تحية لربع قرن من الخراب العسكري الأمريكي — آراء

انتهى عام 2025، ومعه اختتمنا الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. عند استحضار أحداث خمسة وعشرين عاماً مضت، يصبح من الصعب ان التقليل من الدور الحاسم الذي لعبته التجاوزات العسكرية للولايات المتحدة في تشكيل مسار الأحداث العالمية — على أن التاريخ الحديث في القرن العشرين يروي حكاية مشابهة إلى حد كبير.

مع انطلاق القرن الجديد انطلقت الولايات المتحدة أيضاً في ما سُمّي «الحرب العالمية على الإرهاب» بتوجيه من جورج دبليو بوش، الذي أطلق نداء التعبئة المهنية عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 بكلماتٍ أصبحت أيقونية: «زملائي الأمريكيون، لننطلق». ذلك التعهد بحماية «الحضارة ذاتها» ترجمته سياسات قادت إلى تدمير أجزاء شاسعة من العالم ومقتل ملايين البشر.

في 11 سبتمبر 2001 كنت طالباً في السنة الثانية بجامعة كولومبيا في نيويورك، مكان وقوع هجمات مركز التجارة العالمي، لكني لم أكن في المدينة آنذاك لأنني كنت مُجدولاً للدراسة في إيطاليا ذلك الخريف، فوجدت نفسي في أوستن بولاية تكساس حيث كانت تقيم عائلتي.

قضيت اليوم في المكتب الذي كنت أعمل فيه صيفاً، نتابع على شاشة عرض كبيرة لقطات الطائرات وهي تصطدم بالمباني، كأننا نشاهد فيلم نهاية العالم مع إعادة ليلية متكررة أعدها زملائي خصيصاً لذلك الغرض.

في الخارج بدأت الأعلام الأمريكية تنتشر على كل سطح ممكن، فيما هيأت البلاد نفسها لتقليد دور الضحية الأعظم للإرهاب في التاريخ — متجاهلة الإرهاب الحرفي الذي مارسته امريكـا على أممٍ أخرى لعقود، من فيتنام ولاوس إلى نيكاراغوا وبنما.

في تلك الليلة زرت صديقي، فوجدت أصدقاءه الثلاثة منغمسين في تناول دجاج كنتاكي على أرضية غرفة المعيشة بكمياتٍ هائلة، وشرحوا لي أنه «طعام مواساة» لتخفيف وقع المأساة الوطنية. لكن، بالطبع، لم تكن مثل هذه الأطباق جاهزة لتسكت أو تُخفف عن ملايين المدنيين الذين كانوا على موعد مع قصفٍ أمريكي لاحق.

يقرأ  نهائي كأس العالم للسيدات — الهند ضد جنوب أفريقيا: الفرق، توقيت البداية والتشكيلات | أخبار الكريكيت

من أوستن سافرت إلى روما مروراً بنيويورك، وشاهدت على شاشات التلفزيون الإيطالية كيف شرعت الولايات المتحدة في قصف أفغانستان بذريعة «إنقاذ الحضارة». ذلك المسار من العنف أقام تمهيدات للحرب على العراق في 2003، دولة كانت قد تكبدت بالفعل أثماناً باهظة؛ فبحلول 1996 قُدّر أن نصف مليون طفل عراقي ماتوا نتيجة العقوبات التي فُرضت عليها.

في لحظة نادرة من الصراحة، اعترف بوش بأن من أصعب جوانب مهمته كان «ربط العراق بالحرب على الإرهاب». وبقدر ما اشتهر بوش بسقطات لغوية أحياناً، فقد تحركت إلى جانبه شخصيات أكثر ضراوة وحنكة في صناعة المبررات للحروب، وعلى رأسهم ديك تشيني الذي عمل كذراعٍ عملي لسياسات التصعيد.

جاء باراك أوباما خلفاً لبوش، حائزاً جائزة نوبل للسلام في وقت مبكر من مسيرته، لكنه في سنواته الأخيرة في البيت الأبيض كان مسؤولاً عن قصف دول متعددة — حيث سُجّل أنه أسقط عشرات الآلاف من القنابل خلال عامه الأخير على دولٍ عدة.

من بين هذه الدول اليمن، المعروفة بضربات الطائرات المسيّرة الأمريكية التي أزهقت أرواح مدنيين، بما في ذلك حوادث استهداف مناسبات مدنية مثل حفلات الزفاف. وعندما تولى دونالد ترامب الرئاسة في 2017، أظهرت تقارير تسارع وتيرة الضربات في اليمن خلال مئة يومٍ أولى من ولايته مقارنةً بسنتين سابقتين، بعد تعديل قواعد النيران لتوسيع صلاحيات القادة العسكريين.

في رئاسة جو بايدن توسع الدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل ليمتد إلى تغطية جرائم واسعة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بدعم مادي وسياسي سمح بتكثيف العنف إلى حدود تُشبه دراساتٍ في الإبادات الجماعية، بتمويلٍ أميركي ضخم للمساعدة العسكرية.

إسرائيل، التي ائتلفت مبكراً مع خطاب «الحرب على الإرهاب»، تواصل عمليات القتل في غزة وتوسيع عملياتها في الضفة، مستخدمةً حجة الأمن بعد ترتيب هدنة بوساطة ترامب وما صاحبها من تنازلات.

يقرأ  هاك بيري يعرض أحذية قارب فاخرة من الجلد السويدي من ٢٤٥ دولارًا إلى ١٣٥ دولارًا — راحة لا تُضاهى

في عودةٍ ثانية لترامب إلى السلطة، شهدنا مرحلة جديدة من التصعيد حيث أُعيدت تسمية بعض هياكل السلطة العسكرية وأصبحت العمليات أكثر انضباطاً في استخدامها للاستبداد: قصف زوارق قبالة سواحل فنزويلا وقتل ركابها خارج إطار القضاء، وما شابه من أعمالٍ تُنَفَّذ دون اكتراث واضح بمسارات قانونية معقدة كانت تُستخدم سابقاً لتبرير العمليات.

بينما حرصت إدارة بوش-تشيني سابقاً على صنع رواية شبه متماسكة لتبرير الاجتياحات، فإن إدارة ترامب تبدو أقل رغبة في تزيين الممارسات بمسوحٍ قانونية أو منطقية، مفضلةً الاتهامات العشوائية بشؤون مثل «الإرهاب المخدراتي» والادعاءات بخصوص سرقات النفط كأدوات سريعة للتصعيد.

تتدافع القدرة العسكرية الأمريكية اليوم في كثير من الأحيان لتلبية نزوات قائدٍ يجعل خيارات القصف والرد العنيف امتداداً لأسلوبه الارتجالي في الخطاب والفعل، بما يعيد إنتاج منطق الحرب كحلٍ دائم للصراعات الدولية.

ومع دخولنا الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، الذي بدأت علاماته تكتنفه آثار إرثٍ مدمر من الشمولية العسكرية الأمريكية، يصعب علينا نسيان تلك «الأوامر المسيرة» التي أشعلت المسيرة: «زملائي الأمريكيون، لننطلق».

الآراء الواردة هنا تعبر عن رأي الكاتب فقط ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق