رحيل أيقونة السينما الفرنسية عن عمرٍ يناهز 91 عاماً

توفيت الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عاماً، تاركة وراءها إرثاً فنياً واجتماعياً معقَّداً جمع بين مكانة أيقونية كرمز للتحرر الجنسي وثورة سينمائية في خمسينيات القرن العشرين، وبين جدل وصدامات في سنواتها الأخيرة.

عرفت باسم “بي بي” في فرنسا وشاركت في نحو خمسين فيلما، من بينها فيلم And God Created Woman (1956) الذي جعلها نجمة عالمية وأعاد تشكيل صورة المرأة على شاشة السينما. اعتزلت التمثيل في عام 1973 عن عمر يناهز 39 عاماً لتكرّس حياتها لقضية رعاية الحيوان، وأسست في 1986 “مؤسسة بريجيت باردو” التي تعمل على حماية الحيوانات البرية والدمية وحملات التوعية حول الرفق بها. رددت قولتها الشهيرة: «قدّمت شبابي وجمالي للرجال، وأعطي حكمتي وخبرتي للحيوانات».

وصف الرئيس إيمانويل ماكرون رحيلها بأن فرنسا فقدت “أسطورة هذا القرن”، مشيداً بأفلامها وصوتها وبصورتها التي أصبحت رمزاً، بينما نعَتها مؤسستها بفَقدانٍ شديد وبالقول إنها كانت “ممثلة ومطربة ذات شهرة عالمية اختارت التخلي عن مسيرة مرموقة لتكريس حياتها ومجهودها لرفق الحيوان”. لم تُحدد المؤسسة مكان أو زمان الوفاة.

حصلت باردو على مكانة استثنائية منذ اكتشافها مراهقةً على غلاف مجلة Elle، إذ عشقها المشاهدون لصورها ورشاقتها وحضورها على الشاشة. قدّمت أدواراً لافتة في أعمال مثل The Truth وContempt (تحفة جان-لوك غودار) وViva Maria!، وأظهرت في أعمال أخرى قدراتها الدرامية والكوميدية في Love on a Pillow، Two Weeks in September وThe Bear and the Doll. كما تركت بصمة في عالم الأزياء بشعرها الأشقر وفَرش لجفنيها الجريء؛ وحتى قصة فتحة الياقة الواسعة عرفت لاحقاً باسم “ياقة باردو”.

حياتها الشخصية كانت مضطربة؛ تزوّجت أربع مرات وأنجبت ابنها نيكولا من الممثل والمنتج جاك شارير، الذي توفي في سبتمبر. رفع نيكولا دعوى أمام والدته تطالب بتعويض عن أضرار نفسية بعد كتابٍ سردتْ فيه أنها كانت تفضل “إنجاب كلب صغير” بدل طفل — تصريح أثار قلقاً واسعاً.

يقرأ  الإعلان عن زملاء أرشيف مركز الحِرَف لعام ٢٠٢٥

على الرغم من نجاحها واهتمامها بالحيوانات—فأصبحت نباتية وهددت في 2013 بطلب الجنسية الروسية احتجاجاً على نية سلطات حديقة حيوان فرنسية قتل فيلين مريِضين—إلا أن سمعتها العامة تضررت لاحقاً بسبب تصريحات وكتابات اعتُبرت معادية لبعض الفئات. من أواخر التسعينيات رُفعت ضدها عدة غرامات بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية بعد تصريحاتها ومقالات على موقعها عن المسلمن، وقد غُمّرت بغرامة قدرها 15 ألف يورو عام 2008 بعد منشور اعتبره القضاء قائماً على التحريض. كما أثار كتابها الصادر عام 2003 A Cry in the Silence انتقادات حادة حين اتهم فيه مثلاً أن المثليين والفن الحديث والسياسيين والمهاجرين يهدّدون الثقافة الفرنسية. وفي 2018 وصفَتْ تصريحات بعض الممثلات حول التحرش عبر حركة #MeToo بأنها “مناكفة ومضحكة وغير مثيرة للاهتمام”، وأكدت في مقابلة أنّ “الكثير من الممثلات يتوددن للمنتجين للحصول على أدوار”.

كما نعى بعض السياسيين بباردو؛ فتقدّم زعيمة اليمين الفرنسي ماريان لوبان بتعزية واصفة إياها بـ”امرأة استثنائية بموهبتها وشجاعتها ووضوحها وجمالها”. زوجها في سنواتها الأخيرة كان برنارد دورمال، الذي سبق له أن كان مستشاراً لسياسي اليمين المتطرف جان-ماري لوبان، والد ماريان.

تُرحَّم باردو اليوم على مناصرين لحماة الحيوان الذين اعتبروها صوتاً صارخاً لحقوق الحيوانات، وفي المقابل تُذكَر بانتقاداتٍ حادة تتصل بتصريحاتها المثيرة للانقسام حول الإسلام والمثليين وحراك #MeToo، لتبقى بذلك شخصية عامة مركّبة: أيقونة سينمائية ومثالاً للأناقة والتحرر في الستينيات، ومثيرة للانقسام في عقودها الأخيرة.

أضف تعليق