تحذير من منظمة الصحة العالمية: مخاطر الحرارة الشديدة في بيئات العمل

خلص تقرير جديد صادر عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن العمال في شتى أنحاء العالم بحاجة إلى حماية أفضل من موجات الحر المتطرفة التي تتزايد تواتراً بفعل تغير المناخ.

يشير التقرير إلى أن ملايين العمال يتعرضون لإجهاد حراري يؤثر في صحتهم وأدائهم الوظيفي. ويدعو إلى تعاون حكومات وصاحبِ العمل والعمّال لوضع استراتيجيات تكيّف فعّالة.

ورغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية المتكررة بشأن مخاطر الحرارة الشديدة على الصحة، فإن هذا هو أول تقرير لها منذ عام 1969 يركّز تحديداً على الإجهاد الحراري في مكان العمل.

روديغر كريخ، مدير إدارة البيئة والمناخ والصحة في المنظمة، وصف نتائج التقرير بأنها “نداء استيقاظ”. وقال للبِـي بي سي: «هذا ليس مجرد انزعاج؛ إنه خطر صحي حقيقي. إذا عملت في حرارة وارتفعت درجة حرارة جسمك لفترة طويلة فوق 38 درجة مئوية، فأنت معرض لخطر إجهاد حراري شديد ولسكتة دماغية وفشل كلوي وجفاف».

الحاجة إلى التكيّف ملحّة لأن موجات الحر لم تعد نادرة. وتُظهر بيانات منظمة الأرصاد أن العقد الماضي سجّل أعلى درجات حرارة على الإطلاق، وأن عام 2024 كان الأحرّ في السجلّات. في أجزاء من أوروبا أصبحت درجات الحرارة حول 40 درجة مئوية أو أكثر أمراً معتاداً، وفي أفريقيا والشرق الأوسط قد ترتفع إلى نحو 50 درجة مئوية. وسجّلت حرارة السطح المتوسط للبحر الأبيض المتوسط في يوليو أعلى مستوى مسجل بمتوسط 26.68 درجة مئوية وفق مرساتور (Mercator). هذا الأسبوع قالت هيئة الأرصاد البريطانية إن هذا الصيف في المملكة المتحدة مرشح لأن يكون من بين الأحرّ منذ بدء السجلات عام 1884.

لا تؤثر موجات الحرّ على الصحة فقط، بل تقلل الإنتاجية أيضاً. يبيّن التقرير أن كل زيادة في درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة فوق عتبة 20 درجة مئوية تُسفر عن تراجع في الإنتاجية بنحو 2%.

يقرأ  سوني ترفع أسعار بلايستيشن ٥ في الولايات المتحدة وسط استمرار المخاوف من الرسوم الجمركية

كما ترتفع حوادث العمل. خلال موجة الحرّ في أوروبا عام 2023 قدّرت مؤسسة التأمين ضد الحوادث السويسرية (Suva) أن الحوادث في أماكن العمل ارتفعت بنسبة 7% عندما تجاوزت الحرارة 30 درجة مئوية. وذكرت المؤسسة أن الأسباب شملت تراجع القدرة على التركيز نتيجة معاناة أجسام العمال من الحرارة الشديدة، وقلة النوم الناجمة أيضاً عن الحرارة.

مع تعرّض العاملين في قطاعي البناء والزراعة لمخاطر أكبر، بدأت بعض الدول الأوروبية بالفعل في بحث سبل التكيّف لجعل ظروف العمل أكثر أمناً أثناء موجات الحر. الشهر الماضي وقّعت الحكومة الإيطالية مرسوماً طارئاً بعد اتفاق بروتوكولي مع النقابات وأرباب العمل يمنع العمل في أشد ساعات النهار حرارة.

