رغم المكاسب الانتخابية… لا يزال الديمقراطيون الأمريكيون يواجهون تساؤلات كبيرة

بعد سنة من الخسائر وانعدام زعامة واضحة، يقف الحزب الديمقراطيو عند مفترق طرق سياسي واستراتيجي.

في ثلاثة سباقات انتخابية هذا الأسبوع حصل الحزب على جرعة من الثقة: فوز مرشح يساري شعبي عمره 34 عاماً في نيويورك، وستسجل فيرجينيا أول امرأة تتولى منصب الحاكم بعد انتصار سابقة لوكيلة في وكالة الاستخبارات، وفي نيوجرسي حقّقت النائبة ميكي شيريل، الطيارة السابقة في البحرية والتي جعلت معارضة دونالد ترامب محور حملتها، فوزاً حاسماً على مرشح مدعوم من الرئيس.

المرشحون الثلاثة — زهران مامداني في نيويورك، أبيغيل سبانبرغر في فيرجينيا وميكي شيريل في نيوجرسي — خاض كلٌ منهم حملة بمسارات مختلفة، لكن انتصاراتهم أثارت نقاشاً واسعاً داخل الحزب حول أي اتجاه ينبغي اعتماده: الوسط أم الجناح اليساري، خصوصاً مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية 2026 والاستعداد لسباق 2028.

بدون حامل راية واضحة قبل الانتخابات الرئاسية، يواجه الديمقراطيون تحديّاً في بلورة رسالة موحدة، إعادة بناء العلامة السياسية وتجديد الاستراتيجية لاستعادة الناخبين. البعض يرى أن التركيز على أزمة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة هو الطريق، فيما يصر آخرون على المواجهة السياسية الأشدّ مع ترامب.

انتقادات لاذعة توجهت للحزب بعدما فقد البيت الأبيض واثنتين من غرف الكونغرس ومناطق تنافسية عدة، إلى جانب تراجع في دعم شرائح مهمة مثل الطبقة العاملة والأقليات والناخبين الشباب. وحسب تقرير نيويورك تايمز، خسر الحزب نحو 4.5 مليون ناخب مسجل لصالح الجمهوريين بين 2020 و2024. واستقصاء لصحيفة وول ستريت جورنال وجد أن 63% من الناخبين ينظرون إلى الحزب بتعاطٍ سلبي، أعلى مستوى منذ 1990.

لكن نتائج اقتراع خارج العام قد تشير إلى بداية تحوّل: جميع المرشحين الثلاثة ركزوا، كل بطريقته، على خفض التكاليف والرسوم. مامداني اتبع خطاباً شعبوياً يسارياً طرح تجميد الإيجارات، وحافلات مجانية ورعاية أطفال شاملة تمولها ضرائب على الأغنياء. شيريل ركزت على خفض فواتير الخدمات، فيما سلّطت سبانبرغر الضوء على ارتفاع التكاليف لأهالي الولاية وخصوصاً العاملين الفيدراليين الذين تأثرت حياتهم نتيجة تقليصات الحكومة.

يقرأ  اختفاء تلاميذ المدارس الحكومية بدأ بالفعل…وما يزال الأسوأ في الطريق

سيمون بازيلون، الذي أعد تقريراً استقصائياً واسعاً عن أسباب هزيمة الديمقراطيين في 2024، قال إن الناخبين يريدون من ممثليهم أن يقضوا جلّ وقتهم في إيجاد حلول سياسية لأزمة القدرة على التحمل. التقرير المكون من 58 صفحة، بدعم من لجنة عمل سياسي تؤيد مرشحين وسط-يساريين، انتقد انجراف الحزب نحو قضايا ثقافية واقتصادية يسارية على حساب القضايا اليومية التي تهم الناخبين مثل تكاليف المعيشة والأمن الحدودي والسلامة العامة.

الانتقادات شملت تباطؤ إدارة بايدن في الاعتراف بتداعيات التضخم، وحملات “بايدنوميكس” التي فشلت في إقناع الناس الذين شعروا بارتفاع الأسعار في حياتهم اليومية. كما قال بازيلون: “كفّوا عن محاولة إقناع الناس بأن ما يعتقدونه خاطئ؛ في ديمقراطية، إذا لم نأخذ الرأي العام بجديّة فسنهزم أمام من لا يأخذ الديمقراطية بعين الاعتبار.”

ورداً على الهزائم الانتخابية، اعترف الجمهوريون وحتى ترامب بضرورة معالجة الرسائل الاقتصادية. استدعى ترامب أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى البيت الأبيض لمناقشة إنهاء إغلاق الحكومة الأطول في التاريخ الأمريكي. جيمس بلير، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض السابق ومدير الحملة السياسية لترامب 2024، قال إن الرئيس سيركز بقوة على الأسعار وتكاليف المعيشة.

