جيزيل بليكوت تعود إلى المحكمة لمواجهة أحد مُغتصبيها مجدداً

قضية جيزيل بليكُو تتجه مجدداً إلى قاعة المحكمة، بعد أن طعن أحد المتهمين فقط في حكم الواقعة التي أدانت 51 شخصاً بتورُّطهم في اغتصابها بينما كانت مهدّئة بالأدوية داخل بيت العائلة، وفق تحقيقات أظهرت أن زوجها كان يزوِّدها بالمخدِّرات ويدعو رجالاً إلى المنزل لاغتصابها أثناء غيبوبتها.

في بلدة مازان الخلابة، حيث عاش الزوجان، تبدو الانطباعات متضاربة. بعض السكان، بمن فيهم رئيس البلدية، يسعون إلى فصل القضية عن سمعة المدينة والسياحة المحلية، باعتبارها مسألة “خاصة” ينبغي تجاوزها. تصريحات العمدة التي تورد تقليل حدة الفعل بحجة “أن لا أحد قُتل وأن لا أطفال متورطون” أثارت استياء من يراها محاولة تبرير لإهمال مأساة إنسانية.

لكن مشاعر الغالبية من النساء اللواتي تحدثنا إليهن لم تنحاز إلى رغبة الانتقال السريع من هذه القضية. كثيرات يشعرن بأن الصمت هو الطاغي الآن، وأن العنف المنزلي لا يزال يخشى الضحايا الإفصاح عنه خشية الانتقام أو الوصم. إحدى الموظفات الشابة أكدت، بمرارة، أن حالات عنف لا تزال مستترة في الحي، وأن عدداً من المغتصبين قد يكونون ما يزالون طلقاء وغير مكتشفين.

في المقابل، ثمة أصوات ترى في محنة جيزيل نقطة تحوّل بالنضال ضد العنف الجنسي في فرنسا. نساء ومسؤولات في منظمات نسوية يعتبرن أن شهرة القضية وظهور الضحية العلني قد أعطى زخماً لحركة رفض الصمت والوصمة، ومهد الطريق لمزيد من الشكاوى وطلب العدالة. شهدت فرنسا زيادة ملحوظة في عدد التبليغات عن حالات اغتصاب، ما يعكس، بحسب ناشطات، أن الضحايا —نساء وبنات— أَصْبَحْنَ يعلنّ عن معاناتهنّ ويطالبن بالإنصاف.

مع ذلك، وعلى الرغم من تصاعد الوعي، فإن التحوّل المؤسسي لا يرقى إلى مستوى الطموح. تقارير المنظمات الحقوقية والخبراء ترصد تناقضاً بين ارتفاع الشكاوى وثبات معدلات الإدانة، ما يجري تفسيره بنقطة تشكك في فعالية التحقيقات والسياسات التعويضية. هناك أيضاً قلق من عودة روافد ثقافية مبررة للعنف، وانتعاش خطاب الذكورية المتشددة بين فئات شبابية، وانتشار مواد مسيئة باستخدام التكنولوجيا كالفيديوهات المفبركة، والتي تزيد من تعقيد المواجهة.

يقرأ  من الصعود إلى السقوط: قصة جايير بولسونارو

في ظل أزمة سياسية واقتصادية حادة، وسلسلة تغيّب لرؤوس الحكومات، تصر السلطات على أنها أنفقت موارد إضافية تمثل تريليونات صغيرة لرفع الدعم لبرامج مواجهة العنف الجنسي، وتؤكد على تغييرات وصفتها بـ”الحاسمة” خلال السنوات الماضية. غير أن تقريراً نقدياً للبرلمان—حُجِمَ عن الرضا—وصف أداء الحكومة بأنه يفتقر إلى “بوصلة استراتيجية” واضحة، وأن الجهود متفرّقة وغير منسجمة بما يكفل حماية فعّالة للضحايا ومحاسبة عادلة للجلادين.

