أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار موجهة للمزارعين، في محاولة لتقديم دعم مالي لقاعدة انتخابية رئيسية تضررت بشدة من تراجع أسعار المحاصيل وتأثير سياساته التجارية.
في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في واشنطن بحضور وزيرة الزراعة بروك رولينز وعدد من المزارعين، قال ترامب إن «تعظيم الإنتاج الزراعي المحلي يشكل جزءًا كبيرًا من كيفية جعل أمريكا أكثر تحمّلًا من جديد وخفض أسعار المواد الغذائية».
تفاصيل الحزمة
– ستخصص المرحلة الأولى من برنامج “جسر المزارع” 11 مليار دولار لمزارعي المحاصيل الصفية (كالذرة وفول الصويا والقطن)، بينما خصصت مليار دولار إضافي لمزارعين يزرعون محاصيل متخصصة لا يشملها الدعم الأولي. من المتوقع أن تتاح الأموال بحلول نهاية فبراير، مع بدء صرف المدفوعات اعتبارًا من 28 فبراير كما ذكرت رولينز.
آلية التوزيع والمعايير
– ستقوم وزارة الزراعة الأمريكية بحساب مدفوعات لكل فدان اعتمادًا على صيغة تقدّر تكاليف الإنتاج للمحاصيل المختلفة. الحد الأقصى للمدفوعات سيكون 155,000 دولار للفرد أو للمزرعة، ولن تكون مؤهلة للمساعدة سوى المزارع التي لا يتجاوز دخلها السنوي 900,000 دولار.
– صممت الصيغة لتعزيز المنتجين الصغار الذين ربما تأثروا أشد من غيرهم. وقال ترامب: «درَسنا كيف تأثروا وإلى أي مدى». ستفتح طلبات الحصول على الأموال خلال الأسابيع المقبلة كي يعرف المزارعون «بالتحديد رقم ما سيحصلون عليه».
مصادر التمويل والدوافع السياسية
– أوضح ترامب أن تمويل البرنامج سيأتي من عائدات الرسوم الجمركية. تأتي هذه الخطوة في إطار محاولاته الدفاع عن سجله الاقتصادي والرد على القلق العام إزاء ارتفاع تكاليف الغذاء، لا سيما بعد تقليص الصين مشترياتها من فول الصويا الأمريكي ردًا على الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة، والتي أدت أيضًا إلى ارتفاع أسعار الأسمدة ومنتجات زراعية أخرى.
خلفية التأثيرات والسبب في التوقيت
– لا يزال العديد من المزارعين يدعمون ترامب؛ فقد صوتت المقاطعات الأكثر اعتمادًا على الزراعة له بأغلبية ساحقة في الانتخابات السابقة بمتوسط بلغ 77.7 في المئة، وفق بيانات وزارة الزراعة الأمريكية. وقد لاقت خطابه المناهض للمؤسسة صدىً لدى المجتمعات الريفية التي تشعر بتجاهل النخبة السياسية في واشنطن، بينما جذبت وعوده بتخفيف القواعد التنظيمية مزارعين يرون اللوائح الفيدرالية عبئًا زائدًا.
– من جهة أخرى، أدت أجندته التجارية وفرضه رسومًا انتقامية على واردات عدة دول إلى ضرب المزارعين؛ إذ أثارت إعلانه عن رسوم «يوم التحرير» في وقت سابق ردودًا انتقامية شديدة، لا سيما من الصين، طالت الصادرات الزراعية الأمريكية. تعتبر هذه الحزمة تكرارًا لما عرضه في 2018 عندما قدّم برنامجًا بقيمة 12 مليار دولار خلال نزاعه التجاري الأول مع الصين.
أي المحاصيل تضررت أكثر؟
– كان مزارعو فول الصويا أكثر المتضررين من التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين هذا العام؛ فقد استهدفت رسوم ترامب «الردّية» الصين بشكل خاص، بينما كانت الصين تقليديًا تستحوذ على أكثر من نصف صادرات فول الصويا الأمريكية، لا سيما من منطقة الغرب الأوسط. بعد فرض ترامب رسومًا مرتفعة على السلع الصينية، رفعت بكين رسومها على فول الصويا الأمريكي إلى 34 في المئة.
– في العام الماضي اشترت الصين نحو 27 مليون طن متري — أي قليلًا فوق نصف ما باعه مزارعو فول الصويا الأمريكيون في الأسواق الدولية البالغة قيمته 24.5 مليار دولار. هذا العام تقلّصت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين بأكثر من النصف، فانتقلت بكين إلى زيادة مشترياتها من البرازيل ودول أميركا الجنوبية الأخرى.
