في سبتمبر 2005، انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزه، وغادرت آخر آلياتها ونقاطها العسكرية عبر معبري الكرارة (كيسوفيم) وبيت حانون (إيرز).
كان الانسحاب يُنظر إليه وقتها كنقطة تحول تاريخية أثارت آمالاً بإنهاء ما يقارب أربعة عقود من الاحتلال العسكري. لكن بدلاً من التخلي عن التحكم بالمنطقة، أعادت إسرائيل تموضع قواتها على محيط القطاع؛ اغلقت حدوده برًا وبحرًا وجوًا، وقيّدت الحركة عبر سياج ومعابر، وحددت مناطق صيد، ومارَست رقابة جوية مستمرة.
في هذا الشرح البصري تقدم الجزيرة سرداً منظماً للعوامل التي أدت إلى تبني رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون لخطة فك الارتباط، وترسم خريطة للمستوطنات الـ21 التي فُككت في غزة، وتستعرض كيف فتح ذلك المجال أمام تسريع التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
ما الذي مهّد للانسحاب؟
فكرت خطة فك الارتباط وطرحها شارون شخصياً. وعلى الرغم من كونه مؤيداً قوياً للمستوطنات، بدأ شارون يدرس فكرة الانسحاب من غزة في أوائل الألفية الثانية، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية (2000–2005). دافعته حسابات عسكرية وديموغرافية واستراتيجية: تكلفة الدفاع عن مستوطنات معزولة، العبء الديموغرافي المتمثل في حكم كثافة سكانية فلسطينية كبيرة، والهدف الاستراتيجي بتعزيز السيطرة الإسرائيلية على مستوطنات أكبر وأعمق في الضفة الغربية.
واجهت الخطة معارضة شديدة داخل حزب الليكود وخارج التحالف السياسي، لكن شارون روّج لها على أنها خطوة استراتيجية لا تنازلية. أُعلن الاقتراح رسمياً في ديسمبر 2003، وصوّت الكنيست على مبدئه في أكتوبر 2004، مما مهّد لإزالة 21 مستوطنة في غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة خلال 2005.
الجدول الزمني لانسحاب غزة
– 6 يونيو 2004 – أيد مجلس الوزراء الخطة بأغلبية 14‑7، فاتحًا الباب أمام الانسحاب من غزة.
– 16 فبراير 2005 – أقرّ الكنيست قانون تنفيذ فك الارتباط، موفّراً الإطار القانوني للإخلاءات والتعويضات.
– 15 أغسطس 2005 – بدأت القوات الإسرائيلية تفكيك المستوطنات وإخراج المستوطنين من غزة.
– 22 أغسطس 2005 – أُخليت جميع المستوطنات الـ21 في غزة، ونُقل نحو 8,000 مستوطن.
– 23–24 أغسطس 2005 – تحولت الأنظار إلى شمال الضفة الغربية حيث فُككت أربع مستوطنات (الغنيم، حومش، قاديم، صنور).
– 12 سبتمبر 2005 – غادرت الجيبزات العسكرية والجرافات المدرعة عبر ممرّات الكرارة وبيت حانون، منهيةً تواجدًا عسكريًا إسرائيليًا مستمراً دام 38 عاماً في القطاع.
أين كانت المستوطنات الـ21 في غزه؟
بعد حرب يونيو 1967، حين احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء، شدّدت وتيرة بناء المستوطنات. تُعرّف المستوطنات الإسرائيلية بأنها تجمعات يهودية بُنيت على أراضٍ فلسطينية، وتُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي لأنها تنطوي على نقل سكان دولة محتلة إلى أرض محتلة، وهو ما يخالف اتفاقية جنيف الرابعة.
أول مستوطنة في غزة بعد 1967 كانت كفار داروم، أقيمت عام 1970 كنقطة عسكرية‑زراعية ثم تحوّلت إلى مستوطنة مدنية، وأصبحت جزءًا من كتلة غوش قطيف، وهي أكبر تجمع استيطاني في القطاع، ومتركزة أساسًا في الجنوب، خصوصًا محافظتا خان يونس ورفح. من المستوطنات الأخرى نِتساريم جنوب مدينة غزة وعدّة مواقع في شمال القطاع؛ وكانت هذه التجمعات محميةً بشدة من قبل الجيش الإسرائيلي ومحاطةً بمناطق عازلة تقيد حركة الفلسطينيين.
خلال ثلاثة عقود بُني ما مجموعه 21 مستوطنة أَسكنت نحو 8,000 مستوطن. ورغم أن نسبة المستوطنين شكلت حوالي 0.6% من سكان غزة، فقد سيطروا على نحو 20% من أراضيها، ما أثر على حياة نحو 1.3 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في القطاع آنذاك. وفي سياق الحرب المستمرة على غزة بنت إسرائيل ممرّات سميت بأسماء مستوطناتها، مثل نتساريم وموراج، اللتين كانتا من أكبر وأبرز التجمعات.
التوسع الاستيطاني في الضفه الغربية
منذ انسحاب 2005 من غزة تسارعت وتيرة النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. يعيش اليوم بين 600,000 و750,000 مستوطن إسرائيلي في ما لا يقل عن 250 مستوطنة ومخيم استيطاني (outposts). توسعت كثير من هذه المستوطنات، وظهرت مستوطنات جديدة غالبًا في مواقع استراتيجية للتحكم بالطرق والمرتفعات والموارد الرئيسية، مما أعاق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم وقيّد حركتهم.
إحدى إعلانات التوسع الأخيرة جاءت في أغسطس 2025، عندما أقر وزير المالية بزاليل سموتريتش بناء نحو 3,400 وحدة سكنية في منطقة E1 بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم غير القانونية. تكمن أهمية منطقة E1 الاستراتيجية في أنها تشكّل حلقة وصل جغرافية أخيرة بين بيت لحم ورام الله، وقد يقوّض التوسع هناك إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة إقليمياً.