تصاعدت المخاوف من انزلاق جنوب السودان — البلاد الأحدث ولدت عام 2011 — مرة أخرى إلى حرب أهلية، بعدما طالبت حركة ريك مشار المعارضة بـ«تغيير النظام» عقب توجيه اتهامات إلى نائب الرئيس الموقوف بالقتل والخيانة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وفي وقت تزداد فيه لهجة التهديد، دفعت قوات أوغندية إضافية نحو العاصمة جبا في محاولة لتعزيز قبضة الحكومة على السلطة.
ما الجديد؟
– قوات «الجيش الأبيض» المتحالفة مع مشار اشتبكت في أوائل مارس مع الجيش في ولاية النيل الأعلى وسيطرت على قاعدة عسكرية في ناصر، ثم تعرضت مروحية أممية لإطلاق نار أثناء عملية إجلاء في 7 مارس ما أسفر عن سقوط قتلى بينهم قائد عسكري رفيع.
– بعد ذلك وضع مشار وآخرون قيد الإقامة الجبرية بتهمة التحريض على التمرد، ثم واجه اتهامات جنائية شاملة في سبتمبر وصفتها قيادته بأنها حملة سياسية تهدف إلى تفكيك اتفاقية السلام لعام 2018.
– الحزب الموالي لمشار (SPLM-IO) دعا أنصاره إلى «التعبئة للخدمة الوطنية» واستخدم عبارات اعتبرها البعض دعوة شبه عسكرية لاسترداد الوطن بــ«جميع الوسائل»، لكن حتى الآن لا توجد أنباء موثوقة عن تعبئة واسعة للقوات المسلحة من طرفهم.
خلفية سريعة
– جنوب السودان، الذي نال استقلاله عن السودان في 2011، تدهورت أوضاعه بسرعة: بعد سنتين فقط اندلعت حرب أهلية عندما أقال سالفا كير مشار متهمًا إياه بمحاولة الانقلاب.
– الصراع الذي اتخذ طابعًا عرقيًا بين مؤيدي القائدين أسفر عن نحو ٤٠٠ ألف قتيل وتهجير حوالي ٢.٥ مليون شخص — أكثر من خُمس السكان.
– اتفاق السلام 2018 أعاد مشار إلى منصبه كنائب رئيس في حكومة وحدة، لكن البنود الأساسية للاتفاق لم تُنفَّذ عمليًا، لا سيما دمج القوات الأمنية، إنشاء محكمة عدلية خاصة ومحاربة الإفلات من العقاب، وإجراء انتخابات أو صياغة دستور جديد.
تفكيك بنود اتفاق 2018
– الاتفاق نص على تشكيل جيش موحد قوامه نحو ٨٣ ألف جندي وتفكيك وتسريح بقايا الجماعات المسلحة؛ لكن ذلك لم يتحقق، وما زالت ميليشيات متعددة متحزبة سياسياً وعرقياً.
– كما تقرر إنشاء محكمة خاصة بمتهمي الانتهاكات بدعم الاتحاد الأفريقي، لكنها لم تُنشَأ خوفًا من مساءلة مسؤولين كبار قد يكونون عرضة للملاحقة.
الفساد وتأثيره
– تقرير للامم المتحدة حمل عنوانًا صارخًا وثّق استنزافًا هائلاً لعائدات النفط — نحو ٢٥.٢ مليار دولار منذ الاستقلال — مع اختلاس نظامي لجزء كبير من هذه الموارد، ما حرم الملايين من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والأمن.
– برنامج «النفط مقابل الطرق» ذُكر كمثال على توجيه نحو ٢.٢ مليار دولار لمناطق المحسوبية السياسية بدلًا من مشروعات بنية تحتية فعلية.
– وصفت ياسمين سوكا، رئيسة اللجنة، الفساد بأنه «محرك تدهور جنوب السودان»، بينما نفى وزير العدل نتائج التقرير وأرجع الأزمة إلى الصراع وتغير المناخ وتراجع أسعار النفط.
الخلاف الشخصي والعرقي بين كير ومشار
– التوتر بين سالفا كير (من قبيلة الدينكا) وريك مشار (من قبيلة النوير) تاريخي وذو أبعاد شخصية وسياسية وعرقية؛ كل منهما كان رائدًا في حركة التحرير لكن الخلافات على السلطة طغت مرارًا، خصوصًا بعد إقالة مشار في 2013 وما أعقبها من عنف وإدانة لكير بأنه «ديكتاتور» حسب خصومه.
– تأجيل الانتخابات المتكرر (مرات عدة) عزّز من انطباعات أن كير ينوء إلى البقاء في السلطة لفترة طويلة، فيما حُجِب طموح مشار الرئاسي.
من هما الرجلان؟
– ريك مشار: من مواليد 1952، درس الهندسة الميكانيكية في الخرطوم ونال لاحقًا شهادة متقدمة في التخطيط الاستراتيجي من بريطانيا. oscillated خلال سنوات النضال بين التحالفات سعياً لتعزيز موقعه ومصلحة مجموعته النويرية؛ وكان نائبًا للرئيس عند الاستقلال ثم أُقيل وأعيد عدة مرات.
– سالفا كير: من مواليد 1951، انخرط مبكرًا في الحركات المسلحة لأجل استقلال الجنوب، وصعد في صفوف الحركة وأصبح قائدها بعد وفاة جون جارنك؛ تولى رئاسة الدولة منذ الاستقلال وبقي في منصبه لسنوات طويلة دون انتخابات حاسمة.
إلى أين تتجه الأوضاع؟
– خبراء الأمم المتحدة حذروا من أن البلاد «ترتجف على حافة» العودة إلى حرب أهلية شاملة، وهو ما سيُعمِّق الكارثة في بلد لم يتعافَ بعد من صراعات سابقة.
– ثمة مخاوف من تصاعد نزاعات بالوكالة على مستوى الإقليم، ولا سيما مع استمرار الفوضى في السودان المجاور.
– أطراف إقليمية، ولا سيما أعضاء آيغاد، يُفترض أن يضمنوا تنفيذ اتفاق 2018، لكن تدخلات عسكرية أو تعزيز قوة الحكومة من حلفاء مثل نشر قوات أوغندية يثير شكوكًا حول مزيد من التصعيد.
– وصلت قوافل إضافية من الجنود الأوغنديين مؤخرًا إلى جيوب حول العاصمة حاملة شاحنات وعربات مدرعة بلا لوحات، ما فُهم على أنه محاولة لدعم جيش كير تحسبًا لأي تصعيد إذا ما أحيل مشار للمحاكمة.
خلاصة
الوضع هش ومتقلب: اتهامات جنائية وسياسية، موارد نفطية مُستنزفة، بنود سلام غير مُطبقة، وتدخلات إقليمية كلها عوامل تجعل أي تصعيد محتملًا — ومن شأنه أن يعيد البلاد إلى دوامة عنف وكارثة إنسانية. تضاعف احتمالات ذلك يعتمد على مسارات الحكم في الخرطوم، موقف الضامنين الإقليميين، وسلوك الأطراف الداخلية نحو تنفيذ أو نقض اتفاق 2018.