اتهم رئيس وزراء مالي السابق تشوغول ميغا بالاختلاس وُوضع قيد الاحتجاز الاحترازي، في وقت تكثّف فيه القيادة العسكرية في البلاد حملتها ضد ما تصفه بالتحرّك الانقلابي المزعوم داخل صفوف الجيش.
كُشفت تفاصيل التهم رسمياً عقب جلسة أمام المحكمة العليا عقدت يوم الثلاثاء، حيث قررت السلطات إبقاءه رهن الحبس تمهيداً للمحاكمة.
تولى ميغا رئاسة الحكومة بعد الانقلاب الثاني في 2021، وأُقيل في نوفمبر 2024 بعدما انتقد العسكر علناً لعدم وضوح الجدول الزمني لتسليم السلطة إلى حكم مدني.
محاميه، الشيخ عمر كوناري، أعلم وكالة الأنباء لاحقاً بأنه لم يُحدد موعد للمحاكمة حتى الآن، وقال: «نحن مؤمنون بالعدالة ونحتفظ بهدوئنا في انتظار الجلسة»، مشيراً إلى أن موكله سيبقى في السجن طوال إجراءات التقاضي.
وقال مكتب النائب العام إن التهم تتعلق «بتبيض أموال بمليارات الفرنكات السيفاوية»، ما يعادل عدة ملايين من الدولارات الأمريكية، وفق البيان.
جاء اعتقال رئيس الوزراء السابق قبل نحو أسبوع، وفق ما نقلت الوكالة، وذلك بعد سلسلة اعتقالات شملت عشرات الضباط في محاولة للقضاء على ما وصفته القيادة بمؤامرة انقلابية داخل الجيش.
مثل أمام المحكمة أيضاً تسعة من وزراء وزملاء ميغا في حكومة سابقة؛ حوكم اثنان منهم، وبرّأ بعضهم، بينما ينتظر آخرون جلساتهم المقبلة، بحسب مصدر قضائي.
في وقت سابق من هذا الشهر، سُجن رئيس وزراء سابق آخر، موسى مارا، بعد تغريدة أعرب فيها عن دعمه لمنتقدين مسجونين لدى المجلس العسكري.
تعصف بمالي أزمة أمنية منذ عام 2012 نتيجة أعمال عنف تقوم بها مجموعات متحالفة مع القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى عصابات إجرامية محلية، وأسفرت المواجهات عن آلاف القتلى ونزوح نحو 350 ألف شخص بحسب هيومن رايتس ووتش.
أدت هذه الأزمة إلى احتجاجات شعبية واسعة في 2020 مهدت الطريق أمام تدخل عسكري أطاح بالحكومة المدنية المنتخبة. تناوبت السلطة ثم أعاد العسكر قبضتهم في انقلاب ثانٍ عام 2021.
القائد الذي قاد الانقلابات، العقيد أسيمي غويتا، أدى اليمين كرئيس انتقالي في العام نفسه. وتُتهم حكومته بالتراجع عن وعود تسليم السلطة للمدنيين بنهاية مارس 2024، وتكثيف الاحتفاظ بالسلطة عبر حلّ الأحزاب السياسية واعتقال المعارضين وقادة المجتمع المدني.
في يوليو مررت الهيئة التشريعية المعينة من قبل الجيش تشريعاً يمنح غويتا ولاية رئاسية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد «عدد المرات التي يلزم فيها» ودون إجراء انتخابات.
كان ميغا من أبرز قادة الاحتجاجات التي أسقطت الحكومة المدنية عام 2020، وقد عَبّر سابقاً عن اعتقاده أن الجيش سيحمي مسار الديمقراطية، داعياً إلى «إعادة تأسيس الدولة المالية حتى لا يهيئ أي سلطة سياسية سَبباً لعودة نظام غير دستوري». منذ عزلِه، صار من أشدّ منتقدي المجلس العسكري متّهماً إياه بتسخير القضاء لقمع المعارضة.
يرى خبراء أن توقيف ميغا وسجنه مؤشر على هشاشة الحكم العسكري. قال عليون تين، المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بمالي أمام مجلس الأمن: «إذا اُعتقل وأُسجن أبرز قادة المعارضة، بمن فيهم تشوغول الذي منح المجلس مصداقية في وقت ما، فأعتقد أن مصداقية المجلس تضعفت بشدة». وأضاف أن «على بُعد 50 كيلومتراً فقط من باماكو لا تزال الخطر قائماً؛ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تسيطر على معظم المنطقه». ودعا تين غويتا إلى تغيير المسار: إطلاق سراح السجناء السياسيين والناشطين والصحفيين وفتح حوار وطني يقود إلى انتخابات ديمقراطية حقيقية.
عيّن القادة العسكريون الجنرال عبد اللهي ميغا، الذي شغل سابقاً منصب المتحدث باسم الحكومة، خلفاً لتشوغول ميغا.
ساهمت هذه الانقلابات في مالي في إشعال موجة انقلابات عبر منطقة الساحل جنوب الصحراء، شملت بوركينا فاسو والنيجر اللتين تكافحان نفس الجماعات المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة.
وانسحبت الدول الثلاث من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تحت ضغط المطالب بالعودة إلى حكم مدني، فشكلت تحالف دول الساحل وأنشأت قوة مشتركة قوامها نحو خمسة آلاف عنصر لشن عمليات عسكرية تهدف إلى طرد الجماعات المسلحة.