أُعلِنَ عن وجود مجاعة للمرة الأولى في منطقة من قطاع غزة المتأزم، بحسب الجهة الدولية المسؤولة عن مراقبة الأمن الغذائي.
في تقرير صدر يوم الجمعة، قالت منظومة تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكاملة (IPC) إنها تملك “أدلة معقولة” تشير إلى وقوع مجاعة في محافظة غزة — المنطقة الإدارية التي تشمل مدينة غزة — منذ ١٥ أغسطس.
“بعد ٢٢ شهرًا من الصراع المتواصل بلا هوادة، يواجه أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة ظروفًا كارثية تتسم بالمجْاعة والتشرد والموت”، بحسب البيان.
وأضاف التقرير أن نحو ٧٠٪ من بين ٢ مليون نسمة في القطاع غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية.
من المتوقع أن يعاني حوالي ١٣٢٬٠٠٠ طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد بحلول يونيو ٢٠٢٦ — أي ضعف تقديرات الـIPC في مايو — مع اعتبار ٤١٬٠٠٠ منهم في حالة هشاشة خاصة.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن تصنيف الجمعة يمثل أول إعلان عن مجاعة في دولة بمنطقة الشرق الأوسط.
توقّعات بامتداد المجاعة
توقعت الـIPC أيضًا امتداد المجاعة إلى محافظتين مركزيتين أخريين، دير البلح وخان يونس، بحلول نهاية سبتمبر.
الظروف في محافظات تقع شمالًا قد تكون أسوأ، لكن بسبب صعوبة الوصول لا يمكن تقييمها بصورة دقيقة.
تعرف المَجاعة رسميًا عندما تتوافر ثلاثة معايير: أن يواجه ٢٠٪ على الأقل من الأسر نقصًا غذائيًا حادًا، وأن يعاني ٣٠٪ على الأقل من الأطفال من سوء تغذية حاد، وأن يموت شخصان بالغَيان أو أربعة أطفال لكل ١٠٬٠٠٠ نسمة يوميًا بسبب الجوع أو نتيجة خليط من سوء التغذية والأمراض.
المنطقة التي تواجه الآن المجاعة تغطي نحو ٢٠٪ من قطاع غزة المتأزم، بما في ذلك مدينة غزة الكبرى، التي يخطط الجيش الإسرائيلي للاستيلاء عليها في إطار هجوم جديد ضد حركة حماس.
الأمر الذي أثار مخاوف من تفاقم معاناة المدنيين أن الهجوم، الذي أقره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس يوم الخميس، يترافق مع نوايا لتهجير سكان المدينة البالغ عددهم نحو مليون نسمة قبل بدء الحملة. ومع ذلك أفاد السكان بوجود غارات جوية إسرائيلية عنيفة في محيط المدينة.
نتنياهو يصف التقرير بـ”كذبة صريحة”
رفض نتنياهو التقرير واصفًا إياه بأنه “كذبة صريحة”.
وكتب نتنياهو على منصة X أن “إسرائيل ليست لديها سياسة تجويع. إسرائيل لديها سياسة منع المجاعة.”
وذكر أن “منذ بداية الحرب سمحت إسرائيل بدخول ٢ مليون طن من المساعدات إلى قطاع غزة، أي أكثر من طن واحد من المساعدات لكل شخص.”
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد كتبت سابقًا على X أنه لا توجد مجاعة في غزة وادعت الحكومة أن التقرير استند إلى معلومات زائفة من حماس. وقالت إنه في الأسابيع الأخيرة تَدفقت المساعدات “وأغرقت قطاع غزة بالمواد الغذائية الأساسية.”
الهيئة الإسرائيلية المسؤولة عن شؤون الأراضي الفلسطينية، كوغَت (COGAT)، رفضت التقرير أيضًا قاطعًا.
رئيس كوغَت غسان عليان قال إن التقرير “مبني على مصادر جزئية وغير موثوقة، العديد منها مرتبط بحماس.” واعتبر أنه يتجاهل الحقائق و”الجهود الإنسانية الواسعة التي تقودها إسرائيل وشركاؤها.”
مطالب فلسطينية بمساءلة
دعت السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى ضغط متزايد على إسرائيل، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وطالبت بإنصافٍ عبر المحاكم الدولية لمحاسبة المسؤولين، وفتْح المعابر، والسماح بدخول المساعدات، والبدء الفوري في إعادة إعمار غزة.
الأمم المتحدة تدين أوضاع غزة
قال جيريمي لورانس، المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف: “الآن أصبح سيناريو الكابوس واقعًا.”
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أوضاع غزة بأنها “جحيم حي”.
وشدّد على أن الوضع “ليس لغزًا، بل كارثة من صنع الإنسان، وحكمٌ أخلاقي وإدانة لفشل الإنسانية نفسها.”
وأضاف أن إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، عليها التزامات بموجب القانون الدولي لضمان الإمدادات الغذائية والطبية، مؤكّدًا: “لا يمكننا السماح باستمرار هذا الوضع دون محاسبة.”
وانتقد منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة توم فليتشر أيضًا إجراء إسرائيل، قائلاً: “إنها مجاعة كان بإمكاننا منعها لو سُمح لنا. لكن الطعام يتكدس على الحدود بسبب عوائق منهجية تفرضها إسرائيل.”
وأضاف: “إنها مجاعة يروج لها علنًا بعض القادة الإسرائيليين كأسلوب حرب.”
وتنفي إسرائيل باستمرار مثل هذه التصريحات والاتهامات، متهمة بدورها الأمم المتحدة بالفشل في توزيع الإمدادات المتوفرة داخل قطاع غزة.
دعوات لتوسيع وصول المساعدات
قالت وزيرة التنمية الألمانية ريم العبابلي رضوان إن التقرير يُظهر بوضوح الوضع الكارثي في غزة ودعت إلى وصول المزيد من المساعدات إلى القطاع المتأزم.
وأضافت: “المزيد والمزيد من الناس — وخاصة الأطفال — يموتون جوعًا أمام أعيننا. لا يمكن أن يستمر هذا. المجاعة من صنع الإنسان بالكامل.”
من جهته وصف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الإعلان بأنه “مروع تمامًا” واتهم الحكومة الإسرائيلية بالتسبب في “كارثة من صنع الإنسان”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية. وقال: “رفض الحكومة الإسرائيلية السماح بوصول مساعدات كافية إلى غزة تسبب بهذه الكارثة من صنع الإنسان. هذا أمر يثير الاشمئزاز الأخلاقي.”
ودعا لامي إلى وقف العملية العسكرية في مدينة غزة، محذّرًا من أنها “لن تفعل سوى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي الموجود بالفعل وتعريض حياة الرهائن المحتجزين لدى حماس للخطر.”
وأعربت السعودية يوم الجمعة عن قلق بالغ إزاء الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وقالت وزارة الخارجية السعودية إن “تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة ناتج مباشر عن غياب آليات رادعة ومحاسبة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتكررة.”
واعتبرت المملكة الغنية بالنفط “هذه الكارثة وصمة عار” للمجتمع الدولي، ودعت إلى تحرك دولي فوري لعكس المسار وإيقاف النزيف الإنساني.