الجيش الإسرائيلي يواصل التقدم داخل مدينة غزة، مدمِّرًا أحياءً كاملة ويرهق العائلات الفلسطينية التي لم يعد أمامها ملجأ آمن، في محاولة للاستيلاء على أكبر مركز حضري في القطاع، في الوقت الذي تجتاحه مجاعة ناجمة عن الحصار والإجراءات الإسرائيلية.
أدى هجوم استهدف سوقًا شعبيًا شرق مدينة غزة يوم الثلاثاء إلى مقتل خمسة فلسطينيين على الأقل وإصابة آخرين. وقالت مصادر في مستشفى الأهلي العربي لقناة الجزيرة إن امرأتين كانتا ضمن القتلى.
أظهرت مقاطع فيديو تحقق منها مراسلو القناة نزوح الفلسطينيين من منطقة صفطاوي شمال مدينة غزة، في ظل محاولات إسرائيلية لإجبار ما يقرب من مليون ساكن على التوجه جنوبًا نحو مناطق يصفها البعض بـ«مناطق التركيز».
التسجيلات التقطت طوابير طويلة من الرجال والنساء والأطفال يمضون في شوارع مقفرة ومغبرة، حاملين حقائب وبطانيات ومراتب. دفع بعض النازحين عربات محشوة بممتلكاتهم، بينما أمسك آخرون بأيدي أطفالهم وهم يتحركون غربًا سيرًا على الأقدام.
منذ بدء الحملة المستمرة على المدينة في السادس من أغسطس، دمرت إسرائيل بالكامل أكثر من ألف مبنى في حيّي الزيتون والصبرة في مدينة غزة، بحسب تقديرات الدفاع المدني الفلسطيني.
قالت الكاتبة والناشطة المقيمة في غزة سارة عوض إن العائلات الفلسطينية باتت مضطرة للاختيار بين مواجهة قصف شديد في منازلها أو النزوح مرة أخرى دون وجهة واضحة. «كل الوقت أتساءل لماذا يجب أن أفرّ وأعيش في خيمة، بينما منزلي هنا»، قالت عوض، مضيفة أنها ترى يوميًا مزيدًا من العائلات وهي تحزم متاعها رغم عدم وجود ملاذ لها.
«لا معنى لأن أترك بيتي بينما يعاملوننا كأننا لسنا بشرًا»، أضافت، مؤكدة شعورها بأن الفلسطينيين «يعيشون أيامهم الأخيرة في مدينة غزة».
أفادت مصادر طبية للقناة بأن 64 فلسطينيًا على الأقل قُتلوا في هجمات إسرائيلية على طول غزة منذ الفجر، بينهم 13 شخصًا لقوا حتفهم أثناء سعيهم للحصول على مساعدات ضرورية.
منذ أن تسلم التحالف المدعوم أميركيًا وإسرائيليًا إدارة عمليات الإغاثة في أواخر مايو، قُتل أكثر من 2,100 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات، وفق وزارة الصحة في غزة.
وحذّرت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تفاقم الجوع وتصاعد أعداد الضحايا وانهيار الخدمات عبر قطاع غزة في أحدث تحديثاتِه. وسجلت وزارة الصحة في غزة ثلاث حالات وفاة إضافية بسبب الجوع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، ما رفع إجمالي الذين توفوا جوعًا منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 303 أفراد، بينهم 117 طفلاً.
قال مصطفى برغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، للجزيرة إن إسرائيل تسعى «لإبادة ومحو الشعب الفلسطيني ليس فقط عبر الإبادة الجماعية، بل كذلك عبر التطهير العرقي». ورأى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدفع لإعادة تشكيل الخريطة الإقليمية بحيث تهيمن إسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا واستخباراتيًا على كامل الشرق الأوسط.
إدانة مستمرة بعد هجوم مستشفى ناصر
يُطالب خبراء قانونيون بفتح تحقيق في ما وصفوه بهجوم «النقرة المزدوجة» على مجمع ناصر الطبي يوم الاثنين، الذي أسفر عن مقتل 21 شخصًا على الأقل، بينهم خمسة صحفيين. وتعني تكتيكات «النقرة المزدوجة» استهداف موقع ثم الانتظار لوصول فرق الإسعاف والإعلام قبل استهدافه مرة ثانية.
أصدر نتنياهو بيانًا باللغة الإنجليزية فقط يُعرب فيه عن أسفه لما وصفه بـ«حادث مأساوي»، من دون أن يوضح كيف أصاب الجيش المستشفى نفسه مرتين على ما يبدو عن طريق الخطأ.
قال محامٍ حقوقي بارز، جيفري نايس، إن اعتراف إسرائيل بوقوع «خطأ» مثير للاهتمام للغاية. وأضاف أن هذا الاعتراف يستلزم تحقيقات «بشراسة مطلقة» لاستخراج الوثائق التي تبيّن النوايا الأصلية وأسباب الخطأ، مؤكِّدًا أن عدم القدرة على تبرير الحادث باعتباره ضربة استهدفت هدفًا مشروعًا مع مستوى مقبول من خسائر مرافقة يشكل جريمة حرب.
أعرب المصور الصحفي عبد رئوف شعت عن حزنه العميق لسقوط زملاء فلسطينيين من العاملين في الإعلام، وأكد عزمه على مواصلة العمل الصحفي: «نودع يوميًا زميلًا، لكن سنستمر في إيصال رسالتهم».
تُلقى العديد من الجرحى في الهجوم علاجًا لإصابات بالغة حتى الآن.
اتهمت منظمات حقوقية الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في قصفه العشوائي لغزة. وكشفت تسريبات من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي أن 83% من القتلى منذ بداية الحرب هم من المدنيين، وهي نسبة تُعد من أعلى النسب في الصراعات الحديثة.
كان بين الصحفيين الذين قُتلوا في استهداف مستشفى ناصر موظفون في وكالات أنباء دولية مثل رويترز والأسوشيتد برس، ومنهم محمد سلامة الذي عمل لدى الجزيرة. وتُظهر إحصائية أعدتها الجزيرة أن أكثر من 270 صحفيًا وعاملًا في الإعلام قُتلوا في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023.
وفي نتائج أولية أصدرتها القيادة العسكرية الإسرائيلية يوم الثلاثاء، زعمت أن التحقيق أشار إلى أن الهدف كان كاميرا موضوعة في المنطقة من قبل حماس لمراقبة القوات الإسرائيلية. وقالت القيادة: «وبناءً على ذلك تصرف القوة لتدمير الكاميرا». وتبرر إسرائيل على نحو روتيني هجماتها القاتلة في قطاع غزة بأنها استهدفت عناصر ومواقع لحماس.
وصفت حركة حماس هذه الاتهامات بـ«اللاأساسية» وقالت إن إسرائيل لم تقدّم أي دليل، معتبرة أن الادعاء يهدف إلى التملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مجزرة كاملة.
شنّت إسرائيل هجمات على مستشفيات عدة خلال فترة الحرب التي تكاد تقترب من عامين، مدعية أن حماس تتخذ من المشافي محاورًا للتواجد والتمركز، من دون تقديم أدلة يمكن التحقق منها. النصّ المرسَل فارغ؛ لذا لا يوجد ما استطيع إعادة صياغته أو ترجمته. أرجو إعادة إرسال النصّ المطلوب لاتمام العملية.