خبير في شؤون إيران: المجتمع الدولي لم يعد رهينة المفاوضات مع طهران

أعلن الرئيس الإيراني مسعود پزشکیان من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن بلاده «لم تسعَ قطّ ولن تسعى لبناء سلاح نووي»، في موقف جاء بينما أطلقت الدول الأوروبية الثلاث (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) آلية «إعادة العقوبات» عبر إخطار أممي في 28 أغسطس، مفعّلة بذلك نافذة زمنيّة مدتها ثلاثون يوماً تنتهي في 27–28 سبتمبر، وبعدها ستُعاد جميع عقوبـتات مجلس الأمن تلقائياً ما لم يتم التوصل إلى تسوية أخيرة قبل انتهاء المهلة.

المطلب الأوروبي واضح: خطوات قابلة للتحقق — استعادة وصول المفتشين وملء ثغرات التخصيب والرصد — هي وحدها الكفيلة بوقف مسار «السناب‑باك». وفق الوثائق البريطانية والأممية المتعلقة بالعملية، فإن غياب قرار من مجلس الأمن يُرضي جميع أصحاب حق الاعتراض يعني عودة كامل القيود المفروضة قبل الاتفاق، وتوقعات بإعادة فرض العقوبات المعلّقة من قبل الشركاء.

أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادرة في سبتمبر تشير إلى أن إيران كانت تحتفظ بنحو 440.9 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بدرجة 60٪ حتى 13 يونيو، ما يزيد الضغوط على مطلب استعادة المراقبة والشفافية. وعلى رغم أن نسبة 60٪ أقل من مستوى «قوة السلاح» النظري، فإنها تقصّر بشكل ملموس زمن الوصول إلى عتبة السلاح وتثير القلق بشأن سهولة وصول المفتشين إلى المخزونات.

في الميدان الصاروخي، تظهر صور مفتوحة أن طهران تعمل على إعادة بناء مواقع إنتاج الصواريخ التي تضررت خلال القتال في يونيو؛ غير أن خبراء يشيرون إلى عنق زجاجة تقنيّ يتمثل في غياب خلاطات كوكبية كبيرة ضرورية لصناعة الوقود الصلب، ما قد يؤخر استعادة كامل القدرة الإنتاجية حتى إذا استعادت خطوط إنتاج أخرى نشاطها.

تسلسل المواجهات الإقليمية نما أيضاً بالتزامن مع العدّ التنازلي: في 24 سبتمبر استهدفت طائرة مُسيّرة تابعة للحوثيين مدينة إيلات ما أسفر عن نحو عشرين جريحاً، وردّت إسرائيل بضربات على أهداف في صنعاء، ما إن دلّ على شيء فهو مدى امتداد توتر غزة من البحر الأحمر إلى شرق المتوسط وكيف يمكن للواجهات الهامشية أن تتصاعد مع نفاد الوقت في نافذة السناب‑باك.

يقرأ  ليفربول ضد بورنموث — الدوري الإنجليزي الممتاز: الفرق، موعد انطلاق المباراة والتشكيلات — أخبار كرة القدم

المحلل محمد الزغول، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، يرى أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن تواصل الأطراف الأوروبية تفعيل آلية «السناب‑باك»، وهو ما يعني، بحسبه، «انهيار الاتفاق النووي كإطار شامل» وفتح المجال أمام تصعيد سياسي وأمني. وحذّر من تبعات اقتصادية خطيرة، مشيراً إلى أن تأثير ذلك «يتجاوز البُعد النفسي ويهدد بدفع الاقتصاد نحو الانهيار»، مع سيناريوهات معقولة لتراجع صادرات النفط إلى حوالى سبعمئة ألف برميل يومياً وتزايد العجز المالي وضغوط على النمو حتى لو واصلت طهران تهريب بعض الخام بخصومات أو عبر قنوات رمادية.