المشكلات الاقتصادية متراكمة: تعريفات تجارية عالمية أثّرت على المستوردين الأمريكيين وساهمت في التضخم حسب خبراء، فيما تتصاعد أقساط التأمين الصحي وتتعرقل مساعدات الغذاء لملايين أثناء إغلاق الحكومة. كما وصفت ليبي شنايدر، نائبة المدير التنفيذي للجنة الوطنية الديمقراطية، الأوضاع بأنها “كرة ثلج من الصدمات الاقتصادية يشعر بها الناس دفعة واحدة.”

التركيز على القضايا المحلية للاقتصاد مفيد لكنه محدود. الحزب واسع التوجه يضم يساراً ووسطاً، ومع اقتراب 2028 سيضطر لاتخاذ خيار إيديولوجي واضح عند اختيار مرشحه وبرنامجه. الاستراتيجية ستتبلور إلى حدّ كبير عبر الانتخابات التمهيدية المقبلة.

يقرأ  منصة العلامة التجارية الجديدة لليونيسف في المملكة المتحدةتحتفي بالروح الطفولية التي لا تُقهر

من جهته، حذر الاستراتيجي الجمهوري مات غورمان أن تمويل الحزب وطاقته تركزت في الفترة الأخيرة على اليسار، وأن الجمهوريين سيأملون أن يخرج المرشح العام من ذلك الجناح. في المقابل، دعا الديمقراطيون إلى جعل الرسالة حول القدرة على التحمل محركاً لاستعادة الناخبين الذين نجح ترامب في جذبهم.

النواب اليساريون مثل رو خانا دَعَوا إلى الانتقال من حديث عام عن القدرة على التحمل إلى برنامج اقتصادي وطني جريء يتضمن بنوداً ملموسة للمواجهة مع التفاوت، مثل توسيع الرعاية الطبية، فرض ضريبة على المليارديرات وتعميم رعاية الأطفال، مع بقاء المرشحين المحليين أحراراً في تكييف تلك السياسات حسب مجتمعاتهم.

من ناحية أخرى، استغلّ الجمهوريون فوز مامداني لصناعة سردية أن الحزب استولى عليه “توجه شيوعي”؛ وذهب ترامب إلى وصف الاختيار بين “الشيوعية والمعقولية”. ووسط هذا الجدل، قال مات بينيت من مركز الأبحاث الوسطي Third Way إن الخلاف داخل الحزب سيكون حول كيفية محاربة ترامب: هل نردُّ الشعبوية اليمنية بشعبوية يسارية أم باتباع نهج آخر؟ وأكد أن الديمقراطيين بدأوا يتعلمون كيف يواجهون ترامب.

الانتخابات كشفت كذلك عن طاقم جديد من القيادات: الفائزون؛ مامداني (34)، سبانبرغر (46) وشيريل (53) يمثلون جيلاً أصغر يسعى لإعادة تشكيل الحزب في وقت يهزّ فيه الانقسام بين الأجيال قواعده. بعد فوز ترامب العام الماضي وتكرار الشكوك حول عمر قادة الحزب، توفي أربعة نواب ديمقراطيين خلال العام الماضي أيضاً، ما زاد من الإحساس بالحاجة إلى تجديد.

في دوائر الحزب، هناك أصوات تؤيد إحضار دماء جديدة ولكنها تؤكد أن ذلك ليس وحده كافياً لاستعادة ثقة الناخبين. ساعي التغيير سايكات تشاكربارتي تحدّى القيادات القديمة لأنه اعتقد أن التيار يحتاج إلى تنظيم أفضل لصالح الطبقة العاملة ومحاربة الفساد والمال الكبير. أما أماندا ليتمن من مبادرة Run for Something فشدّدت على أن المشكلة الأساسية هي الثقة؛ ولذا أطلقت المجموعة خطة بميزانية 50 مليون دولار لإعادة بناء ثقة الناخبين في مناطق فقد فيها الديمقراطيون أرضهم.

يقرأ  فيلمٌ مدته ٢٣ ساعة: صحفيون يطرحون تساؤلات حول فلسطين

الخلاصة: السؤال الكبير الذي يواجه الحزب ليس فقط من سيكون الوجه الجديد، بل ما إذا كان هذا الوجه سيتجه نحو اليسار أم نحو الوسط-اليسار — قرار سيفصّل مستقبل استراتيجيتهم الانتخابية على مدى الأعوام المقبلة.

أضف تعليق