رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استبعاد احتمال الترشح لفترة رئاسية ثالثة، رغم أن الدستور الأميركي يحدد مدة الرئاسة فترتين لا تزيد كل منهما عن أربع سنوات. ترامب، الذي يشغل الآن ولايته الثانية، صرّح للإعلام على متن “إير فورس ون” أثناء توجهه إلى اليابان ضمن جولة آسيوية أسبوعية: «أود أن أفعل ذلك. لدي أحسن الأرقام على الإطلاق».
إعلان يوم الإثنين من الرجل الذي أصبح أكبر من تولى منصب الرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة بدا الأكثر وضوحاً حتى الآن وسط تكراره مرات عن إمكانية الترشح مجدداً في 2028، عندما سيتجاوز الثانية والثمانين من عمره. في المقابل تُعرض بالفعل قبعات تحمل شعار «ترامب 2028»، ولاحظ الرئيس قبعة عليها عبارة «أربع سنوات أخرى» في متجر الهدايا بالبيت الأبيض وأشار إليها أمام زعماء مثل فولوديمير زيلينسكي وإيمانويل ماكرون خلال زيارة إلى مقر الرئاسة في واشنطن.
ماذا قال تحديداً؟
بعد مغادرته قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في ماليزيا، أجاب ترامب على أسئلة الصحافيين عن احتمال ترشحه في 2028 بعبارة مختصرة: «أود ذلك». وعند مزيد من الإلحاح قال: «هل أعني أنني لا أستبعد؟ ستخبرونني أنتم»، وأشار أيضاً إلى أن جمهوره السياسي يتمتع «بأشخاص رائعين»، في تلميح ضمني إلى ضعف خصومه الديمقراطيين. كما أقر بأنه لم يفكر كثيراً في أن تكون المعركة القضائية طريقاً لذلك، وأعاد التذكير بأن نتائج استطلاعاته هي «الأفضل على الإطلاق».
وذكر أسماء من داخل إدارته كمرشحين محتملين للحزب الجمهوري في 2028، مشيداً بنائب الرئيس جيه. دي. فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو. وعن الفحوص الطبية التي أجراها مؤخراً في مستشفى والتر ريد قال ترامب إن الأطباء أعطوه «بعضٌ من أفضل التقارير بالنسبة للعمر، من أفضل ما رأوا»، وختم قائلاً: «كان كل شيء مثالياً».
ماذا يقول الدستور؟
الدستور الأميركي يمنع بوضوح أي شخص من انتخابه رئيساً لأكثر من مرتين؛ ينص التعديل الثاني والعشرون على أنه «لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين». خبراء دستوريون يؤكدون أن هذا الحظر ليس له ثغرة عملية.
تمت المصادقة على التعديل في أعقاب تجربة فرانكلين د. روزفلت الذي انتُخب أربع مرات، وكان النص تشريعاً ردعياً لحماية نظام التناوب في السلطة. أي محاولة لتحديه أمام المحاكم، وفق أستاذ القانون الدستوري واين أونغر، ستواجه احتمالاً كبيراً بأن تقول المحكمة العليا بوضوح: «لا»—لا تستطيع الترشح لولاية ثالثة.
ما الذي يلزم لتغيير التعديل؟
تعديل دستوري يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس ثم تصديق ثلاث أرباع الولايات (38 من أصل 50)، وهي عبور عالٍ جداً سياسياً. حالياً يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب (219-213) وأغلبية 53-47 في مجلس الشيوخ، ويسيطر على 28 مجالس تشريعية بالولايات، وهو ما يجعل مسارات التعديل صعبة للغاية. (االتعدبل سيكون معقداً سياسياً وإجرائياً).
هل ثمة طرق ملتوية — مثل الترشح لمنصب نائب الرئيس؟
بعض أنصار ترامب وجماعات MAGA اقترحوا خطة مفادها أن يترشح كمرشح لمنصب نائب الرئيس ثم يتنحى الرئيس المنتخب بعد توليه المنصب ليصعد ترامب إلى الرئاسة، لكن خبراء الدستور يرون هذا تكتيكاً متهافتاً قانونياً وأخلاقياً. ترامب بدوره قلّل من الفكرة، واصفاً إياها بأنها «حيلة لطيفة جداً» وقال إنه يظن أن الناس «لن يحبّوا ذلك» وأنها «ليست صحيحة».
