الحكومة الفرنسية على شفا الانهيار بعد تصويت محتمل بحجب الثقة يهدد إدخال ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو في أزمة سياسية. من المتوقع أن يُطيح النواب برئيس الوزراء فرانسوا بايرو، ما يضع مستقبل الرئيس ايمانويل ماكرون في حالة من الضبابية.
يرتبط تصويت الاثنين بخطة بايرو غير الشعبية لموازنة 2026، المصممة لخفض العجز المالي لفرنسا. هذا الفتى السياسي المخضرم البالغ من العمر 74 عامًا — الذي دعا إلى التصويت بنفسه في محاولة للضغط على النواب لتأييد خططه — لا يزال في منصبه منذ تسعة أشهر فقط.
شهدت فرنسا أربعة رؤساء للوزراء في أقل من عامين، ومن المرجح أن يصبح تعيين خامس غير كافٍ لكسر الجمود السياسي. تبدو حالة الشلل هذه شبيهة بالاضطراب الذي شهدته البلاد عام 1958 عند تأسيس الجمهورية الخامسة.
قبل تصويت حجب الثقة، تحدّث بايرو يوم الاثنين بعد الظهر في الجمعية الوطنية، حيث حذر النواب من أن الاقتصاد يواجه مخاطر خطيرة بسبب مستوى الدين المتراكم. من المتوقع أن يجيب لاحقًا على أسئلة البرلمان.
سيُجرى التصويت في المساء، ويُتوقَّع إعلان النتيجة بين الساعة الثامنة والتاسعة مساءً (18:00 و19:00 بتوقيت غرينيتش).
إليك ما تحتاج معرفته:
ماذا قد يحدث بعد ذلك؟
– لأسابيع، أعرب النواب بوضوح عن نيتهم التصويت ضد موازنة بايرو التي تقصّ النفقات. تمتلك أحزاب المعارضة من اليسار المتطرف إلى اليمين المتطرف 330 مقعدًا من أصل 577 في الجمعية الوطنية — أكثر من الكمية اللازمة لإسقاط الحكومة.
– إذا خسر بايرو تصويت الاثنين وسقطت الحكومة، فسيبقى في منصبه مؤقتًا إلى أن يقرر الرئيس ماكرون الخطوة التالية. وللأسف بالنسبة للرئاسة، تفتقر الساحة السياسية الفرنسية إلى شخصية توافقية قادرة على توحيد الفرقاء.
– يواجه ماكرون خيارات صعبة: إما تعيين رئيس وزراء جديد على أمل أن يمرر موازنة غير شعبية، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة لاستعادة أغلبية برلمانية، أو الاستقالة هو نفسه — خيار رفضه مرارًا قبل انتهاء ولايته في 2027.
– توقع معظم الخبراء هزيمة بايرو، ما سيجبر ماكرون على البحث عن بديل. لكن مع ثبات الحسابات في البرلمان، قد يعيد المشهد نفسه الذي وقع العام الماضي حين خلف بايرو ميشيل بارنييه.
– كونه محافظًا في المجال المالي، من غير المرجح أن يعين ماكرون رئيس وزراء يدعو إلى زيادة الإنفاق العام. ومع ذلك، وبعد محاولات حكومية سابقة لتشكيل تسويات مع يمين الطيف السياسي، يتساءل البعض إن كان ماكرون قد يحاول انفتاحًا نسبيًا نحو اليسار.
قال ستيفانو بالومباريني، أستاذ مساعد في الاقتصاد بجامعة باريس الثامنة: «التعيينان السابقان، بارنييه وبايرو، فشلا. لقد فقد [ماكرون] كثيرًا من مصداقيته في هذه العملية، وإن حاول اتباع مقاربة وسطية مماثلة فستخسر حتى أكثر». وأضاف أن «في هذا السياق، يصبح احتمال فتح نسبي نحو اليسار ممكنًا. بعض السياسيين الماكرونيين والاشتراكيين والخضريين يقولون إنهم مستعدون لتقديم تسويات لتشكيل حكومة تدوم حتى 2027.»
هل ثمة مسار سياسي واضح؟
ليس بالضرورة.
أظهر استطلاع رأي نشره هذا الشهر لمجلة لو فيغارو عن مجموعة فيريان أن ثقة الناخبين بماكرون انخفضت إلى 15 بالمئة، بانخفاض ست نقاط مئوية منذ يوليو. ومع ذلك، استبعد الرئيس باستمرار الاستقالة قبل انتهاء ولايته.
وأشارت استطلاعات منفصلة أجرتها مؤسسات Ifop وElabe وToluna Harris Interactive إلى أن 56 إلى 69 بالمئة من الفرنسيين يريدون انتخابات برلمانية مبكرة، ما يعكس تزايد الاستياء من المشهد الحزبي في بلد تُديره حكومات أقلية منذ 2022.
