روبوتات إسرائيلية متفجرة ما تزال ترعب أحياء غزة

غزة: العودة إلى المنازل وسط ركام الربوتات المتفجرة

أعاد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس آلاف العائلات إلى منازلها في مدينة غزة، حيث عاد الناس لتقدير حجم الخسائر، واحتساب ما يمكن إنقاذه، وبدء محاولة إعادة البناء. في مناطق مثل جباليا وحي الشيخ رضوان وأبو عسقَندر وما جاورها، عاد السكان إلى أحياء مهشمة، مع إدراك مرير بأن بعض الأجهزة المتفجرة لا تزال مدفونة بين الأنقاض، صامتة وغير منفجرة.

القلق يسود: لا يعلم الناس أين تختبئ جميع الأجهزة غير المنفجرة، ولا يعرف كثيرون كيف يتصرفون إذا عثروا على واحد منها، مما يزيد من مزيج الألم والارتباك الذي يرافق هذه العودة إلى المنازل.

الربوتات المتفجرة

أصبحت “الربوتات” مصدر رعب متكرر في شمال غزة منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي توظيفها لأول مرة في مخيم جباليا في مايو 2024. وسجل مرصد يورو-ميد لحقوق الإنسان أن وتيرة نشر هذه الآلات تصاعدت بوتيرة “غير مسبوقة” في الفترة التي سبقت تهدئة أكتوبر، وأنها استُخدمت لتدمير «نحو 300 وحدة سكنية يومياً في مدينة غزة وجباليا». كان لنشرها أثر مدمر على البنى التحتية — أضرارٌ وصفها مسؤولون بأنها مروعة.

تتألف هذه الأجهزة من ناقلات مُدرَّعة تُحمّل بالمتفجرات، ثم تُسحب إلى مواقعها بواسطة جرافات مدرعة. وبعد انسحاب الجنود، تُفجَّر هذه العِربات عن بُعد، مُحيلة ما يحيط بها إلى ركام. قليلٌ ما يُعرف عن المواد المتفجرة نفسها أو مدى اتساقها بين غارة وأخرى، بحسب ناطق باسم الدفاع المدني في مدينة غزة، محمود باسل. لكن قدرة هذه الوسائل على التدمير كانت واضحة، وذكر باسل أن “نطاق القتل” الذي تسببه قد يمتد حتى نحو 500 متراً (550 ياردة).

حكايات من الميدان

يتذكر شريف شادي، الشاب البالغ من العمر 22 عاماً من مخيم جباليا، كيف أن أصوات الحروب السابقة — القصف الجوي والهاونات والصواريخ — كانت محفورة في ذاكرته منذ الطفولة، لكن خلال الهجوم البري الأخير على شمال غزة برز له صوت جديد أكثر رعباً: صوت الربوتات. لم تمض لحظات حتى انفجرت الأجهزة، وبخّرت أحياء كاملة.

يقرأ  اتفاق تاريخي يمهد الطريق لحقنة وقائية من فيروس نقص المناعة البشرية بتكلفة أقل

يصف شادي المشهد قائلاً إن “الروبوت المتفجر يدخل كتلة سكنية كاملة… وبعدها بلحظات يتحول كل شيء إلى أنقاض”، ويضيف أنه في صباح ذلك اليوم كان في الشارع يسعى لتأمين احتياجاته واحتياجات أسرته المؤلفة من تسعة أشخاص، عندما شاهد جرافة من طراز D10 تسحب جهازاً باتجاه الحي. ففرّ على الفور مسافة لا تقل عن مائة متر، لكنه وجد نفسه لاحقاً تحت الركام نتيجة شدة الانفجار — ومن كانوا أقرب إلى الموقع لم يبقَ منهم شيء يُذكَر.

بعد أيام فقد صديقاً كان مريضاً ويحتاج للوصول إلى مستشفى كمال عدوان، رافقه شادي في الطريق ورأى الربوت يقترب. في لحظة ذعر تفرّقَ الاثنان، وبعد الانفجار العنيف عاود شادي البحث في المكان الذي كان قد رأى فيه صديقه للمرة الأخيرة فلم يجد له أي أثر. تبخّر جسده بالكامل.

وفقاً لتقرير يوروميد، فإن الدمار العشوائي والواسع الذي تسبّبه هذه الأجهزة يضعها «تحت فئة الأسلحة المحظورة، واستخدامها في المناطق المأهولة يشكّل، بالنسبة للمدنين، جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانيّة».

لم يعترف الجيش الإسرائيلي ولا الحكومة علناً باستخدام هذه الأسلحة، رغم أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ابلغت عن ذلك. ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب تعليق من قناة الجزيرة.

