتصادية

رغم التحول في الرأي العام والاعتراف المتزايد بفكرة دولة فلسطينية، حافظت الدولة الإسرائيلية على علاقات تجارية ودبلوماسية قوية مع غالبية حلفائها الغربيين.

مدعومة بالثقل المالي والدبلوماسي الأميركي، باتت إسرائيل تحظى، بحسب نشطاء حقوقية، بما يشبه الإفلات من العقاب إزاء حملتها التي وُصفت بأنها إبادة جماعية في غزة.

في الولايات المتحدة، أقام فلسطينيون وفلسطينيون أميركيون دعوى ضد إدارة الرئيس جو بايدن في الأشهر الأولى للحرب، بزعم تقصير الإدارة في منع الإبادة. طالب المدعون بأمر قضائي يوقف المساعدات الأميركية إلى إسرائيل.

في العام الماضي رفض القاضي جيفري وايت القضية، معتبرًا أن المحاكم الفيدرالية تفتقر للاختصاص في قضايا السياسة الخارجية. ومع ذلك، رأى وايت أن الأدلة المعروضة تشير إلى أن الحصار العسكري المستمر على غزة «مقصود لطمس شعب بأكمله» وبالتالي يندرج بشكل معقول تحت المنع الدولي للإبادة الجماعية.

كتب: «من واجب كل فرد مواجهة الحصار الجاري على غزة، لكن واجب هذه المحكمة يقتصر على البقاء داخل حدود اختصاصها».

حل سياسي

أرنستو فيرديجا، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة نوتردام، يرى أن السبل القانونية لوقف الإبادة في غزة مهمة، لكن الحل جذريًا سياسيّ. قال إن الحل يتطلب ضغوطًا سياسية حقيقية، مستمرة وواسعة النطاق، تشمل ليس فقط القادة والدول، بل أيضًا حركات المجتمع المدني لدفع الدولة الإسرائيلية إلى التوقف عن هذه الهجمات المروّعة على المدنيين في غزة.

وأضاف أن تسمية ما يجري في غزة إبادة أمر ضروري للدقة، لأن إنكار الإبادة غالبًا ما يتحوّل إلى تبرير للفظائع الجماعية المرتكبة في القطاع. وحذّر من الانغماس في التفاصيل التقنّية القانونية والأحكام والتعريفات بدلًا من التركيز على إيقاف الرعب المتصاعد في غزة.

«الوقاية من الإبادة والفظائع الجماعية لا يجب أن تؤجل إلى حين صدور حكم قانوني رسمي بوجود إبادة؛ علينا أن نتصرف لمنعها قبل ذلك بكثير.»

أضف تعليق