دمشق — في عام 2013، فرّ محمد يامن، الذي كان آنذاك في التاسعة من عمره، مع أسرته من ضاحية جوبر في دمشق بعد أن عمّق النظام خرابها وجعلها غير صالحة للسكن. انتقل يامن ووالداه إلى حي العباسيين بوسط العاصمة، حيث واصل دراسته وحلم بالهجرة إلى إسبانيا.
في حوالي منتصف ليل الثامن من ديسمبر 2024، كان يامن، الذي بلغ عشرين عاماً، يتابع الأخبار على هاتفه بينما ترد أنباء عن تقدم عمليات مسلحة من شمال سوريا وسيطرة مقاتلين على حلب وحماة وحمص، وأن الطريق يتجه نحو دمشق. أخبر بعض أصدقائه فتجمّعوا في الشوارع. منزله كان محاطاً بمركزَي شرطة، العباسيين وجوبر، اللذين اعتاد على وصفهما بأنهما مراكن للفساد والمضايقات اليومية. لكنّ تلك الليلة لم يجدوا عناصر الشرطة، بل وجدوا زيّ جنود منشقين متناثراً على الأرض.
انقطع شحن هاتفه وهو في الخارج، فلم تأتِ الأخبار عبر الرسائل بل عبر دويّ إطلاق النار الذي ملأ سماء الليل. «كان هناك إطلاق نار كثير من أشخاص مهلّلين»، قالها يامن يوم الاثنين، قبل يوم من الذكرى الأولى، جالساً في فناء فندق. تحدّق نحو الفناء ولعب بخاتم في يده اليسرى أثناء حديثه. وصف المشهد آنذاك بأنه فوضى مفعمة بالفرح، حتى وصلت قوات من درعا جنوباً، ودخل مقاتلون يقودهم أحمد الشّرّاع من الشمال إلى العاصمة.
«كان فرحاً لا يوصف، بصراحة»، قال. لكن أول ما راود في باله كان همّ الناس الظالم عليهم: «في ذلك الوقت فكّرت، إن شاء الله يصير الشيء نفسه لأهل فلسطين، ونحتفل في فلسطين، في المسجد الأقصى». بعد ذلك شاهد على التلفاز أن الشّرّاع دخل الجامع الأموي في المدينة القديمة بدمشق، فركب سكوترته وتوجّه مسرعاً إلى هناك، فرأى من الإمام الذي سيصبح رئيس سوريا مستقبلاً يخرج من الجامع التاريخي.
التقت الجزيرة بيامن بعد أيام، خارج ذلك الجامع، في أول جمعة لاحقة لتحرير دمشق. قال آنذاك: «بفضل هذا التحرير، عاد اليّ الأمل». في 7 ديسمبر 2025، وعلى أبواب ذكرى تحرير دمشق، بدا يامن في الحادية والعشرين من عمره أكثر امتلاءً في ملامح وجهه، متحدثاً بهدوء وبتأنٍ فكري. سرد مجموعة من التحسّنات التي لاحظها تحت إدارة جديدة يقودها الشّرّاع: ترميم الشوارع، إصلاح البنى التحتية، تحسّن سعر الصرف، تحسّن في القطاع الصحي، ورفع رواتب الموظفين.
«ما ذكرتُه أشبه بطرف جبل الجليد، ولا يزال الطريق طويلاً أمامنا للتحسّن أكثر إن شاء الله»، قال. وأشار أيضاً إلى مسألة حرية التعبير، التي كانت تحت حكم الاسد تُقابَل بالسجن لأي نقد يوجَّه للنظام. كثيرون من السوريين أخبروا الجزيرة أن حيازة الدولار أو مجرد التلفّظ بكلمة على الهاتف قد يؤدي إلى العقاب أو الاعتقال. «قضية حرية التعبير هي من القضايا التي أحدثت فرقاً كبيراً»، قال يامن.
لم يغفل يامن الإشارة إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة في حمص والساحل السوري، حيث ساهمت قوات مرتبطة بالحكومة الجديدة في اندلاع عنف طائفي واسع في مارس. «الآن نجلس هنا؛ قد تختلف معي في رأي سياسي، لكن تحت النظام القديم كنت تحسب لكل كلمة»، قال.
في يوم الذكرى نفسه نزل يامن إلى ساحة الأموي للمشاركة في الاحتفالات والابتهاج الجماعي. كانت التوقعات تشير إلى حضور عشرات الآلاف؛ وعند الثالثة عصراً انطلقت الألعاب النارية بينما حلّقت طائرات هليكوبتر ومظلات بمحركات في السماء، وأسفل الساحة كانت مكتظة بالجماهير تلوّح بالعلم السوري الأخضر والأسود والأبيض. تواصل تدفق الناس إلى المواكب التي أعلنت الحكومة أنها ستبدأ في الثامنة مساءً.
جوبر ما زالت مدمّرة، وإعادة الإعمار ستستغرق سنوات. قارن يامن بين ما حلّ بمنطقته وما تسبّبت به إسرائيل في قطاع غزة من خراب. في ظل عهد الأسد، اُقْتلعت أحياء بأكملها بقنابل برميلية وغارات جوية وحصار. وقدّر البنك الدولي تكاليف إعادة الإعمار في سوريا بين 140 و345 مليار دولار.
«لن أنسى زمن نزوحنا القسري»، قال؛ «منطقتنا وناسنا وعائلاتنا في الغوطة وجوبر نزحوا». ومع ذلك، لم يعد يامن يحلم بإسبانيا. «هناك أمور تجعلني أريد أن أتحدى كل شيء وأبقى؛ هذه ليست مسألة شخصية فقط»، قال، وهو في سنته النهائية في كلية الحقوق ويأمل في العثور على وظيفة بعد التخرج. قبل ذلك، ملأه الشك من العمل في المجال القانوني بسبب الفساد، لكن اليوم إن وجدتُ فرصة جيدة بعد التخرج، سواء في القطاع الخاص أو في صفوف الدولة، فسأغتنمها لأساهم في مساعدة هذا البلد.