تبييض الإبادة الجماعية: لماذا تحاول إسرائيل إعادة صياغة حربها على غزة؟

هذا المقال هو الجزء الثاني من تحقيق مكوَّن من جزأين يتابع كيف تعمل جهود العلاقات العامة على حماية صورة إسرائيل وإعادة تشكيلها في الساحة الأمريكية.

تُظهِر ملفات وكالة التسويق المسيحي الجديدة Faith Through Works، التي تم تسجيلها كوكيل أجنبي لإسرائيل لدى وزارة العدل الأمريكية، التركيز الجديد لإسرائيل على إدارة الرأي العام في الولايات المتحدة. تفيد المستندات أن مهمة الوكالة تتلخّص في «مكافحة انخفاض تأييد المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين لدولة إسرائيل». هذه الوكالة ليست الوحيدة؛ فقد استعانت إسرائيل على الأقل بثلاث شركات علاقات عامة تعمل في السوق الأمريكية، بينها Bridges Partners التي مولت مجموعة من المؤثرين الرقميين لتحسين صورة إسرائيل، وشركة حديثة أخرى اسمها Clock Tower تعمل على صوغ خطاب الإنترنت حول الحرب وتؤثر حتى في كيفية تناول الذكاء الاصطناعي للقضايا المرتبطة بها.

يصف الباحث شِيبلي تلحمي من جامعة مارلاند المعركة على الرأي العام الأمريكي بأنها «وجودية» لإسرائيل؛ فهي قضية قد تقرر مصير مستوى الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي تعتمد عليه الدولة. المظاهرات الواسعة في مدن وحرم جامعات أمريكية، إلى جانب استطلاعات الرأي المتعددة، تظهر أن التأييد لإسرائيل يتآكل لدى أجيال الشباب (جيل Z)، واليسار، وضمن قواعد بعض الحلفاء التقليديين في السياسة الأمريكية واليمين الإنجيلي.

الاعتماد المتزايد لإسرائيل على الولايات المتحدة أصبح واضحاً بعد فتح حكومتها جبهات جديدة ضد جيران إقليميين مثل لبنان وإيران؛ ومع كل جبهة يتزايد حاجتها إلى الغطاء الدبلوماسي والعملياتي الأمريكي، وفقدان هذا الغطاء يمثل لها تهديداً بالغ الخطورة. وفي المقابل، فإن الجمهور الأمريكي نفسه يتحمّل كلفة اقتصادية وعسكرية وسمعية كبيرة لدعم إسرائيل، ومع استمرار المشاهد المروعة من القصف والدمار في غزة تظهر تشققات في ذلك الدعم قد تتوسع إلى شرخ حقيقي.

يقرأ  قادة يجتمعون في قمة عربية‑إسلامية بقطر عقب هجوم إسرائيلي في الدوحةأخبار الصراع الإسرائيلي‑الفلسطيني

محاولات السيطرة على السرد ليست أمراً جديداً: منذ بدايات الحملة ظهرت جهود منسقة لتوجيه النقاش على منصات التواصل، وقد رصد مركز الجزيرة للدراسات مساعي مبكرة لتشكيل كيفية وصف المستخدمين لمعركة غزة. وخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي جماعات من المؤثرين الأمريكيين على مواقع التواصل، مؤكداً أن شبكات مثل تيك توك وX أدوات مركزية في المعركة الإعلامية، وأن التواصل مع شركات ومالكي هذه المنصات قد يكون فاصلاً في موازين التأييد.

تشير دراسات واستطلاعات رأي إلى تغيّر واضح في مواقف قطاعات مهمة: استطلاع لجامعة مارلاند أجري في الفترة بين يوليو وأغسطس أظهر توسعاً في تأييد الفلسطينيين داخل صفوف الحزب الديمقراطي، وبرزت فجوة بين الأجيال داخل الحزب الجمهوري حول موقفه من إسرائيل. واستطلاع آخر في الفترة نفسها كشف تراجعاً متزايداً في تأييد الشباب الإنجيليين لحرب غزة، وهي شريحة كانت حتى وقت قريب من أكثر قواعد الدعم ثباتاً لإسرائيل. الباحث دوف واكسمان يرى أن سلوك إسرائيل خلال الحرب سرّع من انحسار الدعم بين هذه الفئات الشابة.

