الصين تصعد خلافها مع طوكيو إلى الأمم المتحده
أخضعت بكين خلافها مع طوكيو بشأن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية سناء تايكاتشي عن تايووان للأروقة الأممية يوم الجمعة، في تصعيد يدل على تدهور العلاقات بين الجارتين الآسيويتين إلى أدنى مستوياتها منذ 2023.
في رسالة أرسلها الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش، حذّر الدبلوماسي الصيني من أن أي محاولة يابانية للتدخل عسكرياً في الوضع عبر المضيق ستكون «عملاً عدوانياً». المقصود هنا هو المضيق الذي يفصل بين البرّ الصيني وتايوان التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها، ولم تستبعد الصين خيار استخدام القوة لاستعادتها.
بداية الخلاف تعود إلى أوائل نوفمبر، حين أدلت تايكاتشي — التي تولت منصبها في أكتوبر — بتصريحات حول كيفية ردّ اليابان على هجوم صيني افتراضي على تايوان. تلك التصريحات أثارت استياء بكين وطالبت بتصحيح أو سحب للقول، لكن رئيسة الوزراء اليابانية رفضت حتى الآن التراجع.
من توتر دبلوماسي إلى حرب تجارية وأمنية
التبادل الكلامي سرعان ما تطوّر إلى إجراءات اقتصادية وخطوات انتقامية طالت شركات ومصالح تجارية من الجانبين، مع تعميق مخاوف الأمن الإقليمي حول قضية إقليمية حسّاسة منذ زمن طويل.
ماذا قالت رئيسة الوزراء عن تايوان؟
أثناء جوابها أمام البرلمان في 7 نوفمبر، قالت تايكاتشي، التي تُعرف بدعمها لتايوان، إن حصاراً بحرياً أو عملًا عسكرياً ضد الجزيرة قد يدفع اليابان إلى ردّ عسكري. بهيئة الكلام بدا أنها تجاوزت أسلافها الذين اكتفوا سابقاً بالتعبير عن القلق من التهديد الصيني دون الإيحاء برد عسكري صريح.
«إذا شمل الأمر استخدام سفن حربية وإجراءات عسكرية فقد يتحول إلى وضع يهدد البقاء»، قالت ذلك كردّ على استجواب من معارضين في أول جلسة استيضاح لها.
ردود وأفعال متبادلة
التصريح أثار احتجاجات رسمية من وزارتي الخارجية والدفاع الصينيتين، وطالبت بكين بسحبه. وفي أوساكا، نشر القنصل الصيني شيو جيان منشوراً على منصة X وصف لاحقاً بأنه مهدد وحُذِف بعد ذلك، جاء فيه كلام حادّ أثار استياء اليابان ودفع بعض الأصوات للمطالبة بطرده. أعربت حكومة اليابان عن اعتراضها وطلبت توضيحاً من الصين، بينما برّرت بكين لاحقاً أن التعليقات نابعة من موقف شخصي للقنصل.
في 14 نوفمبر استدعت وزارة الخارجية الصينية السفير الياباني وحذرت من «هزيمة ساحقة» في حال تدخلت اليابان في شؤون تايوان، وفي اليوم التالي استدعت اليابان السفير الصيني احتجاجاً على منشور القنصل. رغم إعلان تايكاتشي بعد ثلاثة أيام أنها ستتجنّب مناقشة سيناريوهات محددة مستقبلاً، رفضت سحب تصريحها.
إجراءات اقتصادية واجتماعية وإدارية
تطورت الأزمة لتشمل قيود سفر ومقاطعات شبه منظّمة: أصدرت الصين تحذيراً بعدم السفر إلى اليابان استهدافاً لقطاع السياحة، كما عرضت شركات طيران صينية تعويضات أو تغييرات مجانية لرحلات إلى اليابان. وزارة التربية الصينية حذّرت طلابها الحاليين والمقبلين من حوادث عنف طالت صينيين في اليابان، فيما سجّل الطرفان واقعات متبادلة أثارت مخاوف من تنامٍ في ظواهر مناهضة الأجانب، مع غموض حول ما إذا كانت مرتبطة مباشرة بالخلاف الدبلوماسي.
تصاعد التوتر أيضاً في المجال الإقليمي: أعلنت خفر السواحل الصينية انتشار دوريات في بحر الصين الشرقي حول مجموعة جزر غير مأهولة تتنازع عليها الدولتان؛ تسمّيها اليابان «جزر سينكاكو» وتسميها بكين «دياويو». رداً على ذلك استنكرت طوكيو «انتهاكاً مؤقتاً» لمياهها الإقليمية من أسطول صيني مكوّن من أربع سفن.
خلال الأسبوع الماضي أوقفت بكين عرض فيلمين يابانيين على الأقل وفرضت حظراً على بعض المأكولات البحرية اليابانية، كما أجّلت لقاءً ثلاثيّاً لوزراء الثقافة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية كان مقرراً أواخر نوفمبر.
