قطر استنكرت الهجوم الإسرائيلي يوم الثلاثاء واعتبرته «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي».
في مدارجين أساسيين من السياسة الخارجية يستهلكان غالبية وقت وجهد إدارة ترامب، برزت خلال أقل من أربع وعشرين ساعة تحديات كبرى: غارة إسرائيلية على مكاتب حماس في الدوحة، واقتحام بطائرات دون طيار روسية أجواء بولندا على عمق غير مسبوق — وهما مصدران هائلان للقلق بالنسبة للبيت الأبيض، وربما إهانتان مباشرتان لسلطة الرئيس.
فبعد كل شيء، الحديث عن صراعات — أوكرانيا وغزّة — كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعد بالتعامل معها بسرعة وحزم. وفي كل حالة، جاء زعيم يراه حليفاً طبيعياً رغم المشاكل — فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو — ليضع عائقاً ضخماً أمام جهود واشنطن للوساطة.
النظر إلى التوقيت مهم: الغارة في الدوحة وقعت بعد يومين فقط من تسليم الإدارة الأميركية أحدث مقترحاتها لإنهاء الحرب في غزة. وعلى منصات التواصل قال ترامب لحماس إن هذه «الفرصة الأخيرة»، ملمحاً إلى تحذير نهائي كما نشر على «تروث سوشال». بينما كانت القيادة العليا لحماس مجتمعـة في الدوحة لدراسة ردها، لم تنتظر اسرائيل الإجابة. الهجوم لم يُفشِل المقترحات الأميركية فحسب، بل قد يكون دمر البنية الدقيقة للدبلوماسية حول غزة التي راهنت عليها إدارة ترامب بشدة.
يدور جدل حول كيفية ومتى علمت واشنطن بالغارة الإسرائيلية وما إذا كان بوسعها فعل المزيد لإيقافها. وجود إحدى أهم القواعد الجوية الأميركية في العالم داخل قطر دفع كثيرين إلى الاستنتاج بأنه من غير المعقول أن تكون واشنطن لم ترَ مقاتلات إسرائيل تقترب. وإذا لم تصدر واشنطن ضوءاً أخضر — كما يفترض كثيرون أنها فعلت — فماذا يعني ذلك عن قدرة ترامب على ضبط تصرفات نتنياهو؟
خلال العامين الماضيين، منذ humiliation الذي ألحقه مسلحو حماس في 7 أكتوبر 2023، باتت إسرائيل تبرز عضلاتها العسكرية في المنطقة، غالباً بتواطؤ ضمني أو موافقة صريحة من الولايات المتحدة. لقد ترسخت كهيمنة إقليمية غير منازعة قادرة على توجيه ضربات حتى إلى أماكن بعيدة مثل اليمن وإيران. لكن في تلك الحالات، كانت واشنطن مشاركة وتشارك الأهداف — كإحباط هجمات الحوثيين على إسرائيل وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وعرقلة البرنامج النووي الإيراني. أما الهجوم على قطر، الحليف الإقليمي المهم للولايات المتحدة، فهو شأن مختلف تماماً.
قال ترامب إنه «حزين جداً» حيال ما جرى. ووفق رواية البيت الأبيض، وصلتهم أنباء الغارة متأخرة بحيث تعذر تقديم تحذير فعّال لقطر. وعلّقت متحدثة البيت الأبيض كارولين ليفيت قائلة إن «قصف دولة ذات سيادة وحليف قريب للولايات المتحدة تعمل بجد وبشجاعة وتغامر معنا للتوسط في السلام لا يخدم أهداف إسرائيل أو أميركا». بدا القول كغضب حقيقي، لكنه لا يكفي لإقناع من تشكّكوا في تورط أميركي.
من جهته، حرص نتنياهو على التأكيد أن العملية كانت «مستقلة تماماً». وكتب ديفيد إغناطيوس في الواشنطن بوست أن ما أطلقت عليه إسرائيل «عملية قمة النار» تمّ رغم تأكيدات أميركية وإسرائيلية بأن قادة حماس في قطر لن يُستهدفوا. إذا كانت مثل هذه التأكيدات قد نُطقت ثم تجاهلت بهذه الصلافة، فسيرى ذلك الخليج على أنه علامة ضعف أميركي.