وتتعدى الاهتمامات حدود اليسار والشباب إلى تيار «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» (MAGA) نفسه: ظهور أصوات بارزة داخل التيار تنتقد استمرار التمويل الكبير لإسرائيل، كما فعلت النائبة مارجوري تايلور غرين حين عارضت مشروع قانون يخص تمويلاً بمئات الملايين، مستشهدة بديون الولايات المتحدة الكبرى مقارنة بديون إسرائيل وحاجتها إلى الدعم. هذا التشقق داخل قواعد الحزب الجمهوري يعكس أن معادلة الدعم التقليدية لإسرائيل في السياسة الأمريكية لم تعد بديهة مفروغاً منها. مشروع قانون الدفاع.

شخصية بارزة أخرى ضمن حركة MAGA، تاكر كارلسون — الذي وصف في أكتوبر الصهاينة المسيحيين بأنهم «هرطقة» — قال في برنامجه على يوتيوب في الشهر ذاته: «ثمة قصة واحدة فقط تدور الآن، وهي اسرائيل… ومع ذلك، وعلى الرغم من افتقارها للأهمية الجيوسياسية الموضوعية، فإنها محور الحديث… نحن ننفق وقتنا ومالنا ونتحمل مخاطر هائلة نيابة عن بلد لا يملك أي وزن جيوسياسي يذكر.»

يقرأ  نشطاء فلسطينيون ينفون التسبب بأضرار تُقدَّر بمليون جنيه إسترليني

جريمتي أنني لا أعتقد أن دافعي الضرائب الأمريكيين ينبغي أن يمولوا حروب اسرائيل أو حروب أي دولة أخرى. لن أغير رأيي. إذن السؤال: ماذا ستفعلون بي لاحقاً؟ العالم يراقب.
— كانديس أوينز (@RealCandaceO) 21 مارس 2024

«قيادة الجمهوريين في الولايات المتحدة ما تزال تقف بثبات خلف إسرائيل، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في إدارة ترامب الحالية»، قال هـ. آ. هيليير من معهد الخدمات المتحدة الملكي، «لكن ثمة تياراً قوياً داخل جناح ’أمريكا أولاً‘ في MAGA يسعى إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن المحورية الإسرائيلية إزاء العالم العربي الأوسع»، مستشهداً بكارلسون والمؤثرة اليمينية كانديس أوينز كمثالين.

«لا أعتقد أن هذا سيغير السياسيات جذرياً في هذه الإدارة، لكنه اتجاه يتسارع ويكتسب زخماً، ومن المحتمل أن يكون مستقبل الحزب الجمهوري بصورة أعمّ»، قال هو عن آفاق دعم اليمين الأميركي لإسرائيل في المستقبل.

«هناك تحول جيلي عميق جارٍ الآن»، قال شِبْلي تلحمي. «تماماً كما كان لدينا جيل بيرل هاربر وجيل فيتنام، لدينا الآن جيل غزة الذي يرى إسرائيل كشرير يرتكب إبادة جماعية.»

«هذا جيل من الشباب شاهد هذه الفظائع تتكشف على شاشاتهم في الزمن الفعلي، ولا أظن أن إسرائيل تدرك عمق هذا التحول. ربما يظن الإسرائيليون أنها مشكلة إعلامية فقط، وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأنه إذا تمكنوا من مواجهة تلك الرواية فسينقلب الرأي العام إليهم مجدداً. لن يحدث ذلك. هذا تغيير جذري سيُشكّل تصورات الجمهور الأمريكي لسنوات قادمة.»

أضف تعليق