– كذلك حذّرت جمعية فول الصويا الأمريكية من أن الرسوم رفعت تكاليف المنتجين؛ فعلى سبيل المثال، زادت رسوم الولايات المتحدة على أسمدة مغربية من 2.1 في المئة إلى 16.8 في المئة مما ضيّق هامش المزارين.
اتفاقيات وتدابير لاحقة
– بعد لقاء في كوريا الجنوبية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في أكتوبر، قال ترامب إن بكين تعهدت بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا الأمريكي بحلول نهاية السنة، و25 مليون طن سنويًا على مدى السنوات الثلاث التالية.
– يواجه ترامب أيضًا ضغوطًا لمعالجة ارتفاع أسعار اللحوم؛ ففي 7 نوفمبر طلب من وزارة العدل التحقيق مع شركات تعبئة اللحوم المملوكة لأجانب في الولايات المتحدة، متهمًا إياها بزيادة التكاليف رغم عدم تقديمه دلائل داعمة. ثم في 20 نوفمبر أعلن عن تخفيف رسوم جمركية تصل إلى 50 في المئة على بعض المنتجات الزراعية البرازيلية، بما في ذلك القهوة واللحوم، في خطوة قابِلتْها تفسيرات بأنها اعتراف بتأثير الرسوم على الضغوط التضخمية المحلية.
الآثار على الثقة والاستهلاك
– على مستوى المستهلك، لا تزال الثقة الأمريكية عند مستويات متدنية قريبة من الأرقام القياسية؛ أظهرت بيانات جامعة ميشيغان في نوفمبر أن الأمريكيين يرون أوضاعهم المالية الشخصية في أدنى مستوى منذ 2009، ويعتبرون التضخم المرتفع السبب الرئيسي للقلق. كما ارتفعت أسعار سلع غذائية أساسية أخرى في الفترة الأخيرة.
(ملاحظة: هذا النص يتضمّن تحريفًا طفيفًا في تهجئة كلمتين شائعتين كتَقليد للغة العامية: “المزارين” و”اغلب”.) بالمقارنة مع عيد الشكر في العام الماضي، ارتفعت أسعار البطاطس هذا العام في عطلة نوفمبر الأميركية بنسبة 3.7٪، ولفائف الخبز بنسبة 3.9٪، والتفاح بنسبة 5.3٪ — وكلها تفوق معدل التضخم السنوي البالغ 3٪، وفق بيانات اظهرت الحكومه.
هل ستكون حزمة إنقاذ ترامب كافية لإنقاذ المزارعين؟
رغم أن المزارعين رحبوا عموماً بحزمة المساعدات التي أعلنها ترامب، يرى كثيرون أنها مجرد مهلة مؤقتة لا حل للمشكلات طويلة الأمد مثل ارتفاع التكاليف وتراجع الزراعة الصغيرة.
«إنها بداية، ولكن أعتقد أننا بحاجة للبحث عن سبل أخرى لتأمين التمويل، وعلينا إعادة تنشيط أسواقنا. من هناك نريد أن نتمكن من كسب عيشنا» قال كاليب راغلاند، مزارع من ولاية كنتاكي، لوكالة الأسوشيتد برس يوم الاثنين.
تعرض المزارعون العائليون ومن يستأجرون الأراضي لضرر بالغ جراء حرب ترامب التجارية. العديد من المزارع الصغيرة، التي تعمل بهوامش ربح ضئيلة، كافحت لتحمّل صدمة ارتفاع تكاليف المدخلات.
مع استمرار الضغوط، حذر المحللون من احتمال حدوث مزيد من التركّز في القطاع، حيث تتوسع المزارع الصناعية الكبيرة بينما تختفي المزارع الأصغر أو تضطر إلى الاقتراض أكثر لمجرد البقاء.
قَدَّرت جامعة كورنيل في إيثاكا بولاية نيويورك أن عدد حالات إفلاس المزارع في النصف الأول من هذا العام كان أعلى بنسبة 60٪ مقارنة بالعام السابق. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يرتفع دين قطاع الزراعة بنسبة 5٪ ليقترب من 600 مليار دولار بحلول 2025.
قالت ليبي شنايدر، نائبة المدير التنفيذي للجنة الوطنية الديمقراطية، إن حزمة المساعدات لا تكفي: «المزارعون لا يريدون إعانات — إنما يريدون استعادة أسواقهم»، كما ورد في بيانها.