لقاء دبلوماسي و«رمزية تحدّ»
التقى دبلوماسيون من الطرفين في بكين في 18 نوفمبر لمحاولة فتح حوار، لكن الاجتماع لم يخفف من سخونة الأزمة. تلفت وسائل الإعلام اليابانية إلى أن مسؤولاً صينياً رفيعاً – ليو جينسونغ – ارتدى معطفاً بدون طوق ذو خمسة أزرار اعتُبر رمزاً تاريخياً للمقاومة الطلابية الصينية ضد الإمبريالية اليابانية عام 1919، ووُصِف اختياره بالتصعيد الرمزي. كما أثارت لقطات للوفد الصيني بعد المحادثات، تظهر أحدهم يضع يديه في جيوبه، انتقادات يابانية باعتبارها تصرّفاً غير لائق في محافل رسمية.
الخلفية التاريخية
الخلاف الحالي له جذور عميقة ومؤلمة، لا سيما للصين. احتلت اليابان أجزاء واسعة من الصين إبّان الحروب الصينيّة–اليابانية الأولى (1894-1895) وسيطرت على تايوان آنذاك، ثم شنت غزوًا واسعًا عام 1937 خلال الحرب الصينيّة–اليابانية الثانية. بعد مقاومة صينية عنيفة وسيطرة يابانية على مناطق في شرق وجنوب الصين وتحكّمها بحكومات عميلة، أوقفت هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية طموحاتها التوسعية في 1945. عقب الحرب الأهلية الصينية انتصرت قوات الحزب الشيوعي عام 1949 فيما فرّت حكومة الكومينتانغ بقيادة تشيانغ كاي شيك إلى تايوان وأقامت هناك حكومة موازية، وهو تقسيم شكّل أحد أهم عوامل التوتر بين بكين وطوكيو عبر عقود. حتى عام 1972، اعترفت اليابان رسميًا بتايوان بصفتها «الصين».
في عام 1972 اعترفت أخيرًا بجمهورية الصين الشعبية ووافقت على «مبدأ الصين الواحدة»، ما أدى فعليًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع تايوان. ومع ذلك، حافظت اليابان على علاقات غير رسمية قوية مع تايوان، لا سيما في مجالات التجارة.
اتبعت اليابان أيضًا سياسة ما يُعرف بـ«الالتباس الاستراتيجي» بشأن كيفية رد طوكيو إذا هاجمت الصين تايوان — سياسة متعمدة من الغموض تهدف إلى إبقاء بكين وباقي العالم في حيرة من أمرهم حول ما إذا كانت ستتدخل عسكريًا أم لا. الموقف شبيه بموقف الولايات المتحدة، أقوى حليف لتايوان.
ما مدى أهمية التجارة بين الصين واليابان؟
قال هي يونغتشيان، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، في مؤتمر صحفي دوري هذا الأسبوع إن العلاقات التجارية بين البلدين تضررت «بشدة» جراء تعليقات رئيسة الوزراء تاكايشي.
الصين هي ثاني أكبر سوق للصادرات اليابانية بعد الولايات المتحدة، حيث تبيع طوكيو بشكل رئيسي معدات صناعية، أشباه موصِلات، وسيارات إلى بكين. في عام 2024 اشترت الصين سلعًا يابانية بقيمة نحو 125 مليار دولار، وفقًا لقاعدة بيانات «كومتراد» التابعة للأمم المتحدة. أما كوريا الجنوبية، ثالث أكبر سوق لصادرات اليابان، فقد اشترت سلعًا بقيمة 46 مليار دولار في 2024.
الصين أيضًا مشتري رئيسي لخيار البحر الياباني (sea cucumbers) وأكبر مشتري للسكالوب الياباني. الشركات اليابانية، وخاصة مُصدِّرو المأكولات البحرية، قلِقون من تأثير الخلاف على أعمالهم، بحسب تقارير رويترز.
بكين ليست معتمدة بدرجة كبيرة على اقتصاد اليابان، لكن اليابان تُعد ثالث أكبر شريك تجاري للصين من حيث الواردات — حيث اشترت طوكيو سلعًا بقيمة 152 مليار دولار من الصين في 2024، وفقًا لموقع Trading Economics.
ليست هذه المرة الأولى التي ترد فيها بكين بإجراءات تجارية. في 2023، فرضت الصين حظرًا على كافة الواردات الغذائية اليابانية بعدما أطلقت طوكيو مياه مشعة من محطة فوكوشيما النووية إلى المحيط الهادئ؛ بكين اعترضت على الخطوة رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتبرت التصريف آمنًا. رفع الحظر بتاريخ 7 نوفمبر نفسه، وهو اليوم الذي أدلت فيه تاكايشي بتصريحاتها المثيرة للجدل.
في 2010 أوقفت الصين أيضًا صادراتها من معادن الأرض النادرة إلى اليابان لمدة سبعة أسابيع بعد احتجاز قبطان صيني لصيد الأسماك قرب جزر سنكاكو/دياويو المتنازع عليها.