حملة لمكافحة المخدرات أم تغييرٍ للنظام؟

أيـون ويلز (مراسلة أميركا الجنوبية) وجوشوا تشيثام (BBC Verify)

خلال شهرين، كثّفت القوات المسلحة الأميركية وجودها في البحر الكاريبي بقوة بحرية وجوية واسعة تشمل حاملات طائرات، طائرات مقاتلة، قاذفات بعيدة المدى، قوات مشاة بحرية، طائرات بدون طيار وطائرات استطلاع. هذه أكبر تعبئة عسكرية تشهدها المنطقة منذ عقود.

عمليات الاستعراض والضربات
طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز B-52 أجرت “استعراضات هجومية” قبالة سواحل فنزويلا، كما أذن الرئيس ترامب بنشر عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) باتجاه فنزويلا، وأُرسلت إلى المنطقة أكبر حاملة طائرات في العالم. أعلنت واشنطن أن ضربات نفذتها استهدفت قوارب صغيرة منسوبة لفنزويلا يُزعم أنها كانت تحمل مخدرات ومهربين، وأن عشرات القتلى سقطوا، من دون أن تقدم أدلة مفصلة أو بيانات عن هوية ركاب تلك القوارب.

ردود الفعل والشرعية
أثارت الضربات استنكاراً على مستوى الإقليم، وتساءل خبراء عن شرعيتها. تُسوّقها واشنطن كجزء من حرب على الاتجار بالمخدرات، لكن كل المؤشرات تشير إلى أنها حملة تهديد وترهيب تهدف بالأساس إلى تحييد الرئيس نيكولاس مادورو وإضعاف موقعه السياسي. كما يذهب بعض المحللين إلى أن الغرض الأوسع قد يكون دفع بعض أركان النظام أو المؤسسة العسكرية إلى الانقلاب عليه أو تسليمه.

دلالات التموضع العسكري
يشرح الدكتور كريستوفر ساباتيني، باحث رفيع في معهد شاتام هاوس لشؤون أميركا اللاتينية، أن هذه التجمعات العسكرية تشكل “عرض قوّة” يهدف إلى بثّ الخوف في نفوس الضباط المقربين من مادورو كي يبعدوه. مراقبة مسارات السفن والطائرات، عبر بيانات تتبع متاحة وصور أقمار صناعية ومنشورات على وسائل التواصل، سمحت بتكوين صورة جزئية عن مواقع القوات الأميركية وتحوّلاتها الدورية.

قائمة السفن والطائرات
حتى 23 أكتوبر، تم رصد نحو عشرة سفن حربية أميركية في المنطقة، بينها مدمرات صواريخ موجهة وسفن إنزال وبراميل وقود بحرية لتزويد السفن بالوقود أثناء الإبحار. أُرسل أيضاً إلى المنطقة حاملة الطائرات USS Gerald R. Ford مع مجموعة هجومية مرافقة، كما لوحظت سفن متحوّلة لخدمات العمليات الخاصة قريبة من ترينيداد وتوباغو يُعتقد أنها تُستخدم لإيواء طائرات بدون طيار ومروحيات وزوارق صغيرة.

يقرأ  الهيئات الرقابية الهندية تنفي مزاعم تلاعب بسوق الأسهم ضد مجموعة أداميأخبار الأعمال والاقتصاد

مكافأة 50 مليون دولار لاختبار ولاء المحيطين بمادورو
رفعت الولايات المتحدة قيمة المكافأة للمعلومات التي تؤدي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار، كحافز لاستدراج عناصر من دائرته المقربة لتسليمه. ومع ذلك، لم تسفر هذه المكافأة عن هروب أو انشقاق كبيرين. يقول خوسيه إغناسيو هيرنانديز (أستاذ قانون وفقيه في قضايا الأمن الوطني) إن هذا المبلغ “ليس كثيراً” بالنسبة إلى النخب الفنزويلية التي تحقق ثروات هائلة عبر الفساد داخل دولة غنية بالنفط؛ فحالات سابقة أظهرت أن مسؤولين سابقين جمعوا مبالغ طائلة قبل إدانتهم.

دور الجيش وقيود الإغراءات المالية
يتفق معظم المحللين على أن قرار المؤسسة العسكرية سيكون حاسماً في أي تغيير للنظام. لكنّ تسليم مادورو أو إزاحته يتطلب، على الأرجح، ضمانات من الإفلات من المحاكمة أو منحه حصانات، لأن الكثير من ضباط الصف والقيادات قد يكونون متورطين في أنشطة غير قانونية تجعلهم مترددين في خيانة زعيمهم.