دبلوماسياً، يقول الزغول إن قضية النووي لم تعد تضغط بالقدر نفسه على المجتمع الدولي لإجبار طهران على محادثات فورية؛ بل إن المجتمع الدولي قد يُجبر طهران على الدخول في حوارات شاملة من الصفر، من دون مرجعيات قانونية سابقة، ما يضعها في موقع أضعف ويزيد من احتمال طلب مزيد من الشفافية عن المخزونات والبرامج الصاروخية.

من جانب آخر، حذر الخبير دانييل غاروفالو المختصّ بالجماعات الإرهابية والمتمردة المسلحة من قراءة مبسطة لحركة الحوثي، قائلاً إنها «ليست الدولة اليمنية ولا هي الحكومة المعترف بها دولياً»، وإنها استغلت القضية الفلسطينية لتصوير نفسها مدافعاً وطنياً بينما تستمر في تلقي دعم إيراني حتى مع تراجع قدرات بعض من شركاء طهران. وأوضح أن الحركة حافظت على بنية قوة متينة — عسكرية وسياسية وتنظيمية وحكومية — تجعلها لا قابلة للإخراج السريع من المعادلة، مع استمرار قاعدة شعبية في مناطق شيعية وآليات تعبئة خلال الحرب تخفّض كلفة الاستنزاف رغم ارتفاع تكلفة الميدان.

بالنسبة لتمويلها، وصف غاروفالو حلولاً بديلة تمكن الحوثيين من تعويض تراجع التمويل الإيراني المباشر، مشيراً إلى تقارير استخباراتية عن تعاون لوجستي مع حركة الشباب والقاعدة في جزيرة العرب وعمليات قرصنة صومالية — تعاون تنفيه الأطراف علناً لكن دلائله تظهر في تجنّب التصادم المتبادل لسنوات، وفي حقيقة بروز قيادات القاعدة مثل سيف العدل المستقرّة في إيران كعامل استمرارية إقليمية.

يقرأ  غارتكس تيكسبروس الهند ٢٠٢٥الأتمتة المشتركة والاستدامة

حذر غاروفالو أيضاً من أن خطط التقسيم أو فرض سلطات شمالية تتجاهل المجلس الانتقالي الجنوبي ورعاية الإمارات واستمرار وجود القاعدة في المنطقة، وأن استئصال هذه العناصر يتطلّب التزاماً عسكرياً واسعاً لا يبدو أن هناك من يودّ تحمّله حالياً. تثبيت سلطة بديلة شمالية قد يؤدي إلى «تركيب حكومة معادية ذات ارتباط وثيق مع إيران» — حل لمشكلة قد يصنع أخرى.

وفي حال انتقلت عملية «السناب‑باك» إلى التنفيذ، يطرح الزغول بدائل متناقضة: أحد المسارات أن تتجه إيران شرقاً نحو الصين وروسيا، وتزداد رغبتها في منظومات سلاح شرقية، وربما يدفع المتطرفون نحو تسريع السعي إلى السلاح النووي باعتبار أن مخزوناً ضئيلاً قد يعيد رادعاً ما. أما المسار الآخر فيبقى ممكناً: تحوّل إيراني نحو اندماج إقليمي ودولي أوسع يتطلّب خفضاً للنشاطات النووية الحسّاسة، تراجعاً لشبكات الميليشيات، واستثمار تأثير المعتدلين داخل الحكومة والمجلس الأعلى للأمن القومي.

في الحلبة الأممية المقبلة سيُحسم ما إذا كانت العقوبات ستعود وتتشدد الضغوط، أو إذا ظلّت فجوة دبلوماسية ضيقة مفتوحة. وفي الحالتين، يرتكز حساب طهران القصير الأمد على ثلاثة عناصر واضحة: مخزون كبير من يورانيوم مخصب بنسبة 60٪ مع مطالب وصول مفتّشين، برنامج صاروخي يعاد بناؤه لكن تحت قيود فنية، واستمرار عمليات الحوثي التي تبقي الشّرق الأوسط على صفيح ساخن.

أضف تعليق