يولاند نيل، مراسلة شؤون الشرق الأوسط في القدس
الأحد شهد أكثر الأيام دموية منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر.
قبل أسبوع، استقبلت اسرائيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استقبال الأبطال بعد نجاحه في التوصل إلى هدنة في غزة وتبادل رهائن إسرائيليين بأسرى فلسطينيين. لكن الأيام التالية بيّنت مدى هشاشة الاتفاق، وكان الأحد أول اختبار حاسم له حتى الآن.
قوات الدفاع الإسرائيلية شنت سلسلة غارات قاتلة في أنحاء غزة، بعد مقتل جنديين اتهمت حماس بالمسؤولية عنهما، فيما أعلن مسؤول أمني إسرائيلي تعليق دخول المساعدات. بدا أن الضغوط الأمريكية حالت دون انهيار الهدنة وفتحت المعابر مع غزة مجدداً يوم الاثنين، لكن الأمر بات واضحاً: على الوسطاء البقاء مشاركين عن كثب لتدعيم الاتفاق وتسوية ملفات مصيرية تتعلق بمستقبل غزة ووضع حماس.
مبعوثا الرئيس الخاصان ستيف ويتكوف وجارد كوشنر عادا إلى المنطقة، وفي المقابل يجري مفاوضو حماس محادثات مع الوسطاء المصريين والفصائل الفلسطينية في القاهرة. من المنتظر أن تتركز النقاشات على المرحلة الثانية من خطة ترامب المكونة من عشرين بنداً، والتي تقترح نشر قوة دولية لتثبيت الأوضاع في غزة، وانسحاباً تدريجياً لقوات الاحتلال، وبالدرجة الأولى نزع سلاح حماس.
في خان يونس، باغت خبر مقتل المراهق محمد، ابن شادي أبو عبيد، المشهد: “منذ بداية الحرب كنت معه أربع وعشرين ساعة في اليوم، لم أتركه”، قال الأب المكلوم وهو يكافح الدموع خلال تشييع جنازة ابنه البالغ أربعة عشر عاماً صباح الاثنين. وأضاف: “بوجود الهدنة شعرت ببعض الاطمئنان ودعته يخرج مع أصدقائه، كان الهدوء مفترضاً وكانت هناك ضمانات دولية”. فقد محمد وثلاثة آخرون عندما استهدفت طائرة إسرائيلية خيمة في منطقة المواسي الجنوبية؛ والجيش لم يعلق تفصيلياً على الهدف المحدد.
أفادت مستشفيات محلية بمقتل ما لا يقل عن خمسة وأربعين فلسطينياً، فيما صرّح الجيش أنه ضرب “عشرات أهداف حماس الإرهابية في قطاع غزة”. وما زال الإعلام يتضارب: مصادر تقول إن عناصر من الجناح العسكري لحماس، بمن فيهم قائد، قتلوا في قصف استهدف مقهاً مؤقتاً وسط غزة، بينما أظهرت لقطات من مواقع أخرى وجود مدنيين بينهم أطفال بين القتلى.
مبعوثا ترامب، اللذان لعبا دوراً محورياً في المفاوضات مع حماس، كانا متوقعين في إسرائيل للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل تطورات الأحد. ولدى مغادرتهما الولايات المتحدة قدما مقابلة لبرنامج 60 دقيقة على قناة CBS أوضحا فيها أنهما خرقا أعراف البروتوكول الدبلوماسي بإجراء محادثات مباشرة مع قادة حماس أثناء محادثات الهدنة في شرم الشيخ، وذلك لتقديم ضمانات بعدم استئناف القتال بعد إعادة الرهائن. كوشنر وصف موقف الرئيس بأنه “مطمئن جداً” تجاه هذه الوسيلة.
ظل ملف إعادة رفات الرهائن نقطة شائكة: أشار كوشنر إلى إشارات دلت على تصرّف حماس “بحسن نية” في هذا الإطار، مع بقاء ستة عشر جثماناً لم تُعدّ بعد. وحماس قالت إنها عثرت على جثمان آخر سيُسلم “عند تهيّؤ الظروف”.
