كما كان متوقعاً، كان الحضور كله يدور حول رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. في مراسم كوالاللمبور التي وقّعت فيها كمبوديا وتايلاند اتفاقية، بدا ترامب هائلًا مقارنة بالآخرين: أطول خطاب، وأكبر الادعاءات، وأقوى لافتة لنفوذه.
تراوحت لغة الحدث بين المبالغات والاحتفاء، فاهتف بعبارات مثل «هذا يوم تاريخي لجنوب شرق اسيا» و«خطوة هائلة»، ووصف رئيسَي الوزراء اللذين بديا متحفظَيْن قليلاً قبل التوقيع بأنهما «شخصيتان تاريخيتان». ثم استرسل في سرد كيف تدخّل أثناء وجوده في ملعب الغولف في تورنبيري باسكتلندا خلال يوليو، قائلاً إنه فضّل التدخّل على جولة غولف لأن «إنقاذ شعوب ودول» أمتع بالنسبة إليه — أو هكذا صاغها.
طلب ترامب إقامة هذه المراسم شرطاً لحضوره قمة رابطة دول جنوب شرق اسيا (آسيان)، واستثمر المنصة لتعزيز صورته كصانع سلام عظيم. وقال بلهجة تعريفية عن إنجازات إدارته: ثمانية صراعات أُقفلت في ثمانية أشهر، وإنه «متفوق» في هذا النوع من الملفّات، إنه أمر يمارسه ويحبّه.
لكن ماذا تعني على أرض الواقع «اتفاقية سلام كوالاللمبور» كما أعاد تسميتها؟ تذكّروا أن البلدين وقّعا هدنة في يوليو الماضي، وهو اتفاق سُرّع إلى حد ما بضغطٍ أميركي. وإذا دققنا في بنود الصفقة الأخيرة، فهي تقدم خطوات عملية محدودة: سحب الأسلحة الثقيلة من الخط الحدّي المتنازع عليه، وإقامة فريق مراقبة مؤقت، وإجراءات جديدة لتطهير الألغام، وتشكيل قوة عمل مشتركة لمكافحة تنامي مراكز الاحتيال، واستبدال علامات الحدود المفقودة بعلامات مؤقتة.
هذه خطوات تقدّمية بلا شك، والدبلوماسيون التايلانديون أقرّوا بأن تدخّل ترامب قد يسهّل التزام الطرفين بهذه الترتيبات. ومع ذلك، تبقى الخلافات التاريخية حول الحدود دون حل وجاهزة للانفجار من جديد.
بعد المراسم، امتنع وزير الخارجية التايلاندي سيهاساك فونغكيتكاو عن تسميتها «اتفاق سلام»، متمسكاً بلقبهم الرسمي الأطول: «إعلان مشترك لرئيسي وزراء تايلاند وكمبوديا بشأن نتائج لقائهما في كوالاللمبور»، وهو تعبير ليس سهلاً على اللسان. وأكثر ما استسلم له كان وصفها «مساراً نحو السلام» ــ وهو تباين صارخ مع ادعاءات ترامب المتضخمة. وعلّق سيباستيان سترانغيو، محرر شؤون جنوب شرق اسيا في مجلة الديبلومات، بأن هذه «اتفاقية طفيفة للغاية لرئيس الولايات المتحدة أن يترأسها».
من جانبها، بدت كمبوديا أكثر حماسة، وهي التي لطالما سعَت لتدويل النزاع ورفعه إلى محكمة العدل الدولية، وهو خيار ترفضه تايلاند. في المراسم، لم يخف رئيس الوزراء هون مَنِت إعجابه بترامب، وذكّره بأن حكومته رشّحته لجائزة نوبل للسلام. أما رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين تشارفيراكول فالتزم الحذر، متأثراً بضغط قومي داخل بلاده يمنعه من تقديم تنازلات كبيرة تجاه كمبوديا — مشكلة لا تقلق الحكومة السلطوية في بنوم بنه.
تايلاند تُصرّ على أن تسويتها للنزاع ينبغي أن تتم ثنائياً بلا وساطة خارجية، وتصف دور الولايات المتحدة وماليزيا بأنه «تيسير» فحسب. ولا أحد في آسيان أو البلدان المعنية كان بمقدوره رفض طلب ترامب لهذه المراسم، فجنوب شرق اسيا هي المنطقة الأكثر اعتماداً على الصادرات في العالم، وأكثر اعتمادية على السوق الأميركية مقارنةً بالصين. وقد عاش البلدان عاماً عصيباً تحت وطأة تهديدات ترامب الجمركية الأولية التي وصلت إلى 48%، ثم مفاوضات مضنية خفّضت نسبها إلى نحو 19–20%.
وليس ترامب من المكوث طويلاً في قمة آسيان؛ بعد اجتماعات ثنائية وعشاء، سيغادر إلى اليابان ثم إلى قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، حيث يأمل في إعادة ضبط العلاقة مع الزعيم الصيني شي جينبينغ على الرغم من أسلوبه المعاملاتي القاسي.
ومع ذلك، فإن حضور رئيس الولايات المتحدة في كوالاللمبور لمدة 24 ساعة فقط يمنح آسيان أملاً بأن يساعد ذلك على إعادة بعض الاستقرار إلى العلاقات الإقليمية.