أما الجانب الأوروبي — وبالتحديد بولندا — فقد شهد تصعيداً آخر. قبل أقل من شهر، رحّب ترامب بزيارة بوتين إلى قمة في ألاسكا، فمدّ له السجادة الحمراء ومعانقة دافئة لأحد مهندسي الحرب في أوكرانيا، بل قال في لحظة ميكروفون ساخن إنه يعتقد أن بوتين «يريد إبرام اتفاق معي… مهما بدا ذلك مجنوناً». لكن بدلاً من تقدم نحو تسوية، جاءت أسابيع تصاعدت فيها هجمات روسية قياسية بطائرات مسيّرة وصواريخ على أوكرانيا، وتخلّلها، للمرة الأولى، خرق صارخ لأجواء الناتو.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسقط فيها مقذوفات روسية داخل بولندا، لكن الحوادث السابقة كانت قرب الحدود وبدا أنها حوادث عرضية. أما الغارات الصباحية يوم الأربعاء فكانت مختلفة: أفادت بولندا بأن نحو 19 طائرة دون طيار روسية اخترقت الأجواء، وبعضها وصل إلى مناطق داخل الأراضي البولندية. وصرّح رئيس الوزراء دونالد توسك أمام البرلمان بأن هذا أقرب ما كنا إليه من صراع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية.
وبينما تنفي موسكو المسؤولية، يرى معظم المحللين أن الهدف كان اختبار عزم الناتو، وبالطبع اختبار عزم الولايات المتحدة ورغبتها في الدفاع عن حلفائها — وبما أن أميركا هي العضو الأقوى في الحلف، فالمسألة تعني اختبار إصرار دونالد ترامب. تردّد الرئيس في الردّ الفوري — على النقيض من تصريحاته بشأن هجوم الدوحة — ولم يغب ذلك عن أنظار الحلفاء. كتبت صحيفة كييف بوست أن «صمتاً مذهلاً من البيت الأبيض استقبل نبأ أن حليفاً في الناتو للمرة الأولى تصدى وأسقط أصولاً عسكرية روسية».
نشر ترامب أخيراً منشوراً على «تروث سوشال»: «ما شأن روسيا بانتهاك أجواء بولندا بطائرات مسيّرة؟» وأضاف بتعابير مبهمة: «هيا بنا!» لكن صمته الأولي، وتردده الظاهر في المضي قدماً بتهديداته بفرض عقوبات جديدة على روسيا، ترك حلفاء أوكرانيا الغربيين في حالة مألوفة من التساؤل حول موقع قلب ترامب الحقيقي. قد يتغير ذلك مع العمل المشترك بين مسؤولين أوروبيين ونظرائهم الأميركيين على حزمة عقوبات منسقة — الأولى منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض — لكن بالنظر إلى مواقف الرئيس السابقة المترددة تجاه الناتو، يظل الحلفاء مطالبين بضمانات بأن واشنطن سترد عندما تتعرّض سيادة حليف للخطر.
أفضت خطوات مؤخرًا للسماح لأعضاء الناتو بشراء معدات عسكرية أميركية لأوكرانيا، والتزام الأعضاء بزيادة إنفاقهم الدفاعي، إلى تحسّن داخل الحلف، وتخلى ترامب عن بعض الخطاب العدائي الذي ميّز ولايته الأولى. وإقرار دول الناتو الأوروبيين بوجوب الاعتناء أكثر بأمنهم الذاتي — كما تجلّى في دورية حماية أجواء بولندا — خطوة مهمة. لكن القوة الأميركية، العسكرية والسياسية، ما تزال الأساس الذي يرتكز عليه الحلف، ولا تزال تساؤلات معلقة حول مدى استعداد هذا الرئيس لاستخدامها.
يومان، صراعان، وإشكاليتان. بالنسبة لترامب، الذي لا يحب أن يُحتَجّ عليه أو يُتحدّى، كانت هذه تجربة امتحانية؛ والجميع بانتظار ما إذا كان سيعلو على الموقف ويثبت جدارته.