على متن الطائرة الرئاسية الأحد، شدد ترامب للصحفيين أن الهدنة ما تزال سارية، وأن هدف الولايات المتحدة ضمان استمرار السلام. ورغم وصفه لأعمال عنف داخلية داخل غزة بأنها “فوضوية” وربما ناجمة عن عناصر متمردة منفصلة عن القيادة، إلا أنه ألمح إلى احتمال أن تكون القيادة لا تشارك مباشرة.
الجيش الإسرائيلي نفى أن تكون عملية الأحد رد فعل على اشتباك بين حماس وميليشيا متحالفة مع اسرائيل في رفح، وذكر أن عناصر حماس شَنّوا هجمات مباشرة على قواته بمنطقة لا تزال تحت سيطرته مستخدمين صواريخ مضادة للدبابات ونيران أسلحة. وقالت متحدثة باسم الحكومة إن القوات عملت قرب رفح “لتفكيك بنية تحتية إرهابية وكل ذلك وفق اتفاق وقف إطلاق النار.”
حماس، التي تتهم إسرائيل بخرق الهدنة مرات عدة، أعلنت أن اتصالاتها مع خلاياها المتبقية في رفح مقطوعة منذ أشهر وأنها “غير مسؤولة عن أي حوادث تقع في تلك المناطق”. هذا التطور أعاد التركيز داخل الصحافة الإسرائيلية على الثغرات في الاتفاق: صحيفة هآرتس وصفت البنود بصياغة غامضة تركت ثغرات كبيرة، ومن بين المسائل غير المحسومة مصير مقاتلي حماس العالقين في المناطق التي تحتفظ بها إسرائيل عند دخول وقف النار حيز التنفيذ — المنطقة التي حددها ما عُرف بخط الأصفر وتحتفظ إسرائيل بحوالي نصف أراضي غزة.
عمود عسكري في اسرائيل اليوم، وصف الاشتباك قرب رفح بأنه “تحذير” محذراً من أن فشل إسرائيل في وضع قواعد صارمة وواضحة تجاه حماس قد يجرها إلى منحدر خطير. وبعد ذلك خرج وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس برسالة حازمة طالب فيها أي مقاتل لحماس يتواجد خلف خط الأصفر في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل بالمغادرة فوراً، وحمل قادة الحركة مسؤولية أفعالهم. ووضعت قوات الجيش فيديو يوضح آليات تسحب كتل صفراء لوضع علامة على الخط.
من جهتها أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية الاثنين أن نيراناً إسرائيلية أودت بحياة ثلاثة أشخاص شرق مدينة غزة، فيما قال الجيش إن قواته أطلقت النار تجاه “عدة إرهابيين” عبروا خط الأصفر في منطقة الشجاعية.
في إسرائيل عمّت الاحتفالات بإطلاق سراح عشرين من الرهائن الأحياء بعد عامين في الأسر بغزة، لكن الخطاب السياسي المتشدد والضغوط الداخلية على نتنياهو متوقعة مع افتتاح البرلمان لجلساته الشتوية واقتراب انتخابات داخلية لحزب الليكود. كلف نتنياهو الجيش باتخاذ “إجراءات قوية” ضد خروقات الاتفاق، مع تجنبه التصريح بعودة شاملة للحرب.
من جانبها دعا المتحدث باسم حماس محمد نزال إلى الإسراع بالموافقة على لجنة من تكنوقراط فلسطينيين مستقلين لإدارة شؤون قطاع غزة، وقال لقناة الجزيرة إن حماس قدمت قائمة بأكثر من أربعين اسماً للوسطاء. لكن في مقابلة أخرى مع وكالة رويترز ألمح إلى أن الحركة تنوي الإبقاء على السيطرة الأمنية في غزة لفترة انتقالية، ما يبرز عقبة إضافية أمام تثبيت نهاية الحرب بصورة شاملة.
في الولايات المتحدة، قلل نائب الرئيس جيه دي فانس من هشاشة الهدنة معتبراً أن خضْبات وعوداً وانقطاعاً هي متوقعة: “سيكون هناك نكسات واستئناف هنا وهناك”، لكنه وصف الاتفاق بأنه “أفضل فرصة لتحقيق سلام مستدام”. ويتوقع أن يتوجه ويتكوف وكوشنر إلى مزيد من الاجتماعات في القاهرة، لكن الطريق لا يزال معبّراً بعقبات جوهرية قبل أن تخيم مزيد من الاحتفالات على هدنة غزة.