يرى بالومباريني أن «هناك حالة من الضيق السياسي العام [في فرنسا] وفي الوقت نفسه استياء خاصًا من ماكرون. لذلك، تظهر استطلاعات الرأي استقرارًا نسبيًا». بالفعل، لا تُظهر أحدث الاستطلاعات تغييرًا مادّيًا في نوايا التصويت خلال العام الماضي.
وبالتالي، لا ضمان أن يكون رئيس وزراء جديد محصّنًا ضد مصير مشابه لذلك الذي لاقاه بايرو.
ما هي أصول هذه الأزمة؟
تكمن جذور الشلل السياسي الفرنسي في قرار ماكرون المغامر الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو 2024، بعد إعادة انتخابه في 2022. كانت هذه المغامرة محاولة لتعزيز الدعم للتيار الوسطي، لكن الناخبين اتجهوا صوب الأطراف، ما ترك ماكرون بحكومة أقليّة أضعفت قدرته على تمرير التشريعات.
نتج عن الاقتراع برلمان معلق مقسّم بين ثلاث كتل: تحالف يساري حصل على أكبر عدد من المقاعد لكنه بعيد عن الأغلبية؛ حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) حصد أكبر عدد من الأصوات لكنه لا يملك أغلبية؛ والتحالف الوسطي لماكرون خسر مقاعد لكنه بقي كتلة ثالثة مؤثرة. هذا التقسيم جعل الحكم في فرنسا أكثر صعوبة، وبرزت الانقسامات بوضوح حول سياسة الإنفاق.
كيف تتصل الموازنة بكل هذا؟
السبب الفوري لسقوط بايرو هو اقتراحه لموازنة العام المقبل. خطته المثيرة للجدل لتخفيض العجز بمقدار 44 مليار يورو، التي تتضمن تجميد معظم نفقات الرفاهية وإلغاء عطلتيْن رسميتيْن، قوبلت برفض واسع من النواب.
في 25 أغسطس، قال جوردان بارديلا، زعيم التجمع الوطني، إن حزبه «لن يصوت أبدًا لصالح حكومة قراراتها تجعل الفرنسيين يعانون». وأضاف أن ما أعلن عنه بايرو فعليًا هو «نهاية حكومته».
يبلغ عجز الموازنة الفرنسية حاليًا نحو 169 مليار يورو، ما يعادل 5.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بكثير من حد 3 بالمئة الذي تفرضه الاتحاد الأوروبي على دول منطقة اليورو.
يهدف بايرو إلى خفض اقتراض الحكومة إلى 4.6 بالمئة من الناتج في 2026 وإلى 2.8 بالمئة بحلول 2029. وفي المقابل، سيسهم ذلك في خفض نسبة الدين إلى الناتج إلى 117.2 بالمئة في 2029 مقابل 125.3 بالمئة لو استمر الوضع على ما هو عليه.
وحذر بايرو مؤخرًا من أن الشباب سيُثقل كاهلهم سنوات من سداد الدين «من أجل راحة جيل الطفرات»، إذا فشلت فرنسا في مواجهة الضغوط المالية. وُلِد بايرو عام 1951، ويُعدّ من جيل المواليد الذين حلّوا بعد الحرب العالمية الثانية — ما يُعرف بجيل الطفرة السكانية.
غير أن أي محاولة للحد من الامتيازات الاجتماعية تظلّ سياسياً بالغ الصعوبة في فرنسا، كما تجلّى ذلك بوضوح في الصراعات التي أعقبت قرار ماكرون عام 2023 رفع سن التعقاعد من 62 إلى 64 عاماً.
ومع ذلك، يشعر المستثمرون بالقلق من أن العجوزات المتواصلة في ميزانية فرنسا قد تؤدي إلى ارتفاع مستمر في نسب الدين وتقويض تصنيفها الائتماني.
هل يُتوقع مزيد من الشلل؟
من المتوقع هذا الأسبوع سلسلة احتجاجات شارع تُعرف باسم «احجبوا كل شيء»، تليها إضرابات نقابية في المستشفيات وقطاع السكك الحديدة في النصف الثاني من سبتمبر.
شهدت فرنسا في 2018 و2023 ما عُرف بـ«حركة السترات الصفراء»، وهي موجات احتجاجية مناهضة للحكومة طالت سياسات داخلية متفرقة أشرف عليها ماكرون؛ ويرغب الأخير في تجنّب تكرار ذلك هذه المرة، وفقاً لمحللين.
قال بالومباريني: «سياسات ماكرون منذ 2017 كانت غير شعبية إلى حدّ كبير. لو جرت انتخابات تشريعية غداً، لما انتخِبت حكومة محسوبة على ماكرون». وأضاف: «ومع رفض الرئيس فكرة الاستقالة المبكرة، من المرجح أن يواصل التمتع بسلطة المنصب لبضع سنوات أخرى».