ردود مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية على استعراض القوة في بكين

لحظات محورية من العرض العسكري الصيني

صورة باقية في الذاكرة
في الساحة قبل إطلاق المدافع، قدّم الاجتماع العام لزعيم الصين شي جين بينغ مع زعماء روسيا وكوريا الشمالية — فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون — صورةً رمزية قوية: مصافحات طويلة، مشية مشتركة إلى منصة العرض، ووقفة موحدة أمام قواتٍ استعرضت دقة التنظيم وقوة العتاد. كان هذا الظهور العام المشترك الأول من نوعه، وواجهته واشنطن بتكهنات وتحذيرات سياسية، بينما استغله بكين لتؤكد أنها على «جانب التاريخ الصحيح».

عرضٌ تقني وعسكري متقدم
شهد الاحتفال كشفاً عن مجموعة من الأسلحة والتقنيات الجديدة: صاروخ عابر للقارات نووي جديد، صواريخ طريقية قادرة على حمل أسلحة فرط صوتية، أسلحة ليزرية مضادة للطائرات المسيرة، وطائرات دون طيار تشبه «الكلاب الروبوتية». كما تبيّن وجود مشاريع لغواصات درونات نووية المسار وقدرات اتّكالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. العرض لم يكن مجرد استعراض للماضٍ؛ بل رؤية نحو المستقبل العسكري الصيني وتأكيدٌ على تسريع برنامج تحديث جيش التحرير الشعبي.

الاستعراض كرسالة دولية
الفعاليات كانت مصممة لتوجيه رسالة استراتيجية: أن بكين تسعى لأن تكون لاعباً قيادياً على المسرح العالمي، ليس فقط كقوة اقتصادية ثانية، بل كقوة موازنة للهيمنة الأميركية. في هذا السياق، يقرأ البعض العرض على أنه محاولة لملء فراغ مؤسسي تركته انسحابات أو إضعاف للالتزام الأميركي بالقواعد والمؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية — منظومه دولية تتصدع ويبرز مكانها بديل قد يعطي الأولوية للسيادة والقوة والتنمية على حساب القيم الغربية التقليدية.

تحالفات متغيرة وتأثيرها على الغرب
توافد قادة دول وصور التحالفات الإقليمية أثارت قلق العواصم الغربية. الانزياح السياسي والاقتصادي نتيجة سياسات الحمائية والرسوم الأميركية دفع دولاً مثل الهند إلى إعادة وزن علاقاتها، مما يفتح مساحة دبلوماسية لبكين. ومع ذلك، لا يظهر تكتل كامل بين هذه القوى؛ الخلافات الإقليمية، وغياب بعض الدول البارزة عن المشهد، يذكّران بأن التحالفات الجديدة ليست مترابطة بالكامل.

يقرأ  جماعة متمردة: انهيار أرضي في السودان يودي بحياة أكثر من ألف شخص

رسالة مُوجهة إلى واشنطن
كل تفصيل بصري ودبلوماسي خلال الأيام الأخيرة بدا موجهاً إلى إدارة ترامب: إذا كنتم تسعون لإعادة ترتيب الأولويات لصالح «أميركا أولاً»، فإمكاننا نحن تقديم نموذج بديل. الابتسامات والتصريحات المتبادلة والترتيبات البروتوكولية وصفت بأنها محاولة لإظهار تضامن مُظهري بين قادة يُعتبرون على هامش الأنظمة العقابية الدولية.

الأسلحة التي تثير قلق الغرب
من منظور عسكري، فإن عناصر مثل الصواريخ الفرط صوتية والمشغلات الذاتية والقدرات الليزرية والدرونات البحرية العملاقة تُعدّ قفزات نوعية، وستخضع الآن لتحليل مكثف من مختصّي البنتاغون وحلفائه. عدد صواريخ الصين النووية لا يزال أقل بكثير من مخزونات روسيا والولايات المتحده، لكن وتيرة التوسّع والابتكار في وسائل إيصال الرؤوس الحربية تلفت الانتباه وتحرّض على مراجعات استراتيجية.

خاتمة
لم يكن عرض بكين مجرد ذكرى لحدث تاريخي قبل ثمانين عاماً؛ بل كان بياناً استراتيجياً شاملاً: تجسيد لقوةٍ عسكرية متطورة، إعادة ترتيبٍ للتحالفات، وسعيٍ واضح لبناء نفوذ دولي بديل. المشهد نفسه يضع الغرب أمام أسئلة تتعلق بكيفية التعامل مع منافسٍ يسعى للظهور كمركز قوةٍ سياسيِّ اقتصاديّ وعسكريّ في آن واحد.

أضف تعليق