في كانتونات جنيف وتيتشينو السويسريتين أُوقف العمل في مواقع البناء أثناء موجة الحر عام 2023، وهو قرار رحبت به أكبر نقابة في سويسرا، “أونيا”. وقال نيكو لوتس من النقابة للتلفزيون السويسري: «غالباً ما تتأخر مواقع البناء عن الجدول الزمني، لذلك يتعرّض العمال لضغط لمواصلة العمل. لهذا تحتاج شركات البناء إلى تحمل المسؤولية والاعتراف بأنه فوق درجة حرارة معينة يصبح العمل متهوّراً ويجب قبول أن يطول إنجاز العمل قليلاً».

ويحذّر التقرير أيضاً من أن كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة والأطفال هم فئات معرضة بشكل خاص خلال موجات الحرّ، ما يعني أن المدارس لا تقلّ أهمية عن أماكن العمل في برامج التكيّف.

في ألمانيا ثمة تقليد يسمح بإعلان “هتسرفراي” عندما ترتفع الحرارة فوق مستوى معين؛ ففي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات كان إعلان العطلة بسبب الحرارة يحدث عادة عندما يتجاوز ميزان الحرارة 30 درجة مئوية فتُدقّ الجرس مرتين ويعود التلاميذ إلى منازلهم. لكن تلك الأيام كانت حينما كانت مثل هذه الدرجات نادرة؛ أما الآن فـ30 درجة باتت متكررة وتتحفّظ المدارس عن مقاطعة الدروس بهذه الوتيرة. ويفهم كريخ سبب التردّد قائلاً: «رأينا خلال جائحة كوفيد أن إيقاف الدراسة له أثر مستديم على تلاميذنا. الاعتقاد بأن الحل السهل هو إيقاف التعليم هو غالباً الأكثر كلفة على الأطفال».

يقرأ  دوائر الانتماء في أعمال جين مايرسون

عند عودة المدارس في سويسرا الأسبوع الماضي كانت درجات الحرارة في أنحاء البلاد تتجاوز 30 درجة مئوية، فكان نصيحة المعلمين: خذوا حصصكم إلى المسبح. لكن كما قالت داغمار روزلر رئيسة اتحاد المعليمن السويسري للتلفزيون: «لا يمكننا أن نُجرِي كل حصصنا في المسبح — لدينا محتوى لابد أن نعلّمه».

وروزلر، التي تبدو متوقعة دعوة المنظمة إلى التكيّف، دعت إلى تجديد المباني المدرسية التي تحتاج ذلك لتتضمّن أنظمة تهوية حديثة وحتى تكييفاً هوائياً. وقالت: «أريد فقط أن يتذكّر الناس أن الأمر يتعلق بضمان قدرة أطفالنا على التعلّم في بيئة مريحة لهم، وأن يَعمل معلمونا في ظروف مقبولة».

ويؤكد تقرير WHO/WMO أن برامج التكيّف يجب أن تُصاغ بمشاركة الجميع: حكومات، وأصحاب أعمال، وعُمّال، ومجالس محلية، وسلطات صحية وتعليمية. ولدى كريخ اقتراح عملي قد يروق لتلاميذ المدارس في المملكة المتحدة وللمدارس المحرومة: «هل الزيّ المدرسي في المملكة المتحدة مُكيّف لموجات الحر؟ هذه أسئلة نريد أن ينظر الناس فيها».

لكن لا مفرّ من أن تكييف أماكن العمل والمدارس والمستشفيات كي تواجه الحرارة المتزايدة سيحتاج إلى استثمارات. كثير من الحكومات، وخصوصاً في أوروبا، تعيد توجيه أولويات الإنفاق نحو الدفاع، بينما تراجع التكيّف مع تغيّر المناخ في سلم الأولويات.

وينبه كريخ إلى أن ذلك قد يكون قصير النظر. «أن تقول: لا أملك المال لتغيير كل شيء، فكّر مرة أخرى. لأن إيقاف الإنتاج أو إصابة العاملين بأعراض صحية شديدة نتيجة موجات الحر الممتدة سيكلفك خسائر إنتاجية. أن تقرّر عدم إنفاق المال وترك الوضع كما هو قد يكون الحل الأغلى ثمناً.»

أضف تعليق