نظرياً، يُحجَم عن الترشح لمنصب نائب الرئيس أيضاً من لا يحق له شغل منصب الرئيس، ما يجعل مخرج نائب الرئيس احتمالاً أيضاً مقيداً بالدستور وبتأويل المحاكم. التعديل الثاني عشر والدلالة الدستورية
ينص التعديل الثاني عشر في دستور الولايات المتحدة على أن أي شخص لا يَستوفي الشروط الدستورية لتولي منصب الرئاسة لا يَجوز أن يكون مؤهّلاً لشغل منصب نائب الرئيس.
كيف تغيّر موقف ترامب مع مرور الوقت؟
بدأ الأمر بتعليق عابر في حفل جمع تبرعات خاص لمانحين جمهوريين عام 2018، حين أشاد الرئيس ترامب بزعيم الصين شي جينبينغ لكونه «رئيساً مدى الحياة». قال آنذاك: «أعتقد أنه أمر رائع. ربما نجرب ذلك يوماً ما»، ما أثار ضحك وهتافات الحضور.
لاحقاً، وخلال قمة لـTurning Point USA استضافها تشارلي كيرك، هتف الحشد «أربع سنوات أخرى»، فأبدى ترامب امتنانه ثم أضاف: «الآن، إذا أردتم أن تُجنّوهم، قولوا: ستة عشر عاماً أخرى! ستة عشر عاماً أخرى!» وكرّر النمط ذاته في أغسطس 2020 خلال تجمع انتخابي في شارلوت بولاية نورث كارولاينا قائلاً للحشد: «إذا أردتم أن تُجنّوهم حقاً، قولوا: 12 عاماً أخرى!»
ومنذ تسلمه لولاية ثانية في يناير من هذا العام، ازداد تمثّل مثل هذه التأملات في أقواله. ففي مقابلة مع شبكة إن بي سي الإخبارية في ابريل قال إن هناك «طرقاً» قد تسمح له بالعودة إلى سدة الرئاسة دون مزيد من التوضيح. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه أفاد لمجلة تايم أن فريقه بحث سبل قانونية محتملة لولاية ثالثة: «ثمة ثغرات نوقشت، لكنني لا أؤمن بالثغرات»، دون أن يفصّلها.
إلا أن ترامب رجع عن هذا القول في مقابلة لاحقة مع إن بي سي في مايو، مؤكداً: «هذا ليس ما أنوي القيام به»، ومضيفاً: «أسعى لأربع سنوات عظيمة ثم أنقل المسؤولية لشخص—ومن الأفضل أن يكون جمهورياً عظيماً—لمواصلة المسار». ومع ذلك بدا لاحقاً وكأنه عاد إلى الفكرة، عندما عرض بضائع مكتوب عليها «ترامب 2028» أمام زعماء أوروبيين في البيت الأبيض وأظهر لوسائل الإعلام على متن الطائرة الرئاسية نتائج فحصه الصحي «المبشّرة»، معتبرًا نفسه صالحًا لمحاولة أخرى على المنصب.
مؤيد لترامب يرتدي قبعة «ترامب 2028» في منتدى الاستثمار السعودي‑الأميركي في الرياض، 13 مايو 2025 (تصوير: حمد بن محمد/رويترز)
ما مدى شعبية ترامب الآن؟
تشير مؤشرات التجميع لاستطلاعات الرأي إلى أن معدلات قبول الرئيس الأميركي تتراجع منذ توليه المنصب في يناير، حيث كانت قد وصلت في بعض المقاييس إلى نحو 52% في ذروتها.
أظهر استطلاع كوينيبياك صدر الأسبوع الماضي أن 40% فقط من الناخبين يوافقون على أداء ترامب كرئيس، مقابل 54% يعبرون عن عدم الموافقة؛ فيما أظهر استطلاع مشترك لرويترز وإبسوس صافي سلبية لترامب مع نسبة عدم موافقة بلغت 56%.
وتُعد أرقام الموافقة المتوسطة لترامب من بين الأدنى في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، وفقاً لاستطلاعات جالوب، أقدم جهات قياس الرأي للرئاسات منذ الأربعينيات.
وبحسب استبيان نشرته شركة لانغر لأبحاث الرأي في أبريل، يعتقد 62% من الأميركيين أن ترامب جاد عندما يتحدث عن الترشّح مجدداً حتى وإن كان ذلك يخالف الدستور. وقد أبدى بعض المشرعين الجمهوريين تأييدهم لفكرة عودته، بينما أشار المسح إلى أن نحو 80% من الأميركيين يعارضون هذه الفكرة.