الخلاصة أن قضية جيزيل بليكُو كشفت تناقضات المجتمع الفرنسي: من جهة دفعت بعشرات الضحايا للإفصاح وأثارت نقاشاً عاماً مهمًّا، ومن جهة أخرى بيّنت محدودية الاستجابة المؤسسية ووجود مقاومات ثقافية وسياسية قد تُبطئ مسار التغيير. ما يظل محتملا أن يفضي هذا الزخم إلى إصلاحات حقيقية، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية واضحة، موارد ممنهجة، وتغييراً ثقافياً عميقاً يُرافقه عمل قضائي وشرطي محترف ومستمر. المجلس الأوروبي انتقد مؤخراً وبشدة جهود فرنسا في حماية النساء.

مصدر مطلع أخبرنا أن حتى الأرقام المتعلقة بالاغتصابات المبلغ عنها في فرنسا لا يمكن الاعتماد عليها بسبب بيروقراطيه معقدة للغاية.

احياناً يبعث خبر واحد بصيص أمل صغير.

في ديجون، اعتُقل رجل ستيني في أغسطس بتهمة تخدير زوجته ليمكّن الآخرين من اغتصابها، بعدما اتصل أحد الرجال الذين دُعوا للمشاركة بالشرطة لاحقاً لأنه شكّ في «موافقتها».

قالت محامية المدعية المزعومة، ماري-كريستين كليبّينغ، إنها «متأكدة» أن معرفة قضية بيليكوت والخوف من الضلوع في أمر مشابه هو ما حثّ ذلك الرجل على الاتصال بالشرطة.

في مايو، دانت المحكمة النجم الفرنسي جيرار ديبارديو بالاعتداء الجنسي على امرأتين، وخُصّ هذا الحكم بالترحيب من قبل كثير من المحامين والناشطات كضربة مهمة لثقافة الإفلات من العقاب التي سمحت للرجال النافذين بإساءة معاملة النساء.

قالت إلودي تويّون-هيبون لهيئة الإذاعة البريطانية: «قد يعني هذا شيئاً، لأنه كان محمياً بشدّة، حتى من قبل الرئيس ماكرون»، الذي بدا في مرحلة ما وكأنه يدافع عن الممثل. السيدة تويّون-هيبون محامية مقيمة في باريس وكانت مشاركة سابقاً في ملاحقة ديبارديو قضائياً.

يقرأ  المحكمة تطيح برئيس الوزراء التايلاندي بعد تسريب مكالمة هاتفية مع زعيم كمبوديا

«لا أعتقد أن محاكمة (بيليكوت) غيّرت شيئاً على مستوى الشرطة والقضاء»، قالت إمانويل ريفييه، محامية متخصصة أيضاً في قضايا الاغتصاب، مشيرة إلى النقص المزمن في العنصر البشري وغياب التدريب والتخصص لدى أجهزة الأمن.

والآن تعود جِزيل بيليكوت إلى قاعة المحكمة في نيم لمواجهة أحد الرجال المدانين باغتصابها.

قال محاميها ستيفان بابونو إن «شعورها بوجوب التواجد ومسؤوليتها أن تظل هناك حتى تُستكمل الإجراءات بالكامل» هو ما يدفعها للمثول.

قد لا يتضح الأثر الحقيقي لقرارها بالتخلي عن حقها في المجهولية إلا بعد سنوات عدة، لكن إلودي تويّون-هيبون لا تبدو متفائلة.

«غيّر ذلك بعض الأمور. ولكن في الواقع القليل جداً»، هكذا خلصت، مشبهةً العنف الجنسي في فرنسا بـ«حرب تُشنّ ضد النساء والأطفال يومياً».

«ما زال أمامنا الكثير من التغييرات لنجريها».

سألتها إن كانت مندهشة من أن قضية بيليكوت لم تُحدث تأثيراً أعمق.

أجابت: «لا. لست مندهشة إطلاقاً، لأن الأمر، ببساطة، فرنسا — ثقافة الاغتصاب متجذّرة بعمق في مجتمعنا. وحتى تُعالَج بجدّ كقضية سياسة عامة فلن تتغير».

مع تقارير إضافية من ماريان بايزني.

أضف تعليق