هل المسألة حقاً مكافحة مخدرات؟
أعلن ترامب أن الضربات جزء من حرب ضد مهربي المخدرات، وادعى أن إحدى القوارب المُستهدفة كانت محملة بكميات كبيرة من الفنتانيل. لكن الفنتانيل يُنتج بكميات بالغة في ماكسيكو ثم يدخل الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية، بينما لا تُعد فنزويلا مصدراً رئيسياً للكوكايين—فبلدان مثل كولومبيا وبيرو وبوليفيا تمثّل مصادر أكبر. تقارير إنفاذ المخدرات تشير إلى أن الجزء الأكبر من الكوكايين المصادر في الولايات المتحدة يعود إلى كولومبيا. كما أن أولى الضربات جرت في منطقة البحر الكاريبي، وهي ليست أهم مسارات نقل المخدرات مقارنة بالمحيط الهادئ.

تهم الاتجار بالمخدرات وإجراءات قضائية سابقة
وزارة العدل الأميركية تتهم مادورو منذ 2020 بقيادة شبكة للاتجار بالمخدرات والإرهاب المرتبط بها، وهو ما ينفيه مادورو ويصفه بسياسات إمبريالية وتعسفية تزيد من أزمات بلاده. ثمة قضايا مُدونة بحق أشخاص مقربين منه—منها قضية إدانتين صدرت في نيويورك بحق أبناء أخ زوجته بتهمة التآمر لاستيراد كوكايين قبل أن تُفرج عنهم الولايات المتحدة في تبادل سجناء—لكن حتى الآن لا توجد دلائل مُعلنة تبرهن أن الدولة الفنزويلية كلّها هي مصدر رئيسي للإنتاج.

يقرأ  سلسلة متاجر يابانية توقف بيع مثلثات الأرز بعد أن زوّر موظفون تواريخ الصلاحية

تعزيز القوة الجوية والبحرية
عززت الولايات المتحدة أيضاً وجودها الجوي فوق المنطقة، حيث رُصدت طائرات مقاتلة من طراز F-35 على مدارج في بورتو ريكو، وطائرات قاذفة كـ B-52 نفّذت تحليقات قرب السواحل الفنزويلية كجزء من استعراضات هجومية. كذلك تم رصد طائرات استطلاع من طراز P-8 وB-1 وطائرات بدون طيار MQ-9 Reaper، إضافةً إلى مروحيات خاصة بقوات العمليات الخاصة مثل MH-6M.

إمكانيات عمل الاستخبارات الأميركية داخل فنزويلا
أحد الأسئلة الكبرى هو مدى صلاحيات وكالة الاستخبارات المركزية في تنفيذ عمليات داخل فنزويلا. يقول مسؤولون سابقون إن العمل السري للـCIA يمكن أن يتخذ أشكالاً متعددة: عمليات معلوماتية، تخريب، دعم أحزاب المعارضة أو حتى إجراءات تقود إلى الإطاحة بنظام؛ وهناك مشاريع تتدرج بين خطوات منخفضة التصعيد وصولاً إلى خيارات عالية الخطورة. قد تشمل العمليات استهداف شخصيات متورطة في تهريب المخدرات داخل البلاد، وربما تكون قائمة على معلومات قد تُعَدّ مادورو نفسه هدفاً بموجب تعريف الولايات المتحدة.

خيارات عسكرية مباشرة ومخاطرها
بحسب محللين، لا توجد مختبرات ضخمة لإنتاج الكوكايين أو الفنتانيل يمكن “تدميرها” داخل فنزويلا، لكن ثمة ممرات نقل، مرافئ ومهابط جوية صغيرة قد تُستهدف لشلّ عمليات التهريب. كما أن السيناريوهات تشمل هجمات محدودة على منشآت عسكرية أو عمليات اختطاف سريعة لقيادات معينة — وكل ذلك محفوف بمخاطر تصعيدية كبيرة قد تمتد إلى مواجهة أوسع. يطرح هذا التساؤل المركزي: إلى متى ستبقي واشنطن هذا الكمّ من الأصول العسكرية متمركزة في البحر الكاريبي؟ وهل تكفي تلك التهديدات لفتح باب انشقاقات داخل قلب النظام وإحداث تغيير سياسي فعلي؟

خلاصة غير محسومة
التحرّكات الأميركية تُقرأ أنها تتجاوز مجرد محاربة المخدرات، فالسياق السياسي والآليات المستخدمة والرسائل الإعلامية تُجسد محاولة للضغط على النظام الفنزويلي وإضعافه داخلياً. مع ذلك، من الصعب التكهن اليوم بما إذا كانت الضغوط والتهديدات ستقنع قيادات داخلية بالانشقاق أو تسفر عن تغيير حقيقي، أم أن الوضع سيبقى في نطاق الاستعراضات والتهديد المتبادل. النهاية لا تزال غير واضحة، والخيارات المطروحة أمام واشنطن ومادورو تظل محدودة ومليئة بالمخاطر.

يقرأ  ضحايا الاعتداءات الجنسية من رجال الدين الكاثوليك يبدون تفاؤلاً بعد لقاء مع البابا ليو

أضف تعليق