تبعات سامة، وأزمة تنفّسية

لا ينتهي التأثير بانفجارٍ واحد، كما يوضح الدكتور محمد أبو عفّاش، مدير جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غزة. تترك «الروبوتات المتفجِّرة» وراءها أبخرة وغازات سامة، «رائحة كريهة قوية» تبقى في المكان وتتسبب في مشاكل تنفّسية خطيرة لدى الناس.

«ظهرت حالات متكررة للاختناق وصعوبات في التنفّس، ولا يزال المواطنون يعانون من هذه الأعراض نتيجة استنشاق غازات سامة يُعتقد أنها تحتوي على الرصاص ومواد كيميائية خطيرة»، يضيف.

أم أحمد الدريملي، المقيمة في صبرا بمدينة غزة، وصفت الرائحة بأنها «مزيج من بارود وفلز محترق شَبِق إلى رئَتينا، فأصبح التنفّس صعباً بعد الانفجار بفترة طويلة».

يقرأ  وثائق مسرّبة تكشف استغلال حماس لمستشفيات غزة

كانت أم أحمد، وهي أم لثلاثة أولاد أكبرهم أحمد البالغ من العمر عشرة أعوام، مع عائلتها في منزلها الطفولي المتضرر عندما سمعت صراخ الجيران في الشارع ينبهها إلى الخطر. جاءت الانفجارات بعد لحظات، ولم تُمنح إسرائيل أي إنذار أو وقت للفرار.

كان صوت الانفجار مختلفاً، تقول أم أحمد؛ كان هديراً معدنياً ثقيلاً، ليس كالنفخات أو صفير الطائرات أو صفعات الصواريخ التي اعتدنا عليها… وكأن الأرض تُنتزع من تحت أقدامنا.

منظر جوي يظهر منازل ومباني فلسطينية مدمّرة في رفح جنوب قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، 22 يناير 2025.

تمهيد للغزو

رأى محمد أبو تمّوس من قسم الإعلام في الدفاع المدني والإسعاف الروبوتات المتفجرة مرّات عدّة أثناء العمل الميداني. «عند التخطيط لغزو منطقة معيّنة، تستخدم القوات هذه الروبوتات لتسوية المباني ومسح المعالم تمهيداً لتقدّم المركبات»، يشرح.

يقول إنها استُخدمت في أنحاء شمال غزة، بما في ذلك مخيم جباليا، بيت حانون، تلّ الزعتر، بيت لاهيا، حيّ الطفّاح، الشجاعية، الزيتون، صبرا، الشيخ رضوان، أبو إسكندر، ومركز جباليا.

لا صفير لصاروخ آتٍ ولا صفارة إنذار جوّية — فقط الانفجار، يليه سحب بيضاء هائلة. «الضربات الجوية على شقّة أو مبنى قد تؤثر على بيتين أو ثلاثة مجاورة، لكن الروبوت يدمر صفّاً كاملاً مكوّناً من عشر بيوت متلاصقة»، يقول أبو تمّوس.

وأضاف أن جنوداً إسرائيليين يستخدمون هذه الروبوتات المتفجِّرة في مناطق سكنية مكتظة محاصَرة ومقطوعة، لكي يمنعوا دخول فرق الإسعاف والدفاع المدني للمساعدة. وحتى عندما يُسمح لفرق الإنقاذ بالدخول، يكون الدمار غالباً بحيث يتعذّر عليهم تمييز المعالم أو تحديد امتداد الشوارع أو بداية نهايتها.

أثناء وقف النار في يناير، وجد الفريق روبوتاً لم ينفجر في تلّ الزعتر وتمكّنوا من فحص محتوياته. «كان هناك مادة صفراء ذات قوام عجيني في حاوية لم نستطع تحديدها، لكنها برزت بين كل المتفجرات التي رأيناها»، يقول.

يقرأ  كوريا الجنوبية تسمح للممارسين غير الطبيين بمزاولة فن الوشم

مع عودة الناس إلى غزة المدينة، يشعر أبو تمّوس بالقلق لأنه شاهد روبوتات لم تنفجر، وهو وفريقه لا يستطيعون فعل الكثير حيالها. «كل ما نفعله هو تحجير محيط المكان وتحذير الناس من الاقتراب، لكن لا شيء آخر بيدينا»، قال. «نبلغ فرقة تفكيك المتفجرات المتخصصة، لكنهم يحتاجون معدات أكثر تُدخَل إلى غزة للتعامل مع ذلك».

نُشر هذا المقال بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق